في رواية « غفوة ذات ظهيرة» للكاتب عبد العزيز الصقعبي ..
تراجيديا السّيرة الروائية المُتخيّلة.
نبذة عن الكاتب: الاسم الشخصي: رشيد الاسم العائلي: ازروال شاعر وكاتب من المغرب، يشتغل في الصحافة ويقيم في الرباط. ماجستر الدراسات العربية. له عديد المساهمات النقدية والشعرية والصحفية، منشورة في منابر ثقافية واعلامية مغربية وعربية، منها: القدس العربي، العربي الجديد، مجلة ابداع المصرية، مجلة ميريت، اخبارالادب،العلم الثقافي، بيان اليوم الثقافي،انوال، ملحق الاتحاد، الميثاق الثقافي، المنعطف الثقافي،الصحراء،العلم، المنعطف،الاسبوع الصحفي،الاسبوعية الجديدة،مجالس،ماوراء الحدث،انوال،اصداء المغرب العربي،اسبوعية خميس،النشرة،المنبر،المبادرة،البوصلة،المرصد... له قيد النشر: ديوان شعري بعنوان: ايام الله الباردة ديوان شعري بعنوان: حداد اللّوز كتاب نقدي بعنوان: قراءات في قصيدة النثر العربية، نماذج نصّية. كتاب: مقالات في المسرح التجريبي في المغرب. كتاب: جماليات فن التشكيل، قراءات في أعمال فنانين مغاربة. ------ تثير رواية “غفوة ذات ظهيرة” للكاتب السعودي عبد العزيز الصقعبي إشكالية العلاقة بين الرواية والسيرة الذاتية، هذا التعالق الجدلي شغَل نقاد الرواية والسرديات عامة،وذهب البعض إلى تسييج حدود التجنيس بين النصوص الروائية ومثيلتها السيرة الذاتية في محاولة لفك الإرتباط، الأولى مُتخيل والثانية واقع،الأولى تستشرف الخيال الممكن تصوره، والثانية تستدعي الذاكرة البعيدة انطلاقا من مسار الطفولة على الأغلب. لهذا، أثمر التوتر الأجناسي بين النوعين نوعا ثالثا جمع الحُسنيين، هذا النوع أدى إلى تطوير تقنيات البناء السردي في الرواية، كما وأضفى مسحة أكثر أدبية على السيرة الذاتية بما هي توثيق تاريخ الشخصية الساردة بأسلوب أدبي للوقائع الملموسة التي عاشتها على الأرض. العتبة النصّية أو شعرية العنوان يكتنز عنوان الرواية” غفوة ذات ظهيرة” دلالات مفتوحة على تعددية التأويل ،فأنت تحار من المقصدية الموحدة للدال / العنوان، فلكأنما يدعوك إلى قيلولة سردية يقظة لا نوم فيها، بمعنى أن تلج فضاء النص مُتوثبا إلى التماهي مع ما يجري ويدور من أحداث وبين الشخوص ووسط هذه الأمكنة وداخل هذه المشاعر الإنسانية المتناقضة، أليس الإنسان كتلة مشاعر متناقضة قد تجتمع في آن واحد أو قد تتفرق في لحظة خاطفة، وتصبح هذه المشاعر كالجليد؟. الغفوة متصلة بتحول جوهري في النص، غفوة “ العم مسعود” التي لم يصحو منها وهُم في السيّارة الصاعدة مرتفع الهَدا، لهذا فالغفوة المُعَنْونة دلالة على الموت في وقت الظهيرة، ليس الموت البيولوجي فقط بما هو مفارقة الروح للجسد، هو أيضا موت الأمان في شخص مسعود المُتبني/ المُنقذ للطفل من حريق الدار في الطائف، بينما هو شارد شرود البراءة على العتبة. الظهيرة بما هي زمن دنيوي، تُحيل على القيلولة بما تتيحه من هدأة للبدن وإستراحة وغذاء، إنها الحياة نقيض الغفوة / الوفــــاة الصغـرى أو الكبرى ( الموت) في حالة “ العم مسعود”،الظهيرة هي أيضا مُرادفة ترميزية للسكون المُطبق علــى المكـــان ( سِمة الظهيرة في القيظ)، خفوت الحركة وسطوة الشعور بالفراغ. ثمة جمالية مُلفتة في العنوان، غفوة ذات ظهيرة جملة شعرية رائقة تميط اللثام عن الشاعر الذي يسكن السارد حتى وإن لم يكتب الشعر، وهل تشترط الشعرية في عُمقها أن تتقيد بأشكال؟ فالشعر في السرود القصصية والروائية من خلال كثير من النماذج النصِّية تجده أجمل من قصيدة تُصفر في الخواء بلا لسعات أخاذة. تراجيديا الحكي..الغفوة الحارقة الحكاية موجعة، أم منير مرضت بعد ولادته، الأب المهموم يجد فسحة أمل في علاج شريكة حياته في جمهورية مصر العربية في ذلك الزمان، فيعهد إلى صديق له حتى يرعى ولده بين أفراد عائلته إلى حين العودة إلى أرض الوطن. في يوم ما وفي غفلة من العائلة الراعية لمنير، يخرج الطفل المُتعثر الخُطوات ويجلس على عتبة الباب، كانت العائلة في غفوة تأخذ قيلولة بعد الزوال. في ذلك الزمان من منتصف القرن التاسع عشر في الطائف سُطِّرت التراجيديا الأليمة ، شبّت النيران في الدار فمات حرقا على إثرها جميع أفراد العائلة، من الغفوة خرجت الحكاية وتمددت وتشعبت عبر تقلبات الحياة وأحوال الشخصية كما لو أنها مؤشر لتحولات المجتمع المُتسارعة. منير يلتقطه مسعود من قبالة الباب وينجو به، فيتبناه كولد له، هو الذي لم يتزوج قط. ولمّا أدرك الأشياء من حوله يبدأ منير السَّير في متاهة البحث عن الذات والأهل والمصير. تمرُّ السنوات التي تتقاطع فيها الأحداث والمواقف الحياتية المختلفة ، ثم يكبر والده بالتبني ويقررأن يوصي له بثلث ماله،... وفي لحظة قدرية فارقة يخطئ السائق من يقود السيارة على طريق الهدا، صعوداً من مكة إلى الطائف بمعية مسعود الذي كان في غفوة في ومعه الوصية، فتهوي السيارة في أحد المنحدرات، يتوفى السائق ويستمر مسعود في غفوته الطويلة( غيبوبة)، عندئذ تضيع الوصية، وبعد فترة يتوفى مسعود.. فيسارع إخوته إلى تجريد إبنه بالتبني من ملابسه ويطردوه إلى خارج المنزل كي لا يحصل على شيء من الإرث. منير تتقلب به مسارات حياته، يقرر السفر إلى الرياض لتفشل كل مشاريع قرانه، لعدة أسباب كان أبرزها عدم معرفة أصله وفصله، منير القارئ النهم والمثقف، عاصر أحداث وتيارات وثقافات متعددة (صحوة، حداثة، جهاد، حروب)، كما لو كان شاهدا على عصره، وبعد نيله للتقاعد من عمله البسيط في الشركة الخاصة، اتصل به شخص اسمه عبدالعزيز، أنصت له منير بكل برود، أخبره عبد العزيز أنه يعرفه ويعرف أسرته، وطلب منه أن يدون له سيرة مختصرة ليعرضها على عائلته، وهكذا كان... الواقعية ملحُ السيرة الأجواء الواقعية هي السِّمة المُمَّيزة للأنواع السِيرية على إختلافاتها بين الذاتية والغيرية والمُتخيَّلة، وقد تتبدى الِمسحة الفانتازية في المُتخيَّلة منها، لكن الواقغية غلاّبة بالمُجمل.هكذا، تبدو رواية “غفوة ذات ظهيرة” واقعية إلى أبعد حد ضاجة بسردية تحفل بتقنية الإسترجاع (فلاش باك)ولطالما كانت التقنية سينمائية،ما يُنبئ عن ذلك هي تلك المشهدية التصويرية الطاغية، فيخَال القارئ نفسه أمام شريط سينمائي محبوك بنُكهة التشويق،وأصل الحبكة في السينما كما هو معلوم من الأدب بالضرورة..هي الرواية بالتأكيد أو السيرة الروائية من وجه آخر. الروائي عبد العزيز الصقعبي يتقن فن ترويض السرود، يتبدى لنا ذلك من خلال إمساكه بزمام المسار الحكائي وتحديده للِوجهة المُراد المرور منها بما يربط بين المشهدية المُجزَّأة بصريا المُلتئمة ِبِنية، الإنتقال من مشهد إلى مشهد مُتصل بخيط ناظم. * كاتب من المغرب