د. محمد البشير:

الرواية السعودية تزخر بما يستحق البعث السينمائي.

هو ناقد سينمائي سعودي، عضو الاتحاد الدولي للنقاد (FIPRESCI)، يحمل دكتوراه في النقد من جامعة الملك فيصل، وله عدد من البحوث والدراسات النقدية وصدرت له ستة كتب، أحدها عن مهرجان أفلام السعودية بعنوان) كما الماء- تأملات في السينما السعودية). ترأس وشارك في عدد من لجان التحكيم في مهرجان مالمو في السويد، ومهرجان بسارولوكو في اليونان ، ومهرجان أفلام السعودية ، وأيام الفيلم السعودي ، وغيرها، كان لنا معه هذا الحوار. * السؤال المعتاد عن البدايات، بداية الاهتمام بالأدب والفنون عموما. وما لذي دفعك للتركيز على مجال السينما بشكل خاص. وهل مسارك الأكاديمي يتوافق مع هذا الاهتمام؟ - لم يكن ميلا واضحا للأدب والفنون منذ الصغر، وإن كنت أقول “ داخل كل أحسائي أديب وفنان بالفطرة”، فهدوء الأحساء، وتضاريسها، وأناسها، عوامل مُعِينة على أن تكون فنانا وأديبا. درست في تخصص صحي، وفي منتصف الطريق قررت أن أقفز من الطائرة، متعلقاً بمظلة الأدب، فتعلمت النحو على أيدي أساتذتي الكرام، وبعدها قادني الشغف بالسينما والأدب، لأعود وأدرس اللغة العربية، وأحلّق من جديد إلى درجة البكالوريوس، ولأن “من ذاق عرف “! ومن عرف اغترف، كان التذوق قائدي لخوض تجربة النقد مبكرا، ومواصلة ذلك أكاديميا ومعرفيا؛ لأحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في النقد، وما زالت تلميذا أتلمس سحب المعرفة، وأجاهد الوصول للعنان. * كيف ساهمت لجنة السينما التي ترأسها بجمعية الثقافة والفنون بالأحساء، في تعزيز الحركة السينمائية في المنطقة؟ - ابتدأت في جمعية الثقافة والفنون في الأحساء مشرفا ثقافيا، وإيمانا بالسينما والجمهور كانت أول فعالية أقيمها في غرفة الأحساء بعنوان “سينما اليوتيوب لماذا؟ “ وكانت بمثابة استعادة الجمهور، وإعطاء الميكروفون للجمهور في أمسية يديرها الفنان محمد القحطاني والفنان حسين اليحيى، والرائعة زهراء الفرج، فازدادت جماهيرية الفعاليات الثقافية والسينمائية لاحقا بإعطاء الشباب لدفة القيادة، وإدارة الفعاليات، وتمكين “نادي السينما” بقيادة الزميل قاسم الشافعي للتركيز على المجال، ولذلك ندعي بمنطق الأرقام أن الفعاليات السينمائية الأهلية في الأحساء هي الأكثر والأكبر على صعيد السينما، وهذا لم يكن لولا مباركة الجمهور وشغفه بالسينما، والفن صُنّاعا ،ومهتمين ومشاهدين. * بصفتك عضوًا مؤسسًا لجمعية الأفلام، ما هي الأهداف التي تسعى الجمعية إلى تحقيقها في دعم صناع الأفلام السعوديين؟ - أهداف الجمعية كبيرة نسعى جميعا -منذ نشأتها- على تنفيذها برئاسة الفنان مشعل المطيري والفريق المميز، وأهم هذه الأهداف السعي لحفظ حقوق العاملين في المجال السينمائي، وهذا لن يتحقق إلا بتظافر الجهود بين الجمعية والأعضاء والمؤسسات، فالجمعية لا تكتسب مكانتها ابتداء إلا بجمعيتها العمومية! فهذا ما سيضعها على الطريق الصحيح الذي تسير عليه، ولكن تظل سرعة تحقيق الأهداف منوطة بالأعضاء وسعيهم لحفظ حقوقهم على مسافة واحدة فيما بينهم كمؤسسات وأفراد. * كيف تصف دور مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في الحراك السينمائي المحلي وفي وضع السينما السعودية على خارطة السينما العالمية؟ - ينمو مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بشكل صحي، وعودته في النسخة الرابعة من المهرجان إلى جدة البلد، واتخاذه لشعار “للسينما بيت جديد” وفي مكان مؤهل لفعالية بهذا الحجم؛ عودة تميزه عن غيره من المهرجانات، فروح المكان تظل في ذاكرة الزوار، واستشعار البيت الجديد، يمنح أهل المكان صفة المضيف، فكل تلك معطيات تدعو إلى استقراره بمشاهدة أفلام عالمية بجوار أفلام سعودية يجعلها في تنافس مستمر، فحجم الإنتاج السعودي مطمئن ، ويظل التفوق قادم لا محالة بتكرار التجارب ونضج السينما سريعا، فعمر السينما بمنتجات تجارية قصير، ومن المنطق أن تأخذ السينما دورتها ليشتد عودها، وتنافس أكثر، مع أن ما حققته في فترة وجيزة؛ يُعدُّ مذهلا إذا ما قيس بعمر سينمات مجاورة تسبقنا عمرًا، وأصبحنا على مسافة قريبة في حلبة التنافس الجميل. * لديك مشاركات في مجال النقد السينمائي، ما هو تقييمك لهذا المجال في السعودية؟ خاصة مع عقد مؤتمر النقد السينمائي الدولي سنويا في مدن مختلفة. - لا إبداع من دون نقد، وهذا الوعي من هيئة الأفلام كان واضحا بإنعاش النقد عالميا، فما تقيمه من ملتقيات ومؤتمرات بهذا الحجم يُعدّ سابقة في عالم النقد بشهادة النقاد أنفسهم، وهذا ما يُطمئن بوجود حراك نقدي موازي لحراك سينمائي قائم، وتحفيز دائم للاهتمام بالتفاصيل، والسعي إلى التجويد؛ لتقديم ما يليق بالسعودية وخزانها الثقافي والتاريخي والحضاري الزاخر بكل ما هو جدير بالشاشة الكبيرة. * لدى هيئة الأفلام عدة مبادرات مثل (ضوء لدعم الأفلام) و(كادر للتدريب المهني) و(برنامج صناع الأفلام) وغيرها، هل وقفت على مثل هذه المبادرات بشكل مباشر؟ وهل تتوقع أن تحدث تغييرا على المدى القصير في صناعة الأفلام السعودية؟ - هذه المبادرات تجمع ما بين المنح المادية لصناعة الأفلام مثل ضوء، والمنح المعرفية مثل كادر وصناع الأفلام، وكلا المنحتين ضروريتين في الصناعة، فالأموال لا قيمة لها دون معرفة، والمعرفة لا أرض سينمائية لها من دون دعم، وهذا ما تسعى إليه الجهات المانحة دوما، بإنتاج يشرّف الجهات المانحة، وتجعلها في مصنع السينما الذي يعول نفسه بنفسه ويفيض لمزيد من الإنتاج، ويشجع المستثمرين لدخول السوق لاقتسام جزء من كعكة أرباح السينما الطائلة مع مرور الوقت، وإيمان الجمهور بأفلام سعودية منافسة، واتساع دائرة التوزيع للخروج من السعودية إلى العالم متى ما كان لدينا ما يستحق وينافس ما يتم تقديمه، فالقيمة دوما بالمنتج، والجمهور في نهاية المطاف يتوخى الجودة دون السؤال عن جنسية العمل. * ما هو رأيك في الأفلام السعودية التي عرضت مؤخرا؟ ما هو الأفضل بنظرك؟ - بالنسبة للأفلام السعودية فقد عملت على كتاب يوثق رحلتها في صالات السينما السعودية منذ افتتاحها عام 2018 وسيرى النور قريبا بإذن الله. ومؤخرا أفتخر بمشاركة الأستاذ أحمد شوقي رئيس الاتحاد الدولي للنقاد (FIPRESCI) والصديق فراس الماضي بتحكيم أفلام هذا العام وفق شروط ومعايير، لصالح مسابقة “فاصلة”، الفيلم الفائز كان فيلم “ناقة” للمخرج السعودي مشعل الجاسر، وذلك “لجرأته وقدرته على الخروج عن المألوف، ولتعبيره عن صوت جيل جديد شاب، ولتوظيفه كل أدوات الوسيط السينمائي البصرية والصوتية في خلق تجربة مشاهدة شيقة، حافلة بالتفاصيل المؤثرة، ولقدرته على فتح أبواب النقاش، بل والجدل والاختلاف”. * برأيك، ما الذي ينقص السينما السعودية لتنافس عالميًا؟ وهل ترى أن الدعم الحالي من المؤسسات الحكومية والخاصة كافٍ للنهوض بالصناعة؟ - لا حدود لاحتياجات قطاع مثل قطاع السينما، فهو يطلب المزيد على الدوام، ويحصد المزيد على الجانب الموازي، وهذا هو المحفز للاستثمار الحكومي والتجاري، فالأرقام التي نقرأها كل أسبوع، وازدياد عدد التذاكر، ودخول السوق السعودي لقائمة أكثر الأسواق العالمية مبيعًا؛ كل ذلك يدعو إلى مزيد من الدعم والتجويد، والركض لدخول المنافسة ؛ لضمان حصة تليق بالسعودية وسينماها، وتزايد الأستوديوهات محفز لمزيد من الإنجازات وآخرها ما قامت به ( Big Time ) من استثمار نتطلع لنتائجه، وما تقوم به نيوم والعلا وكل الشركات والجهات المانحة من نتائج نشاهدها في أفلام سعودية مثل (نورة) وما حققه، و(هوبال) وما نترقبه، وغيره من الأعمال التي ننتظر نتائجها مع كل إعلانِ تَرَقُبٍ لظهور فيلم جديد. * كونك مهتم بالكتابة الإبداعية الأدبية، لماذا لا نرى دورا أكبر للأدب السعودي في إثراء السينما المحلية؟ وكيف يمكن تعزيز هذه العلاقة؟ وما هي الروايات أو الأعمال الأدبية السعودية التي تراها مناسبة للتحول إلى أفلام سينمائية؟ - لا يزال دخول الأدب في السينما خجول ، ولا يواكب ما يحدث، وآخرها ما وقفت عليه من تحويل عدة روايات إلى “سكتشات” فيلمية نباركها، ولكن لا ترقى إلى الطموح، ويظل التفاؤل حاضرا بمبادرات آخرها جائزة القلم الذهبي، والدعم السخي الذي يتطلب مخرجات توازي هذا الدعم، فخروج “مئة عام من العزلة” لماركيز في رداء مسلسل محدود الحلقات؛ شاهدٌ على النتائج المفترضة للأدب متى ما زاوج السينما، وظفر بعمل جاد متريث، ووعي بقيمة الكلمة والصورة، وخبرة تنبع عن ممارسة لا محسوبيات، فالرواية السعودية تزخر بما يستحق البعث السينمائي، والأسماء كثيرة بعدد الروائيين الكبار ، وتنوع المناطق، وجدارة كل جهة وبقعة بترجمتها سينمائيا ك”مكة” رجاء عالم، و”مدن” عبده خال التي تأكل العشب، و”بريدة” يوسف المحيميد، و”ساق الغراب” ليحيى أمقاسم، و “كوت ونخيل” ناصر الجاسم وعبدالله الوصالي وحسن الشيخ، و”صحراء” عواض عاصم وبدر السماري، وخليف غالب وشتيوي الغيثي. والقائمة السعودية تطول وتمتد باتساع خارطة الرواية التي لم تترك زقاقا دون أن تدخله طوال عمر الرواية، وهذا ما يجعلنا نترقب عمر السينما الذي حتما سيدخل ما دخلته الرواية، ولن يتأخر كثيرا، فالتجربة واضحة النتائج بدخول الأدباء الشباب للتجربة مثل القاص مفرج المجفل وتعاونه مع عبدالعزيز الشلاحي، والقاص عبدالعزيز العيسى وتعاونه مع خالد زيدان، فالشواهد حاضرة، وبقية الصداقات التي تجمع ما بين الأدباء والفنانين. * هل وجدت أثرا لمسابقات الأفلام السعودية في بث روح التنافس بين صناع الأفلام وتطوير الصناعة؟ - المسابقات هي المحفز الأول لصناعة الأفلام يوم أن كانت صالات السينما غائبة، لذلك كان لدبي فضل على السينمائيين السعوديين الشباب، وجاءت مسابقة أفلام السعودية وغيرها من المسابقات لتوطين الفيلم السعودي في مهده، ولمزيد من التحفيز المحلي، وتنافس المناطق على هذه المسابقات فيما بينها شاهد على الحاجة لمثل هذه المسابقات، وظل مهرجان أفلام السعودية -الذي يستعد لنسخته الحادية عشرة- في الصدارة لاستمراره دون توقف، ولقيامه بدور بيت السينمائيين، وعيدهم السنوي الذي يترقبون موعده بشغف لتبادل الخبرات، والتعاون فيما بينهم لمشاريع مقبلة. * ما لنصيحة التي توجهها للمواهب المحلية في الإخراج والكتابة وغيرها، لكسب ثقة واهتمام الجمهور السعودي الذي اعتاد على مشاهدة روائع السينما العالمية لعقود؟ - الإصرار ثم الإصرار، فهذه الروائع لم تكن في يوم وليلة، وإنما وليدة تواضع واستفادة ممن سبق، والإضافة لبصمة من لحق، وذلك لن يكون إلا بفكر متكامل مؤثث بعلوم وفنون شتى، فالثقافة السينمائية ضخمة، وهي وليدة الحياة والتجربة، والتواضع -الذي لا يقضم من الثقة- مطلب لكل سينمائي يغامر في خوض هذه التجربة المحفوفة بالمخاطر والمكاسب معًا، فالسينما مغامرة عالية المخاطر تحتاج إلى جسارة، ولا تقبل ذوي القلوب الضعيفة.