خيبر أكبرها ويجهل معظم مواطني المملكة مواقعها ..
الحرات البركانية.. عامل جذب للسياح وشاهد على التطور الجيولوجي.
تتميز المملكة العربية السعودية بتنوع بيئي ومناخي فريد ما يجعلها وجهة سياحية عالمية على مدار العام، وتعد البراكين الخامدة منذ مئات السنين إحدى عوامل الجذب السياحي، حيث يحرص العديد من زوار المملكة على زيارة الحرّات البركانية التي تتعدد في المملكة ويصل عددها إلى 23 حرة بركانية، منها 13 حرة رئيسة في منطقة المدينة المنورة وشمال غرب المملكة، كأكثر الدول العربية التي تضم تلك الحرات التي تشهد على تطور جيولوجي على مدار آلاف السنين. تغطي الحرات البركانية ما نسبته 4.6 من مساحة المملكة، وتوجد هذه الحرات في تسع مناطق إدارية تشمل مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وتبوك، والجوف، والحدود الشمالية، وحائل، والباحة، وعسير، وجازان، وللأسف فإن كثير من المواطنين يجهلون مواقع الحرات ولا يضعونها في برامج زياراتهم السياحية. ومن أشهر الحرات البركانية في المملكة: رهط أو رهاط، وحرة خيبر أو النار أو بني رشيد، والرحا، وثنان، وكشب، ولونير، وعويرض، وحرة يار، والحطيمة، والدخنة، ودلهم، وجبل سلمى، وسمراء الصفراء، وقمع شرمة، وطابة، وحرة البرك وغيرها. يؤكد خبراء الجيولوجيا في المملكة وجود ما يزيد على 2000 بركان خامد في المملكة، وبحسب تصنيف البراكين هناك البراكين الميتة التي لا يتوقع أن تثور مجددًا بحسب الأدلة والقرائن الجيولوجية، والخامدة التي يعود آخر ثوران لها إلى آلاف السنين، وهناك احتمال أن تعاود نشاطها بحسب توافر العوامل البيئية والجيولوجية، والنشطة التي تثور بين فترة وأخرى. وبحسب هيئة المساحة الجيولوجية، فإن “الصفيحة العربية تتحرك بعيدًا عن الصفيحة الإفريقية بمعدل 2 سم سنويًا، ونتيجة للتمدد القشري الحاصل في الجزء الشمالي الغربي والغربي الأوسط من المملكة حدثت أنشطة بركانية تعود لحُقب الحياة الحديثة. يوجد نوعان شائعة من الأنشطة البركانية تمثل 80% من عمليات تكون البراكين وهي البراكين الدرعية ومخاريط السكوريا حيث تتراصّ هذه المخاريط على امتداد شقوق يغلب عليها الاتجاه الشمالي – الجنوبي أو الشمال الغربي – الجنوب الشرقي. تكونت هذه الحرات البركانية على مرحلتين من النّشاط البركاني، بدأت المرحلة الأولى من النشاط البركاني منذ نحو 30 مليون سنة متزامنة مع انفتاح البحر الأحمر وتدفق للحمم البازلتية، والمرحلة الثانية من النشاط البركاني بدأت منذ عشرة ملايين سنة وحتى حدوث آخر بركان تاريخي جنوب المدينة عام 654هـ (1256م)، وقد تم توثيق هذا البركان بصورة جيدة في بعض المخطوطات وكُتب التاريخ، حيث سبق الثوران البركاني بعدّة أيام، وقوع عدّة زلازل قوية. المرحلة الثانية من النشاط البركاني تكونت على طول نطاق بركاني نشط يسمى: مكة – مدينة – نفود (م م ن) باتجاه جنوب – شمال، وبطول 900 كم يمتد من القنفذة جنوبًا ويمر على مكة والمدينة حتى صحراء النفوذ شمالاً ويشمل حرة رهاط وخيبر والإثنين. تعد حرة رهاط إحدى أكبر حرات المملكة، وهي تمتد من شمال مكة وحتى جنوب المدينة المنورة، وتغطي مساحة حوالي 20000كم2، وتشتمل على عدة أشكال بركانية حيث يوجد 644 مخروطًا سكوريا و36 براكين درعية و24 قبة بركانية”. وتؤكد هيئة المساحة الجيولوجية أنه حدث داخل الصفيحة العربية والبحر الأحمر، ما يقرب من (21) ثورانًا بركانيًا تاريخيًا في شبه الجزيرة العربية، ومنها الثوران البركاني في جبل الطير جنوب البحر الأحمر عام 2007م. ارتباط بالسيرة النبوية وتاريخ المدينة المنورة من جهته، أكد الباحث في تاريخ المدينة المنورة ومعالم السيرة النبوية، عزالدين المسكي، لوكالة الأنباء السعودية (واس): “أنه رغم وعورة حرة رهط (أو رهاط) في بعض أجزائها، غير أنها لم تمنع الإنسان منذ القدم من التكيف معها والعيش في كنفها، مستفيدًا من مخزون مياهها وخصوبة تربتها، فنشأت العديد من الواحات الزراعية الضاربة في عمق التاريخ، وأمامنا الكثير من المذيلات والدوائر الحجرية التي تدل على قدم الاستيطان البشري في هذه الحرة، التي وفرت أيضًا المواد الأولية للبناء، فمن صخورها البازلتية بنى الإنسان البيوت والحصون، ونحت العديد من الأدوات مثل الرحى وغيرها، مُشيرًا إلى أن أشهر أجزاء حرة رهط هو في نهايتها الشمالية، حيث أحاطت المدينة المنورة من ثلاث جهات، فالشرقية منها تُسمى حرة واقم، والغربية تدعى حرة الوبرة، وتتصلان من الجنوب بحرة تُسمى حرة معصم العليا، وهاتان اللابتان الشرقية والغربية كانتا علامة مميزة للمدينة حيث رآها الرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قبيل هجرته للمدينة فقال: («أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ، ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ» - صحيح البخاري). وأبان المسكي، أن هذه الحرّات كانت حصنًا طبيعيًّا منيعًا للمدينة المنورة، وقد وصف حسان بن ثابت -رضي الله عنه- هذا المظهر الطبيعي للمدينة فقال: لنا حرة مأطورة بجبالها بنى المجد فيها بيته فتأهلا بها النخل والآطام تجري خلالها جداول قد تعلو رقاقا وجرولا”. ينابيع حارة ومداخن يرتبط وجود معظم الينابيع الحارة غرب المملكة بتواجد الحرات البركانية حيث تقع معظمها في المناطق المتاخمة للحرات البركانية في اتجاه البحر الأحمر، حيث تتسرب مياه الأمطار من خلال الشقوق إلى باطن الأرض وتتجمّع بالقرب من غرفة الصهارة البركانية، ونتيجة لذلك تسخن هذه المياه، وتندفع إلى أعلى بفعل الضغط عبر الشقوق. يوجد نشاط حراري على طول الخط البركاني مكة – مدينة – نفود (م م ن) على هيئة ينابيع حارة وداخنات ومياه حارة قريبة من سطح الأرض، وقد لوحظ سابقًا وجود أبخرة تتصاعد عبر الفتحات والتشققات الموجودة في بعض الحرات البركانية الواقعة على الخط البركاني (م م ن) مثل حرة (خيبر والإثنين)، حيث يمكن فقط رؤية هذه الأبخرة في أوقات الفجر من فصل الشتاء، لأن درجة حرارة هذه الأبخرة اقل من 50 درجة مئوية. كما لوحظ وجود نشاط حراري على هيئة ينابيع حارة في بعض المواقع الواقعة على ساحل البحر الأحمر مثل الليث (جنوب جدة 150 كم) وجازان. حرة خيبر الأكبر تعد حرة خيبر التي تعرف أيضًا بـ (حرة النار) أكبر الحرات البركانية في المملكة، وتسمى أيضًا بأسماء بعض المواقع في شمال المدينة المنورة، مثل حرة فد وحرة بني رشيد، وتضم فوهة بركان خامد يبلغ قطره حوالي 340 مترًا، وبعمق يصل إلى 60 مترًا، وهو من البراكين متوسطة الحجم. وحرة النار هي أكبر حقل بركاني في المملكة، وقد تشكل منذ 25 مليون سنة، وآخر نشاط بركاني له يقدر عمره بنحو 2000 سنة، وعادة ما تسبق ثورة البركان زلازل متكررة كما يصاحب انفجارها هزات متتابعة، ويعد موقع الحرة من أكبر المتاحف الجغرافية الجيولوجية الجيومورفولوجية المفتوحة في العالم. فوهة الوعبة الأعمق.. واختيار عالمي أعمق الفوهات البركانية بالسعودية هي فوّهة بركان الوَعَبة أو ما يعرف بـ (مَقْلع طِمِيّة) في حرّة كشب شمال شرق الطائف، ويبلغ عمقها نحو 250 مترًا، وقطرها نحو 2.3 كيلومتر، وللدلالة على عمقها فإن مساحة الفوهة يمكنها أن تستوعب حوالي 190 ملعبًا رياضيًّا، أو أكثر من 170 ألف سيارة!. وفي أغسطس الماضي، اختيرت فوهة الوعبة ضمن أفضل 100 موقع للتراث الجيولوجي في العالم لعام 2024. وأعلنت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية اختيار فوهة الوعبة؛ أو ما يُعرف بمقلع طمية “بركان المار علمياً” التي تقع في حرة كشب على بعد نحو 270 كم شمال شرق مدينة جدة؛ ضمن أفضل 100 موقع للتراث الجيولوجي في العالم لعام 2024؛ وذلك من قبل الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية “IUGS”، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). وأكد المتحدث الرسمي للهيئة طارق أبا الخيل، أن هذا الاختيار جاء بعد تقييم قامت به لجنة من 89 خبيرًا عالميًا، حيث تم اختيار الفوهة من بين 174 موقعًا مرشحًا قدمتها 64 دولة، منها المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، وكندا، ونيوزيلندا، والصين، وأيسلندا، ومصر، وفنلندا، بالإضافة إلى دول أخرى؛ مشيرًا إلى أن فوهة الوعبة تعتبر واحدة من أكبر وأروع الفوهات البركانية في العالم، ومن أكبر براكين المار الجافة في العالم، وهي جزء من حقل بركاني أحادي المنشأ يضم 175 بركانًا صغيرًا، وتتراوح أعمارها بين 2 مليون إلى بضع مئات الآلاف من السنين، وتغطي مساحة تقدر بنحو 6000 كيلومتر مربع. وأضاف أن الفوهة نفسها تشكلت قبل نحو 1.1 مليون ومائة ألف سنة وتتميز بعمق يصل إلى نحو 250 مترًا وقطر يبلغ 2.3 كيلومترًا، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف متوسط أقطار البراكين الأخرى، كما تحتوي على حوض ملحي أو بحيرة ضحلة تشكلت بسبب تجمع مياه الأمطار؛ لافتًا إلى أن فوهة الوعبة، إلى جانب المواقع الجيولوجية الأخرى المختارة على مستوى العالم، تُعد وجهات ملهمة تسهم في تعزيز السياحة الجيولوجية وتطوير العلوم الجيولوجية، مما يوفر فرصًا مميزة لنشر المعرفة في مجال علوم الأرض. وشهد الموقع تحسينًا وتطويرًا يستقطب الباحثين في علم الجيولوجيا والتاريخ وكذلك السياح والزوار، ويحتضن العديد من مرافق الخدمات العامة التي شُيدت بمعايير صديقة للبيئة، وهي عبارة عن مركز للزوار وصالة عرض رقمية ومطلات طُبّق فيها الهُوية التاريخية للموقع، واعتُمد في عملية الإنشاء والتشييد على صخور بركانية صلبة سوداء اللون، وممرات ومرافق مُطلة على الفوهة ومواقف سيارات وحافلات، وخدمات الكهرباء المتطورة والاتصالات. وزاد إقبال السياح على زيارة تلك الفوهة البركانية الكبيرة في السنوات القليلة الماضية التي توافد فيها السياح على المملكة من مختلف دول العالم، حيث تنظم العديد من الشركات السياحية رحلات جماعية لمحبي استكشاف الطبيعة الصخرية.