المثل في الشعر.

يستلهم الشاعر فكرة قصيدته من صوت (طرقة الباب) كما يستلهمها مع مرور سحابة أو هدير أمواج، المهمّ كيف يُحيل تلك الخطرات إلى شعر يدهشك. وأكثر ما استثمر الشعراء الأمثال والحكم الدارجة على ألسنة الناس. يقول سعد الهلولي - شاعر من محافظة ينبع العزيزة- له ميسمُه الخاص الذي يطبع به نصوصه: بلشنا بالسكاكين وعددها والجمل ما طاح تخيل في مطيحه كم تصل حسبة سكاكينه وهو معنى استلهمه الهلولي من المثل الدَّارج: “إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه”، ومعلوم أن الجمل يُعدّ مضرب المثل في القوة والتحمّل -خصوصًا- في حمل المتاع وقطع المسافات، فيوصف الرجل الذي يصبر على الشدَّةِ ويُقدّم على المهمَّات الصعبة بالجمل. والمهمّ أن يحسن الشاعر صهر المثل في نصّه، فيضيف للمعنى الذي يريده كما فعل الشاعر مبارك بن ناجي الشريف وهو يقول: عز الله إن الفلاحهْ مثل دلو مقيط ورشاه حاديتها لين حدّتني وبذ الله عنايه واليوم صارت عليّه مثل بيت اجحا ومرساه وإن جيت أبصبر على حبل الشقا ما له نهايه وفي الأبيات التي يشكو فيها بن ناجي حاله مع الزراعة مثلان: الأول (أجحا ومرساه) وهو مأخوذ من (مسمار حجا) والثاني (مقيط ورشاه) والأخير من الأمثال الشعبية المعروفة ، ويضرب لمن لا يقدّر عواقب الأمور، وله قصة لمن أراد الرجوع لها في مصادر التراث. ويقول صديقي الدكتور الشاعر: محمد بن راضي الشريف من قصيدة طويلة نختار منها محل الشاهد: ولا تاهت الخطوه وحارت وامست الاريا قطير حط السعد قدمك ولاقه واترك الليل وقطاه وفي عجز البيت (واترك الليل وقطاه) يشير للمثل الذائع (لَوْ تُرِكَ القَطَا لَيْلاً لَنَامَ)، وقصته حين نزل عمرو بن مَامَةَ على قوم من مُرَاد، فطرقوه ليلا، فأثاروا القَطَا من أماكنها، فرأتها امرأته طائرة، فنبّهت المرأةُ زوجها، فَقَال: إنما هي القطا، فَقَالت: لو تُرِكَ القطا ليلا لنام. وهو يضرب لمن حُمِلَ على مكروه من غير إرادته. ومن الشعراء من أبدع أمثاله الخاصة، ما يدلّ على شاعريته الفذة وعمق تجربته الإنسانية كما فعل المتنبي، وهو من القلائل الذين تفوّقت أبياتهم حتى في حال تأثّره بمن سبقه، وأبدع أمثاله وحِكَمه التي طارت بها الركبان: وَمَنْ يَكُ ذَا فَم ٍ مُـرٍّ مَرِيضٍ يَجِدْ مُراً بِهِ الْمَاءَ الزُّلاَلاَ