الأخلاق

(الأخلاق حالة نفسية تصدر عنها الأفعال من خير أو شر..) هكذا تُعرَّف الأخلاق، وهو ما نشاهده ونحكم به على الأفراد في السلوك الاجتماعي بصورة عفوية. ولكن ما نلمسه في هذه الأيام هو ما يشبه السخرية من المواقف الأخلاقية (الخيّرة) فإذا صدر من الفرد موقف مضاد لموقف شرّير، وصف( بازدراء) بأنه موقف أخلاقي. وهذا ما ينبئ بانهيار روحي يجر المجتمع إلى الهاوية. السؤال الملح: هل هناك ما يمنع من هذا الانحدار إلى الهاوية؟ أي هل هناك بارقة أمل في توقف هذا الانهيار البشري؟ هذا يتوقف على إجابة السؤال الآتي: هل صفات الفرد(أخلاقه) ثابتة أم متغيرة؟ علم النفس يقول: يمكن أن يغير الفرد من أخلاقه بشرط أن يكون دافعه للتغيير ذاتيا، وبجهد متواصل. وحين قرأت هذأ ضحكت طويلا؛ لأن العوائق التي تحول دون ذلك نابعة، غالبا، من الداخل، فإيقاف قدرة الفرد على الفعل، إذا كان قادرا عليه، لا يقوم به إلا شخص ولد في ليلة لا ظلام فيها. إن موت (الضمير)، وهو ما يميز الإنسان عن الحيوان ــ حسب قول دارون ــ لا يمكن أن يحييه مَن تلوّث بأوضار زماننا إن لم يكن ولد في ليلة بيضاء. حين أقول (الزمن) أقوله تعبيرا عن حركة المجتمعات، وكيفية التفاعل الاجتماعي فيها والذي يتسارع فيه انهيار القيم التي بناها البشر عبر كفاحهم وتجاربهم طوال التاريخ، الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال: ما هو السبب في تسارع هذا الانهيار؟ في ظني أن السبب هو انهيار الاعتقادات التي كان البشر لا يشكون في ثباتها. فكم من القيم زعزعتها نظرية دوران الأرض، بدلا من ثباتها. لقد كانت هي مركز الكون وإذا بها مجرد ذرة في مجرات لا حصر لها؟ وكم زعزعت نظرية دارون؟ وكلما زحف العلم جرف في طريقه اعتقادا، وفتح للشك أبوابا داخل الإنسان، بالإضافة إلى الشك الفلسفي الذي اكتسح كثيرا من الأفكار المجردة. وبعد بلاء الفلسفة البرغماتية حلت كارثة (النسبية) حيث نقلها المغرضون من حقلها الفيزيائي إلى الحقل الأخلاقي والثقافي حيث انهيار المقاييس. وقد وقف أحد مفكرينا وهو عبدالوهاب المسيري وقفة غاضبة من النسبية حيث قال: (النسبية تعني استحالة الوصول إلى اليقين، وتنزع القداسة عن العالم ــ الإنسان والطبيعة ــ وتجعل كل الأمور متساوية، فلا فرق بين العدل والظلم. إنها أسقطت المعايير) وإذا سقطت المعايير تساوت كل الأشياء، وتصافحت الأضداد.