ضمن فعاليات شتاء جازان..

قرية (إرث) تقدم صوراً حية لماضي الآباء والأجداد.

جازان المنطقة التي تمتلك مخزوناً هائلاً من الإرث الحضاري من عادات وتقاليد وموروثات قديمة تعود إلى سنين بعيدة، ورغم وجود القرية التراثية التي تطل على الواجهة البحرية الجنوبية لمدينة جيزان، وهي تحتوي على أنماط البناء كالعشة التهامية وطرق البناء فيها، صعوداً إلى البيت الجبلي ودلالاته وأدواته نزولاً الى البيت الفرساني والبيئة البحرية إضافة إلى ما تكتنزه القرية من سوق شعبي وغيرها من مرافق امتزج فيها الماضي بالحاضر الزاهي، لكن شغف أبناء جازان وولعهم بالموروث والتراث وتخليد هذا الإرث للأجيال القادمة لا يتوقف، بل امتد هذا الشغف لدى البعض لحفظ هذا الإرث، ومن هنا تم العمل على إنشاء قرية أطلق عليها قرية (إرث) متزامنةً مع مهرجان شتاء جازان بإطلالة متميزة كوجهة سياحية ثقافية ترفيهية تقع قبالة الواجهة البحرية الشمالية لمدينة جيزان وتبلغ مساحة القرية (6000 آلاف متر مربع) وكان “لليمامة” فرصة التعرف على القرية والتجول فيها برفقة المشرفين عليها، استقبلتنا القرية من مدخلها بروائح النباتات العطرية الزكية التي تشتهر بها جازان الفل والكادي والبعيثران وغيرها، في القرية حراك ونسيج اجتماعي وأصالة ممزوجة بعبق الماضي واستشراف الحاضر والمستقبل، شبان وفتيات يعملون على تجسيد ماضي الأباء والأجداد، تضم القرية ثمانية وعشرين جناحاً وركناً لعل من أبرزها ركن الحلويات الجازانية – معصرة إرث – حرفيو إرث – سوق إرث الشعبي - المسار الزراعي – مطبخ قرية إرث الذي يقدم أشهي المأكولات الجازانية الشعبية الشهيرة بأيدي بنات الوطن، و تبرز الحرف اليدوية بشكل لافت، والتي عرفها أهالي المنطقة منذ مئات السنين – كالخوص – النسيج – صناعة الفخار بجميع أنواعه - القعائد أو الكراسي الخشبية المصنوعة من سعف النخيل – صناعة الصِحاف – وغيرها من الحرف، كما تضم القرية أكاديمية لتعليم الحرف اليدوية وأكشاك على طراز الغرف القديمة ومسرحاً لإقامة الفعاليات وعروض الفنون الشعبية بطرقها القديمة التي كان الأجداد يمارسونها وحول فكرة إنشاء هذه القرية يقول حسن خبراني صاحب الفكرة قائلاً: إن ذلك كان قبل عشرة أشهر من خلال صورة غرد بها الدكتور فيصل طميحي وهو مهتم بالتاريخ والتراث والأثار على منصة (ْاكس) وعليها تعليق شدني كثيراً علماً أنه ليس لي علاقة بالتراث ولا أعرف شيئاً عن تراث المنطقة الا القليل جداً بحكم أنني مولود في مكة وعشت فيها تفاصيل حياتي وعدت للمنطقة منذ ثلاث سنوات فقط. وهذه الصورة لامرأة من محافظة أبوعريش كانت تزين وتزخرف جدران عريشها بالألوان الطبيعية وتستخدم له ورق البرسيم لتلوين ذلك العريش باللون الأخضر كان ذلك سنة (1969م) والصورة نشرت في (مجلة العربي) في ذلك الزمن ويضيف خبراني: الدكتور فيصل كتب عبارات تلامس أي شخص أصيل يعتز بتراثه ونحن ولله الحمد نعتز بتراث وطننا الحبيب حيث كتب الدكتور في تغريده له قائلاً: (تخيلوا أن هذه الصورة سجلت في اليونسكو ونسبت لأحدى المناطق القريبة من جازان). هذه التغريدة شدتني كثيراً وفكرت في تبني الموضوع وعملت مشروعاً وأسميته (إرث) وتم عمل الدراسات اللازمة ولقي استحسان المسؤولين في أمانة المنطقة، واستقطبت من فتياتنا في جامعة جازان مهندسات من خريجات قسم الهندسة في تخصصات متعددة، وشكلنا فريق عمل وقمنا بعمل الدراسات الفنية والهندسية للمشروع. بدأنا بتحويل الصور إلى عمل هندسي وبحكم التنوع الثقافي الموجود في المنطقة بدأنا بزيارة متحف الأستاذ محمد دغريري وطلبنا منه نقوشاً ورسوماً للمنطقة الجبلية ووجدنا لديه حزاماً يعود عمره إلى (150) سنة وعليه نقوش تم تحويلها إلى عمل هندسي. كذلك زرنا الأديب المؤرخ الأستاذ إبراهيم مفتاح وأخذنا النقوش الفرسانية الموجودة لديه والاطلاع على الزخارف والنقوش والمباني في فرسان وحولناها كذلك إلى عمل هندسي، وبذلك اكتملت أنماط الهوية لكل بيئات المنطقة تهامة والجبل والساحل، ثم انطلقنا نحو توظيف هذه النقوش ووضعنا عليها ألواناً محددة من الطبيعة، وكوداً خاصاً بكل نقش، كما بدأنا توظيفها في المنتجات من ديكورات وملابس ومبانٍ وأثاث؛ وبذلك حولنا الهوية إلى صناعة، في الجانب الأخر يقول المشرف العام على قرية (إرث) الدكتور فيصل طميحي: (إنه بحكم التواصل مع إدارة مهرجان شتاء جازان، ومن خلال حرصنا على إظهار العناصر التراثية جميعها حاولنا بقدر المستطاع جمع أكبر قدر من هذه العناصر وعرضها للجمهور، والقرية تشمل كافة النشاطات الموجودة في المنطقة العادات والتقاليد - الملبوسات - الفلكلور - المأكولات الشعبية - أوجدنا مسارات سياحية – زراعية – ثقافية - مسار خاص بالأسر المنتجة، وكذلك ما يتعلق بالصناعات التقليدية المرتبطة والمعروفة منذ القدم بالمنطقة كالحياكة، واستخراج زيت السمسم وغيرها، وبين الدكتور الطميحي أن المقصد من إقامة هذه القرية هو عرض التراث وتعريف الزائر للمنطقة على وجه التحديد بتراث المنطقة وما تتميز به من فنون وحرف وأدوات وتعريفه بقيمة المنطقة التاريخية لذلك لدينا مقصد مهم وهو تسويق هذا التراث كمنتج ثقافي، التراث لم يكن للعرض فقط وإنما للتسويق وهو من مستهدفات الرؤية 2030 ولا بد أن يساهم في دعم مداخيل هذا المنتج الهام وكان هذا من أهم الأهداف التي حرصنا عليها) وختم د الطميحي الحديث بقوله: إن القرية تفتح أبواها يومياً من الساعة الرابعة عصراً إلى الثانية عشر ليلاً، وتستمر لمدة شهرين وهي قابلة للتمديد داعياً الجميع لزيارة القرية والاستمتاع بتربة ثرية في كافة مرافق القرية.