يشتمل جزءا مذكرات الحجيلان على كم كبير من المعلومات والأحداث والتطورات عن الإعلام السعودي خلال عقد من الزمن على الأقل؛ مروية في سياقاتها الزمنية، التي عايشها الكاتب وكان جزءً منها: دبلوماسياً ثم مديراً عاماً للمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر، ثم سفيراً ثم وزيراً للإعلام بالأصالة-وهي الفترة الأطول-ثم بالتكليف مدة ستة أشهر. وأتت تلك المعلومات والأحداث-بما فيها من آمال وطموحات وأزمات، وبما فيها من تفاعلات إنسانية وإنجازات ومنغصات ومفارقات-لتكشف عن جوانب إنسانية ومؤسسية في مسيرة الإعلام السعودي، لم يتح للجمهور السعودي معرفتها من قبل، لا قراءة ولا سماعاً؛ ولا تغني معرفة أفراد محدودي العدد بمتفرقات من الذكريات عن تلك المرحلة عن معرفة الصورة الكلية للتطورات التي جرت خلال تلك الفترة. وفيما يلي بعض الخواطر التي تبادرت إلى ذهني عنها؛ سجلتها وأن أقرأ ما سطره الحجيلان في مذكراته عن تلك المرحلة الكثيفة في أحداثها وتفاصيلها؛ وهي بمجملها ليست إلا تفاعلاً هدفه تسليط مزيد من الضوء على عدد من معالم تلك المرحلة وأحداثها، وعلى ما أحسست أن بوسعي استدراكه أو استكماله، مما لم تتسع المذكرات لإيراده. ومن فضول القول أن أربعة أجزاء أو خمسة لن تكفي لو أراد صاحب المذكرات إفراغ معظم ما في ذاكرته وأرشيفه من معلومات وتفاصيل لأحداث عايشها خلال مسيرته الوظيفية في مجال الإعلام. وحالي مع ما سيلي من تناولٍ لبعض ما ورد في هذه المذكرات كحال من ينطبق عليه القول: “عرفت شيئاً وغابت عنك أشياءُ”. لقد تعددت مداخل المواضيع المتعلقة بالإعلام التي تحدث عنها الحجيلان في ثنايا هذه المذكرات: الصحافة المكتوبة، الإذاعة، التلفزيون، نظام المؤسسات الصحفية، العلاقات مع إعلاميين ومثقفين، الإعلام العربي والإعلام الدولي...، مع تركيز على الإعلام السعودي الأهلي والحكومي، وعلاقته بالجانب المؤسسي المتمثل في الحكومة بوجه عام-الملك وولي العهد والديوان الملكي ومجلس الوزاء-وبالمديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر ثم وزارة الإعلام. شرارة الدمج “عِتــابٌ” من حسن قزاز قبل “نظام المؤسسات الصحفية”، قبل التطرق إلى الخلفيات المبكرة التي سبقت صدور نظام المؤسسات الصحفية، الذي ألغيت بموجبه الملكية الفردية للصحف والمجلات العامة وحلت محله ملكية خاصة أخرى على شكل مؤسسات صحفية، أقول بأنني أتفق مع صاحب المذكرات في أنه حلم خُذِل، غير أنني أعتقد أن المسؤولية عن خذلان ذلك “الحلم” لا تقع على المؤسسات الصحفية وحدها وإن كانت تتحمل المسؤولية الأكبر، بل هي مسؤولية مشتركة ... وقد ألمح الحجيلان إلى ذلك في مواضع من المذكرات-(ج. 1، ص. 438-440)- سيتم التعليق عليها لاحقاً. الشرارة-أو الطلقة الأولى-في مخاض تبلور نظام المؤسسات الصحفية الذي صدر عام 1383 هـ انطلقت قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات. انطلقت في منتصف شهر صفر عام 1378 هـ، حينما وجه الصحفي الكبير حسن عبد الحي قزاز-أبو عبدالوهاب، رحمه الله-عتاباً جريئاً ورقيقاً في الوقت نفسه إلى ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير فيصل بن عبدالعزيز-يجد القارئ الكريم صورته هنا-، نُشر في صدر الصفحة الأولى من صحيفته “عرفات”. وقد لقي ذلك “العتاب” تجاوباً كريما من الأمير فيصل-رحمه الله-؛ إذ لم يمض أقل من شهرين إلا ورؤساء تحرير الصحف والمجلات في مكة وجدة يلتقون به-بدعوة كريمة منه-في مكتبه في مدينة جدة، في أول لقاء لرؤساء تحرير صحف سعودية مع ثاني أعلى مسؤول في البلاد، بحضور وزير المعارف آنذاك، الأمير فهد بن عبد العزيز، رحمهما الله. طرح رؤساء التحرير خلال اللقاء أسئلتهم عن الوضع الاقتصادي في المملكة والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتجاوز الأزمة الاقتصادية الحادة التي كانت تمر بها البلاد؛ ثم انتهزوا الفرصة للتعبير عن مطالبهم وبث همومهم المتعلقة بالمشكلات المتعلقة بصحفهم، ومنها ضعف الخبر المحلي ومحدودية التوزيع وضعف الإعلان ... ومما ورد في تغطية صحيفة “عرفات” لهذا الاجتماع الذي اسمته “مؤتمراً” قولها: “أما في مجالنا الصحفي فقد عبر لنا سموه الكريم عن أفكار رائعة نحو صحافتنا وكيف يجب أن تكون على جانب من القوة وحسن الأداء، لأنها واسطة بيننا وبين الرأي العام.. ومن مصلحة الحكومة أن تكون في البلاد صحافة قوية ودسمة ومركزة وأنه لن يبخل عليها بالمساعدات القيمة لتقويمها وجعلها صالحة مدعمة بكل العناصر التي تطلبها الصحافة الحديثة.. وطلب إلى أصحاب الصحف أن يفكروا في وسائل عملية لرفع مستواها.. وجعلها في حال أحسن مما هي عليه الآن..”. ثم أردفت: “”هذا وسيتفضل سموه الكريم بعقد مؤتمر آخر عند الفراغ من وضع موازنة الدولة، وسيكون ذلك في مدينة الرياض قريباً إن شاء الله”. وهو ما تم بالفعل. إذا فبداية التفكير في تقوية وضع الصحافة المحلية طُرحت في ذلك الاجتماع، حينما طلب الأمير فيصل من أصحاب الصحف أن يفكروا في وسائل عملية للرفع من مستواها. وفي العدد التالي من “عرفات”- العدد 42 في 12/4/1378 هـ- نشر قزاز مقالاً بعنوان: “واقع صحافتنا المحلية”، تطرق فيه إلى ذلك الاجتماع، مفيداً بأن الأمير فيصل تناول فيه المصاعب المالية التي تعاني منها الصحف وضعف الإعلان التجاري فيها، وأنه يعتقد أن بعض أصحاب الصحف يصرفون عليها من جيوبهم، وقوله إن مجلس الوزراء يدرس نظام المطبوعات الجديد. وفي عدد لاحق، تبين أن الأمير فيصل اقترح على رؤساء تحرير الصحف خلال الاجتماع “دمج” أو “إدماج” صحفهم في صحيفتين أو ثلاث، إذ يقول خبر نشر في العدد 48، في 4/6/1378 هـ، الموافق 15/12/1358 م: “فَشِلَتْ المفاوضات بين الصحف الثلاث التي تصدر في جدة.. في محاولاتهم للوصول إلى اتفاق حول الاندماج لإمكان إصدار جريدة يومية كبرى رغم حضور عدة شخصيات كبيرة”، ثم يقول قزاز في مقال تحدث فيه عن الصحافة السعودية وافتقادها للخبر المحلي، وأن الأمير فيصل يعرف الكثير عن مشاكل الصحف: “وكم كانت دهشتنا عجيبة عندما علمنا أن سمو الأمير فيصل يعرف الكثير من هذه المشاكل. ولذلك طلب إلينا أن نفكر وأن نتفق على إدماج الصحف في بعضها البعض حتى تتقوى حالتها المالية من ناحية ومن ناحية أخرى تتضافر الجهور الصحفية في كتلة واحدة.. وبذلك تصدر جريدة يومية كبيرة متعددة الأبواب.. متناسقة الألوان..”. وذكر صحف “البلاد السعودية” و”الأضواء” و”عرفات”. واختتم مقاله بالقول: “أما الآن فإننا في وضع جديد سيتغير كثيراً.. ستصدر البلاد السعودية وعرفات والأضواء في جريدة يومية وذلك لتحقيق الهدف السامي الكريم من حيث تكتل القوى وتظافر الجهود..”. وينبغي التنويه هنا إلى أن قزاز حظي من الأمير فيصل بمقابلة صحفية حصرية، نشر نصها في العدد الصادر في 24 جمادى الثانية 1378 هـ، الموافق 5 يناير 1959 م. تكرر ذلك في المؤتمر الصحفي الثاني الذي عقده الأمير فيصل في الرياض، عصر يوم الأربعاء 4/7/1379 هـ، الموافق 14/1/1959 م، بحضور جميع رؤساء تحرير الصحف في المملكة، بحضور عدد من الوزراء، وذلك بمناسبة إعلان ميزانية الدولة للعام 1378/1379 هـ. وبعد تشرفهم بالسلام على سموه الكريم تفضل فوزع عليهم نسخاً من الموازنة السعودية ونسخاً أخرى من البلاغ الرسمي الذي أذيع ونشر مع الموازنة، ثم بدئ المؤتمر الصحفي الذي نقلت نصه الصحف، وطرحت خلاله أسئلة قوية تتعلق بالعديد من القضايا الاقتصادية والمعيشية...، إلا أن واحداً منها تعلق بالصحافة، حيث سأل رئيس تحرير صحيفة “حراء” صالح محمد جمال- حسبما ذكرت صحيفة “الخليج العربي”- العدد 22، في 11/7/1378 هـ، الموافق 21/1/1959 م-: “ هل سيُعطى الصحفيون السعوديون امتيازات تساعدهم على أداء رسالتهم أسوة بالبلاد الأخرى؟”، وأجاب الأمير فيصل على هذا السؤال بالقول: “نَظِموا أنفسكم وتعاونوا فيما بينكم للمصلحة العامة، وسأعمل لكم ما تريدون.. كلفتكم أن تتفقوا على إدماج صحفكم لما فيه قوتها ورفع مستواها.. وأنا لا أحب أن ألزمكم بشيء وأخشى أن أفرض عليكم شيئاً ربما لا يكون في صالح بعضكم، ولذا أحب أن تتفقوا فنحن إخوان وأسرة واحدة”. مفاوضات تحت إشراف الأمير سلطان بن عبدالعزيز جرت بعد انتهاء المؤتمر مفاوضات بين رؤساء تحرير أربع صحف: “البلاد السعودية”، “عرفات”، الندوة” و”حراء”. ولأدع رئيس تحرير صحيفة “عرفات” الأستاذ حسن عبدالحي قزاز يتحدث عن ما جرى بعد انتهاء المؤتمر الصحفي في الرياض، وهو منشور في العدد 53، آخر عدد من أعداد الصحيفة: “تفضل سمو الأمير فيصل المعظم فطلب من الصحفيين الانتهاء من الاتفاق بينهم على دمج صحفهم بحيث تصدر صحيفة يومية واحدة كبيرة في كل من مكة وجدة. وفي نفس مكتب سمو الأمير فيصل المعظم- وبعد مغادرته له حفظه الله- أشرف على الاتفاق صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير المواصلات. فاتفقت البلاد السعودية وعرفات على الاندماج على قدم المساواة.. واقترح شيخ الصحافة المتحرر- أبونا أحمد السباعي- على أن يكون اسم الجريدة الجديدة لمدينة جدة هو “البلاد” فقط... أما اندماج كل من الندوة وحراء في جريدة واحدة فقد اقترح الأستاذ صالح- جمال- بأن من يتولى رئاسة تحرير الجريدة الجديدة فله أن يسمي الجريدة الجديدة باسم جريدته التي كان يرأس تحريرها. وقَبِلَ الأستاذ السباعي رئاسة التحرير للجريدة الجديدة فاتُفِق على أن تحمل اسم “الندوة” وعلى قدم المساواة.. تم هذا في فندق زهرة الشرق. ويواصل قزاز بأسلوب فيه قدر من الظُرْفْ: “غير أن “أبانا السباعي” عندما ذهب لفندق اليمامة حيث نزل وبدأ في وضع التفاصيل مع زميله الأستاذ صالح جمال وجد أن مهمة رئاسة التحرير مهمة شاقة.. وهو شيخ عجوز.. وقد لا يقوى على الاستمرار في ممارستها دواماً. وفجأة صارح بها الأستاذ صالح جمال وأوكل إليه رئاسة التحرير وأن تسمى الجريدة الجديدة باسم “حراء”. ويختم بالقول: “هذا وقد تقدم أصحاب الصحف بإعلان اتفاقهم إلى سعادة المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر والذي عرضه على أنظار سمو الأمير فيصل رئيس مجلس الوزراء. وعلمت “عرفات” أن سموه الكريم قد أبدى ارتياحه التام.. وسيصدر أمره الكريم بتنفيذ مشروع الاندماج في خلال اليومين القادمين. ومن المنتظر أن تتقدم الصحيفتان ببعض المطالب الضرورية لتحقيق الهدف الذي نسعى إليه جميعاً حكومة وصحافة وذلك بعد دراسة البرامج الجديدة للصحيفتين والتي سيعلن عن موعد صدورهما قريباً”. إذاً وبعد الاتفاق على الاندماج استمر تطلع الصحف المندمجة إلى الدولة لتقديم المساعدة لها. ومعروف أن “الندوة” و”حراء” قد اندمجتا ونتج الدمج عن بقاء “الندوة” فقط، ثم قام صالح جمال بعد بضعة أشهر بشراء حصة أحمد السباعي، الذي حصل لاحقاً على امتياز إصدار “قريش” في مكة المكرمة، وهي مجلة أسبوعية أشبه ما تكون بالصحيفة فعلياً. وكأنك يا بوزيد ما غَزيت !!. بينما نتج عن دمج صحيفة “عرفات” الأسبوعية و”البلاد السعودية”- وهي صحيفة يومية منذ عام 1373 هـ- صحيفة جديدة باسم “البلاد”، تولى حسن قزاز رئاسة تحريرها. وللحجيلان قصة مؤثرة وقعت لاحقاً مع حسن قزاز، حينما وجد نفسه “مجبراً على مساءلته بسبب مقال نُشر بقلم محمد عمر توفيق في جريدة البلاد” (ج. 1، ص. 449، وص. 270-273 “سافر هارباً وعاد وزيراً”)، وهو مقال مليء بالرموز أثار استياء شخصيات كبيرة في المملكة رأت فيه إساءة لها وسخرية منها؛ ونتج عن ذلك التحقيق- الذي يصفه الحجيلان بأنه أشد ما عايشه من حالات المساءلة- تنحية قزاز عن رئاسة التحرير. لم ينتج عن عملية الدمج التي تمخضت عن صدور صحيفتين يوميتين التطور المطلوب. توقفت صحف “الأضواء” و”عرفات” و”حراء”، ولكن صدرت صحف أخرى: “القصيم” في الرياض، و”عكاظ”- اسمياً في الطائف وفعلياً في جدة، واستأنفت “أخبار الظهران” الصدور في الدمام بعد احتجاب دام قرابة أربع سنوات، وكلها صحف عامة أسبوعية، فضلاً عن عدد من المجلات التي تشبه الصحف- “قريش” و”الرائد”- بالإضافة إلى مجلة “الجزيرة”. وعلى ذلك بقي مستوى الصحف دون تطلعات قيادة البلاد والقراء، واستمرت شكاوى أصحابها، وكذلك شكاوى المواطنين من ضعف الإذاعة السعودية، والذي سأتحدث عنه في جزء قادم. في ظل ذلك الوضع عين الحجيلان مديراً عاماً للإذاعة والصحافة والنشر، بمرسوم ملكي صدر في 13/7/1380 هـ، الموافق 31/12/1960 م، وقد تحدث باستفاضة عن الفترة التي تولى خلالها مسؤوليات ذلك الجهاز الحكومي الكبير والحساس، وما جرى خلالها من أحداث حافلة، كَشَفَ عن معظمها لأول مرة. وبعد أيام قليله من توليه مهامه، بادر الحجيلان إلى التواصل مع جميع الصحفيين، ونشرت مجلة “قريش”- العدد 61، في 23/7/1380 هـ، خبراً- دون صورة-: قالت فيه: “دعا سعادة الأستاذ عبدالله ابن حجيلان- هكذا- المدير العام للإذاعة والصحافة والنشر جميع الصحفيين إلى مأدبة عامة في أوتيل اليمامة بمناسبة وجودهم في الرياض...”. ولعلي أكتفي بإيراد ما جرى في مؤتمر صحفي ثالث، بدعوة هذه المرة من الملك سعود بن عبدالعزيز- رحمه الله-، وتسبب إشكال وقع قبل انعقاده في إعفاءه من ذلك المنصب (الإعفاء الملكي الكريم، ج. 1، ص. 276-279). يقول الحجيلان: “جاء من الرياض- إلى جدة- رؤساء تحرير الصحف من المنطقة الوسطى، كي يلحقوا بصحفيي المنطقة الغربية، وليتوجه الجميع إلى الطائف لمقابلة الملك. اشتكى صحفيو الرياض من عدم حسن استقبال موظفي المديرية العامة لهم، ووصلت هذه الشكوى لأوساط الديوان الملكي حتى بلغت مسامع الملك.. (و) أجهل، حتى الآن، الحقيقة فيما جرى، إلا أنه كان غضباً اقتضاه التمهيد لإقصائي عن المديرية العامة بعد أن عاد إليها الشيخ عبدالله بلخير”. عُقد المؤتمر الصحفي الذي دعا له الملك سعود وحضره كل رؤساء تحرير الصحف والمجلات السعودية في قصر الحوية في الطائف، عصر يوم الخميس 7/2/1381 هـ، الموافق 20/7/1961 م. صحيفة “البلاد” أشارت إلى الإشكال الذي أشار إليه الحجيلان في مستهل تغطيتها للمؤتمر، حيث قالت: “في الساعة العاشرة بعد عصر الخميس كان كل رؤساء تحرير الصحف قد تجمعوا في القصر الملكي العامر. ولقيهم سعادة الشيخ عبدالله بلخير المشرف العام... كأنما يحمل على كاهله عبئاً كبيراً واعتذر لهم عن بعض ما وقع لهم من المتاعب وقال: إننا جميعاً عائلة واحدة..” غير أن تغطية صحيفة عكاظ- مثلها في المؤتمر الأستاذ عزيز ضياء- أعطت الانطباع بأن الجو كان متوتراً، حيث أوردت على لسان جلالته قوله: “لقد سعينا كثيراً لأن تسير الصحافة في الوجهة الصحيحة ولكن نأسف أنه لا يزال البعض يسئ استعمال حرية الصحافة ولأجل ذلك وضعت ترتيباً فعينت عبدالله بلخير مشرفاً على شؤون الإذاعة والصحافة والنشر ليقوم بالعمل الذي أمرته به والخطة التي رسمتها له، وفوق هذا- نحن- مستعدون لكل ما يساعدكم لرفع شأن الصحافة لتكون الصحافة محترمة من جميع الجهات في الداخل وفي الخارج. أما إذا تخطى أحد ما رسمنا في هذا السبيل من نصائح أو تجاهل هذه النصائح فما علينا في هذه الحالة إلا أن نوقفه عند حده...” عين الحجيلان بعد هذا المؤتمر بفترة وجيزة سفيراً للمملكة لدى الكويت- التي وصفها بدرة الخليج-، ليجد نفسه في خضم أزمتين واجهتهما المملكة: تهديد رئيس العراق الزعيم عبدالكريم قاسم بضم الكويت، ثم- وكان ذلك الأخطر- مواجهة الهجوم الكاسح من صحافة نظام الرئيس جمال عبدالناصر وإذاعاته على المملكة، بعيد انفصال سوريا عن مصر؛ والمهم هنا ما شهده- من موقعه كسفير- من عجز الإعلام السعودي- صحافة وإذاعة- عن مقارعة تلك الهجمة الشرسة في بلد شقيق يُعتبر من بين الأقرب إلى المملكة، سيطرت على معظم الرأي العام فيه دعاية إعلامية ناصرية ضخمة. والمفارقة بعد عملية الدمج التي جرت خلال عامي 1378 و1379، كانت صدور مزيد من الصحف العامة. ورغم إثراء تلك الصحف للحياة الثقافية والاجتماعية ومساندتها لعملية الإصلاح المستمر التي كانت تتطلع إليها قيادة البلاد وتعبيرها الصادق عن تطلعات المواطنين، إلا وكأنك- مرة أخرى- “... ما غزيت” آخر الدواء “حُلُمٌ خذلوه” !! ما تقدم يوضح علاقة الأمير فيصل- الملك فيصل لاحقاً- الوثيقة بأوضاع الصحافة المحلية ومشكلاتها، وتبين الظروف التي دعته إلى أن يكون- رغم مسؤولياته الجسام- المسؤول الذي لجأ إليه رؤساء تحرير الصحف للتغلب على ما كان يواجهها من عقبات ومساعدة “مُلاكها” على الارتقاء بمستواها... وما تقدم أيضاً يوضح علاقة الحجيلان الوثيقة بأوضاع الإعلام السعودي، خلال فترة عمله مديراً عاماً لمديرية الإذاعة والصحافة والنشر وكذلك سفيراً ينتظر من إعلام بلاده أن يكون عوناً له على صد هجمات إعلام شرس في بلد يمثل بلاده فيه. في سياق ما تقدم أتى تعيين جميل الحجيلان وزيراً للإعلام- بأمر ملكي صدر في 4 ذي القعدة 1382 هـ، الموافق 29 مارس 1963 م- ولم يكن مستغرباً أن يكون في رأس سلم أولوياته تنفيذ رؤية الأمير فيصل- نائب جلالة الملك آنذاك- حيال ما كان يُعتقَد أنه سيكون الحل الجذري- والواعد- لأوضاع الصحافة وأوجاعها، خصوصاً وأن البلاد- كما قيل سابقاً- كانت تواجه حرباً إعلامية شرسة، بصحافة متواضعة الإمكانيات، زاد من مصاعبها مغادرة أعداد من فنيي وعمال المطابع المملكة بأوامر من بلادهم...، وإذاعة لم يكن صوتها مسموعاً في معظم أنحاء المملكة، بما فيها العاصمة الرياض (أنظر: “بين إعلامين: إعلام قوي! وإعلام ضعيف”، ج. 1، ص. 390-392). ويقول الحجيلان (ج. 1، ص. 431): “وأمام... الاقتناع بعجز الصحافة عن النهوض بمسؤولياتها الوطنية، كان على الدولة ألا تبطئ في إيجاد الحل البديل... وأن تضع أمانة العمل الصحفي في أيدٍ تنفق كل قرش يرد للصحيفة على الصحيفة والارتفاع بأدائها”، ثم يُردف: “كان (الأمير فيصل) واضحاً في تصوره لما يجب أن تكون عليه الصحافة من جديد، وفي تحديده للمالكين الجدد من أصحاب الامتياز، ولأول مرة سمعته يتحدث عن مؤسسات”. كانت فكرة “المؤسسات” التي وردت على لسان الأمير فيصل- نائب جلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء- إشارة الانطلاق الثانية- بعد “عتب” حسن قزاز-، لتحويل الصحافة السعودية من صحافة أفراد إلى صحافة مؤسسات. لقد كانت صحافة الأفراد بحق صحافة جميلة وثرية وقوية من ناحية المقالات المنشورة بها، لكنها كانت ضعيفة من حيث الخبر المحلي، والإخراج، وضعيفة جداً جداً من حيث الانتشار، في داخل المملكة وفي دول الجوار، إمارات الخليج العربي والعراق وبلاد الشام ومصر... وعلى ذلك صدر المرسوم الملكي رقم 62، وتاريخ 24/8/1383 هـ، الموافق 7/2/1964 م، بتحويل الصحف إلى مؤسسات خلال شهرين من صدور المرسوم، وسيتم تناول بعض ما رواه الحجيلان عن ذلك التحول الكبير ونتائجه في عدد قادم.