هل تعتبر مبيعات معارض الكتاب مؤشراً؟

الكتب الإلكترونية والورقية وأثر التقنية عليهما.

رغم تقدم التقنية الحديثة في معظم المجالات إلا أننا نرى أنه ما يزال الكتاب الورقي متواجدا على أرفف المكتبات، ومعارض الكتاب، في مشارق الأرض ومغاربها. ووفقًا لدراسة تم تقديمها في إيطاليا عام 2014، بأن قراء الكتب المطبوعة يستوعبون ويتذكرون المزيد من الحبكة مقارنة بقراء الكتب الإلكترونية. وفي دراسة سابقة أيضا سجل قراء الكتب المطبوعة درجات أعلى في مجالات أخرى. تعتبر الكتب الورقية رمزًا للمعرفة والثقافة، فهي تجمع بين التاريخ والتقاليد في تجربة قراءة فريدة، وتتميز هذه الكتب بشعورها المادي والملموس، مما يجعلها محبوبة لدى البعض الذين يفضلون لمسة الورق ورائحة الصفحات، كما يشعر القارئ بالارتباط العميق بالمحتوى مثل التركيز والفهم والانغماس في الكتاب وفهم السرد. ويرى البعض بأن الكتب الإلكترونية تتسبب في مزيد من التشتيت وصرف الانتباه عن المحتوى وإجهاد العين بسبب الشاشة، رغم مميزاتها في عدم الاستهلاك الورقي والمادي، والقدرة على قراءة الكتاب بأي مكان وأي وقت لتواجد الجهاز المتنقل بين يديه طوال الوقت إضافة إلى الحصول عليه بسهوله. فللكتب الورقية والإلكترونية مميزات وسلبيات، والأهم هو الانتظام في القراءة بكل الطرق لانفتاح العقل واستنارته، وتنمية الفكر والقدرة على التصرف في المواقف المختلفة وطلاقة اللسان والحديث. تفوق الرقمي على الورقي في زمن الذكاء الاصطناعي لذلك كان لـ” اليمامة “ حديث مع المختصين حول ذلك حيث يقول أ.د عبدالرحمن بن حسن المحسني أستاذ في كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة الملك خالد- نائب رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب: “إن هناك مرشحات تؤكد في نظري تفوق الرقمي أولها: لا نستطيع أن نحكم بتفوق الورقي على الرقمي في زمن التقنية والذكاء الاصطناعي وهذه الثورات الرقمية جعلت الجوال والحاسوب مصدر المعرفة الأولى، وجعلت العالم كله يترقمن، وتدفع الدول المليارات على بناء قاعدتها الرقمية، وتتحول المؤسسات بأكملها إلى التسابق على الحكومات والحوكمة الرقمية، كل ذلك يجعلنا نعتقد أن مصدر المعرفة المتصل بالورق قد تراجع لصالح الرقمي. هذا أمر. إحصائيات دور النشر وأضاف المحسني بأن الأمر الثاني، بخصوص معارض الكتب، لا يمكن أن نحكم بها على تقدم الورقي قطعا، لأسباب منها أن أغلب الدور تعتمد على النسخة الرقمية والنشر الرقمي بجانب الورقي، وهذا جانب مهم. ثم إننا نحتاج إلى استبانة تشارك فيه بصدق دور النشر المشاركة في معارض الكتاب لمعرفة حقيقة المبيعات، وقد كنت بدأت في شيء من هذا فوافقت قلة من الدور على المشاركة في الاستبيان وأوضحت تأثرها بكورونا وما بعدها وأنه شكل منعطفا لها (لدي بعض الإجابات) واعتذرت عدد من الدور عن الإفصاح عن مبيعاتها. ويقول المحسني: في اعتقادي أننا نحتاج إلى قياس حجم المبيعات من خلال إحصاءات ونماذج حقيقية تؤكد نسبة الإقبال والقوة الشرائية. وأجزم أنها ستكون صادمة ودافعة إلى متغيرات مهمة في رؤية تلك المعارض. والأمر الثالث: يعلم الباحثون وحدهم بأنه لا أحد في زمن المكتبات الشاملة والمفتوحة بات يحمل هم التنقيب في الكتب الورقية بالطريقة التقليدية، فقد تحول الباحثون كلهم إلى الاستغناء بتلك المكتبات الرقمية عن الكتب الورقية وهذا انتصار للرقمي في ميدان هو أهم ميادين المنافسة.. وأما حميمية الورق فلم يتبق لها إلا بقايا لدى البعض للاستجمام القرائي والعاطفيّ المتصل ببعض الروايات والكتب الاستمتاعية بطريقة القراءة التقليدية. وأستطرد المحسني بأن الأمر الرابع هو سنة الله في الكون وهي التغير، ومن الطبيعي أن تبقى بقايا مع كل تحول، فلا يمكن أن نحكم بالفناء لصالح متغير، فالتحول يستوعب بقاء الورقي حاضرا إلى حين. واقع تقدم الكتاب الورقي على الرقمي ليس حتميا ولن يستمر طويلا من جهة أخرى مختلفة يرى يوسف أحمد الحسن كاتب متخصص في مجال القراءة، فيقول حول توجهات القراءة الورقية والرقمية: “بأنه لا تزال مبيعات الكتب الورقية تتفوق على الرقمية لعدة أسباب منها أن من كان يشتري الكتب الورقية لا يزال يشتريها إلى يومنا هذا وهو من شريحة كبار السن وهم الذين يمتلكون القدرة الشرائية مقابل شريحة الشباب العازفين عن القراءة بشكل عام بسبب وجود خيارات أخرى عديدة لديهم، وهم حين يقررون القراءة فإن أغلبهم يفضل الكتب الرقمية. وأضاف الحسن بأن مما يدفع كبار السن للتعلق بالكتب الورقية حالة تسمى” نوستالجيا الكتب” وتعني الحنين للماضي حين كانوا يتصفحون الكتب الورقية بما تعنيه من ملمس الورق ولونه ورائحته وحتى صوت تقليب صفحاته. ولا تجد هذه الشريحة ضالتها في الكتب الرقمية رغم انخفاض سعر اقتنائها أو حتى مجانيتها. لكن الشباب يجدون أنفسهم مشدودين للشاشات وما فيها من ألوان ورسومات وتصاوير متحركة ويستطيعون اصطحابها معهم بعيدا عن قيود المكان والزمان وحتى طبيعة الكتاب الورقي ووزنه وسعره. وأشار الحسن بأنني أعتقد أن واقع تقدم الكتاب الورقي على الرقمي ليس حتميا ولن يستمر طويلا وقد بدأت ملامح تغيره تظهر في الأفق في انخفاض الإقبال على معارض الكتاب نسبيا، وكذلك على مبيعات الكتب الورقية عربيا وحتى عالميا في الدول ذات المعدلات العالية في ساعات القراءة سنويا. ولذلك فإن أغلب دور النشر العالمية قد بدأت منذ مدة في طرح كتبها رقميا جنبا إلى جنب طرحها ورقيا كخيار هام يعوض انخفاض معدلات القراءة بشكل عام في العالم أجمع وانخفاض الورقي منها بشكل أخص. وبين بأنه من الصحيح أن معدل الاستيعاب في القراءة الورقية أعلى من الرقمية لعدة أسباب منها وجود ما يسمى التشتت الرقمي مثل رسائل التنبيه ووجود الروابط في الرقمي، لكن الأخير يتميز بعدة أمور منها انخفاض سعره وسرعة الوصول إليه وإمكانية توفره بأعداد كبيرة في جهاز صغير. هذه العوامل وغيرها تدفع نحو زيادة التوجه إليه في مختلف دول العالم ومن مختلف الشرائح العمرية. قراءة الكتاب الورقي يمنحهم شعورًا بالإنجاز وبينت تغريد العلكمي كاتبه ولديها مجموعه قصصيه ورقيه والكترونيه فقالت: “إن الكتب الورقية ليست مجرد وسيلة للقراءة، بل هي تجربة شاملة تجمع بين العاطفة والعمق والتعليم والتثقيف، فهي تحمل قيم تعجز الكتب الإلكترونية عن تقديمها بنفس الطريقة، ومن الطبيعي عدم الاستغناء عنها رغم التطورات التقنية التي نعيشها اليوم، ويعود ذلك لأسباب متعددة تختلف باختلاف الشخص والثقافة والاهتمام والبيئة، ومن أهم الأسباب أن الكتب الورقية توفر للقارئ ما يسمى بالتجربة الحسية من خلال ملمس الورق ورائحته، مما يخلق ارتباطًا عاطفيًا لا توفره الكتب الإلكترونية، والقراءة من الكتب الورقية تعطي شعورًا بالاسترخاء والهدوء بعيدًا عن التشويش الرقمي مثل الإشعارات والتنبيهات التي تأتي مع الأجهزة الإلكترونية. وتعتبر الكتب الورقية جزءًا من التراث الثقافي، حيث يتم الاحتفاظ بها كقطع ثمينة في المكتبات والمنازل، وتُشكل رمزًا للموروث الإنساني. وأضافت العلكمي بأن بعض الأشخاص كذلك - وأنا منهم - يرون أن قراءة الكتاب الورقي يمنحهم شعورًا بالإنجاز عند تقليب الصفحات والانتهاء من قراءته مقارنة بالتصفح الرقمي، وآخرون ينظرون للكتاب الورقي كقطعة فنية جميلة، بحد ذاتها من خلال أغلفتها وتصميمها الداخلي، وهذا ما يفسر دخول “الكتب المزيفة” في عالم التحف والديكورات المنزلية مؤخرًا. وأشارت بأن وجود مكتبة منزلية مليئة بالكتب الورقية يُعتبر رمزًا للثقافة والمعرفة، إلى جانب أنها تضفي لمسة جمالية على المكان. وغالبا يستمتع بالكتب الإلكترونية ويفضلها الأفراد الذين يهتمون بقيمة الكتاب واقتنائه كشيء ثمين، والأشخاص الذين يحبون الروايات والأعمال الأدبية الكلاسيكية للحفاظ على قيمة هذه الأعمال الأدبية. الرقمي محتفظا بصدارته لدى فئات كثيرة من البشر وأكدت العلكمي بأن الكتاب الورقي يظل رغم المد التكنولوجي والرقمي محتفظا بصدارته لدى فئات كثيرة من البشر الذين لم يتمكن الكتاب الإلكتروني من سحب بساط اهتمامهم إليه كبديل عن الكتاب الورقي. وأرى أن المرء لابد أن يكون في الموقف الوسط فمن الممكن أن يميل للكتاب الورقي ويقتنيه ويشعر بالارتباط العاطفي اتجاهه، وبذات الوقت يستثمر المميزات التي تمنحها التكنولوجيا في الكتب الإلكترونية من سهولة الوصول إليها في أي وقت وفي أي مكان وتعدد خياراتها، وانخفاض تكلفتها وعدم الحاجة إلى تحمل عبء حمل الكتب أو ضياعها، وغيرها من الميزات الأخرى التي لا يمكن إغفالها.