في عام ١٤3٦ هـ أصدر د. ناصر بن محمد الجهيمي كتاباً توثيقياً رصيناً دقيقاً وممتعاً عن دارٍ ومزرعة خصصها الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- لإقامة الوافدين إلى الرياض للقاء جلالته، وهي المعروفة بـ (مضيف ثليم) وقد أحسنت دارة الملك عبدالعزيز بطباعة هذا الكتاب ونشره وإتاحته للباحثين والمهتمين. تناول هذا الكتاب الثمين شرحاً ووصفاً لهذا المضيف الذي يمثًل كما ذكرت الدارة مرحلة مهمة من مراحل الاستقرار السياسي للمملكة، وتطوّر الدولة. والكتاب اشتمل على مقدمة وخاتمة، (وثمانية فصول، الفصل الأوّل: المضايف في الدولة السعودية، الفصل الثاني: مضيف ثليم، الفصل الثالث: الهيكل الإداري لمضيف ثليم، الفصل الرابع: الأثر الاجتماعي لمضيف ثليم، الفصل الخامس: الأثر الاقتصادي لمضيف ثليم، الفصل السادس: مضيف ثليم في ذاكرة الرواة والرحّالين والمبعوثين، الفصل السابع: مضيف ثليم في الذاكرة الشعبية، الفصل الثامن: وثائق ثليم). لا يكفي المقام هنا إلا بذكر شذراتٍ موجزة جداً عن ماتضمنه هذا الكتاب القيّم. بدأ المؤلف مقدمته بقوله: أن (مضيف ثليم) يمثّل مرحلة انتقالية من المجتمع التقليدي إلى المجتمع الحديث، فهو محطة توقف رئيسة على مشارف مدينة الرياض للمسافرين من مدن المملكة الذين يفدون إلى الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- وقضاء حوائجهم، فكان (مضيف ثليم) بمنزلة نُزُل ضيافة ووزارة خدمات عامة يعملان بطاقتهما الكاملتين طوال العام، وظل هذا المضيف مقراً للضيافة سنين تجاوزت الأربعين، ثم أصبح فرعاً لوزارة المالية، وقد أتاح له ذلك توافر أرشيف هائل، تجاوز مليوني وثيقة. وفي الفصل الثاني من الكتاب بيّن المؤلف أن الضيافة لدى الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- منذ استرداده الرياض عام ١٣١٩ هـ كانت في قصره، لكن لضيق المكان وصعوبة تأمين راحة الضيوف والوافدين إليه، أمر الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- سنة ١٣٤٧ هـ بأن يِبنى قصر جديد للضيافة أمام قصره وسمي هذا القصر قصر الديرة للضيافة، بعده أُنشيء (قصر ثليم) وهو ثاني قصر من قصور الضيافة بعد قصر الديرة. وقصر ثليم يعود في أصله إلى مزرعة تُسمى (ثليم) اشتراها الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- عام ١٣٥٥ هـ لكونها محطة للمسافرين قبل دخول الرياض، وأوقفها لوالده الإمام عبدالرحمن -رحمه الله-. وكانت البداية الفعلية الخدمية لهذا المضيف هو في عام ١٣٥٨ هـ، عندما نزح الكثير من الناس إلى الرياض طلباً للعلاج بسبب وباء الجدري الذي مات بسببه الكثير، فاستوطنوا منطقة الشمسية في الشمال الشرقي من الرياض وخارج أسوارها، فنزلوا على حافة وادي البطحاء (العرض)، فرأى الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- أن ينزلهم في وقف والده (ثليم) ليصبح مأوى ومطعم لهم، وحصراً للمرضى في مكانٍ واحد. وموقع (ثليم) كان في الأصل محطة الاستعداد لدخول العاصمة، وانتظار فتحها صباحا، ومحطة للمسافرين قبل دخولهم الرياض. ثم رأى الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- في عام ١٣٥٩ هـ إنشاء مضيف يتسع للقاصدين الرياض. ويتضمن المضيف نُزلاً ومطابخ، وكلّف حمد بن قباع -رحمه الله- ببنائه في وقف والده (مزرعة ثليم) ليستقبل الضيوف القادمين إلى الرياض، ويؤمن لهم السكنى والطعام. ومساحة مبنى قصر ثليم ٥٩٧١ م، ويتكون المبنى من طابقين وعدداً كبيراً من الغرف يزيد على خمسين غرفة، وعدداً من المطابخ. شُيّد المبنى في بدايته على الطريقة التقليدية في نجد وبُني من الطين، وعلى أُسس من الحجر، وأعمدة من الحجارة مثبتة بالجص، وتستند سقوفه على خشب من شجر الأثل وجريد النخل، وبه زخارف يسيرة من الجبس تزيّن حوائطه ومداخله ومصابيحه الداخلية، وزخارف خشبية للنوافذ والأبواب. ويتكوّن القصر من طابقين: الطابق الأرضي يضم عدداً من الغرف للخدمة والإدارة والحراسة والمخازن والمطابخ، وفي الطابق الأول غُرف للضيافة. وللقصر فناء واسع تُطل عليه جميع الغرف. وبه بئر عليها منحاة، ووضع للناس مدي على وادي البطحاء لسقيا المواشي والإبل. وقد طُوّر هذا المضيف في عهد الملك سعود -رحمه الله- حيث بُني طابقاه بالخراسانة المسلحة وأصبح يحتوي على ٢١ شقة و ٦ مطابخ و ٢٤ دورة مياه. أما الهيكل الإداري لمضيف ثليم فهو كالتالي: أولاً: شعبة الوفود والضيافة ويرأسها إبراهيم بن جميعة وهي على ثلاثة أقسام: مضيف البدو ويشرف عليه خريمس بن عبدالله، ومضيف الحضر ويشرف عليه سعود بن مسلّم، ومضيف الوفود الممتازة ويشرف عليه كذلك سعود بن مسلّم -رحمهم الله-. ثانياً: المشرفون على المضيف وأول من أشرف عليه هو خريمس بن عبدالله ثم سرور العبدالرحمن -رحمهما الله-. ثالثاً: العاملون في القصر وعددهم كبير ولهم رواتب شهرية، ومن العاملين: فهد بن قن، فهد بن هويشل، سعد بن فراج، فراج الفراج، سعيّد الدوسري، عبدالله بن حجمان، عبدالله القن -رحمهم الله-. رابعاً: النظام المالي والإداري في المضيف: فأمير الرياض يشرف على القصر، والنفقات من وزارة المالية. وقد ذكر محمد بن عبدالرحمن بن يحيى -رحمه الله- أن عدد العاملين في المضيف في الفترة التي شهدها (مئة وثمانون رجلاً). وقد أعطت الدولة لاحقاً فرصة التوظيف الحكومي. خامساً: نظام الضيافة في المضيف، فما ورد من نصوص عن الضيافة أنها لم تكن تجري بطريقة عشوائية أو حسبما اتفق، ولكن كان لها نظام متفق عليه. وفي الفصل الرابع تناول المؤلف الأثر الاجتماعي لمضيف ثليم ومن أهمها: 1 / الرعاية الكاملة لضيوف الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- 2/ إطعام طلاب العلم 3 / إطعام الضعفاء من النساء الأرامل والأطفال اليتامى 4 / إطعام المواطنين الفقراء في الأزمات والحروب 5 / إطعام السجناء 6 / رعاية المعاقين 7 / كسب الولاء وتوثيق عرى الوحدة الوطنية 8 / بوتقة وطنية لصهر العصبيات والانتماءات القبلية 9 / التوعية ونشر الدعاية الإعلامية حيث يشهد المضيف تظاهرة يومية فريدة، يلتقي فيها أهل الغرب بالشرق والشمال بالجنوب، ويتناقلون من خلالها الأخبار والمستجدات الأخرى، ويُستغل هذا التجمع الكبير لتحقيق بعض المهام ذات الصبغة الإعلامية وتنفيذها في ظل انعدام كل وسائل الإعلام. وفي (ساحة ثليم) تستقبل الرياض ألاف القادمين، وتكتظ ساحة (ثليم) بطوفان البشر عندما تتحوّل إلى ملتقى يموج بالبشر، لا يتكرر في الجزيرة العربية إلا في هذا المكان. وموضعه بين طريقي الملك سعود (البطحاء) والملك فيصل بن عبدالعزيز (الوزير)، على شارع داخلي يربط بينهما، وهو الشارع الذي سُمّي باسم القصر وهو: (شارع قصر ثليم). وفي الفصل السادس الذي تناول ذاكرة الرواة والرحالين والمبعوثين حيث أشار أ. عبدالرحمن الرويشد -رحمه الله- إلى أن قصر ثليم الكائن جنوب شرق الرياض هو المكان الذي ارتبط بالمناخ، وهي الإعانة السنوية التي تُقدم للمواطنين بأمر من الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه، حيث يجري في القصر استقبال المواطنين لحظة وصولهم، وتسجيل أسمائهم، والنظر في احتياجاتهم الخاصة، وتقديم الإعانة المخصصة لهم، سواء كانت إعانة لمرة واحدة، أم عادة سنوية مستمرة حتى اليوم، وأشار الرويشد إلى أن المضيف كان كبيراً جداً، لأن الرياض ليس فيها مطاعم ولا محلات ضيافة أخرى، فكان (قصر ثليم) وجهة الضيافة للقادمين من خارج الرياض. وأنه يُذبح يومياً في المضيف من (30) إلى (50) خروفاً، و من (3) إلى (5) جمال، وفيه طباخون مخصصون لهذه المهمات، وأشار إلى أن خريمس المشرف على المضيف الأوّل في قصر الضيافة هو نفسه المشرف على المضيف الثاني في ثليم حتى وفاته. ويتذكر أ. عبدالعزيز الأحيدب -رحمه الله-: أن فناء القصر واسعاً، قسم للرجال وطريقه الباب الرسمي، وقسم للنساء وبابه في ج-طيّب الله ثراه- هةٍ أخرى متحد، فالرجال يتناولون وجبتي الطعام: الغدا والعشاء داخل المضيف، والنساء يحملن طعامهن إلى بيوتهن وهكذا. وقد أمر الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- بألا يُرد عن المضيف من يريد الأكل ليلاً ونهارا، وذكر الأحيدب أن من يفدون إلى المضيف يومياً قرابة (15) ألف شخص، ويقرّر لهم من اللحوم خمسون خروفاً من الغنم، ومن الجمال عشرة، ومئة كيس من الأرز، ومن التمر 150 قلّة، ومن السمن 35 تنكة، ومن الحطب الوقود (200) مقرر يومي. وفي الفصل الثامن: (وثائق ثليم) وهي على أقسام / أولاً: نماذج من الوثائق المتعلقة بأمراء المناطق والمسؤولين الحكوميين والموظفين وأصحاب المهن. ثانياً: نماذج من الوثائق المتعلقة بزوّار المضيف من الخارج. ثالثاً: نماذج من الوثائق المتعلقة بالعلاقات الأسرية. رابعاً: نماذج من الوثائق المتعلقة بالمصروفات العينية للمضيف. خامساً: نماذج من الوثائق المتعلقة بنظام العهد للأسلحة ومصروفات الخيل. هذا ما تيسر لي كتابته عن هذا الإصدار الذي أعده وألفه سعادة د. ناصر بن محمد الجهيمي، وتمت طباعته مشكورةً دارة الملك عبدالعزيز كعادتها في حفظ تاريخ المملكة. والله الموفق * مشرف تربوي وأمين اللجنة الثقافية بالخرج التابعة للنادي الأدبي بالرياض باحث ومؤلف ومهتم بتاريخ المملكة وتاريخ التعليم خاصة .