عن أغانينا ذات اللون الواحد.
يطرق المطر شبابيكنا فتسر النفوس وتخضر الأرض، وتبتل صحراء الروح كلما هطل، فينبت فيها الزهر ويعود للحياة ما ذبل منها، فما نحن إلا قطعة من الأرض التي نسكنها وتسكننا، حفنة من الطين التي تجتاحها الريح فتغرق كلما بللها الماء ثم تجف وتعطش، هكذا نكون أقرب إلى الطبيعة نتأثر بها حتى نغدو شبهاً لبعضنا البعض.. لوناً وشكلاً وهوية. حتى حين يصب الشاعر شعره أو الأديب أدبه، ثم يصف فيه لون الشفق وهو يتمايل ما بين الصفرة والحمرة، أو تلك السنابل التي تراقص الضوء كلما عزفت الريح موسيقاها، أقول: حين ينسكب الشعر والأدب والفن واصفاً كل هذا إنما ذلك اختصار لما قد يصف به الإنسان نفسه، فهو جزء من كل هذه التركيبة المليئة بكل ما تشابه وتناقض من جفاف، وغرق، ومن ركود، وعواصف، وبهجة، وغضب، وضوء، وعتمة. لأي مدى رسم الشعر وكتبت الرواية والأغاني التي نسمعها يومياً تلك التفاصيل؟.. لأي مدى تمادت أغنياتنا المفضلة التي نسمعها يومياً في وصف أسقف بيوتنا، أو ساحاتنا التي تغتسل بالشمس صباحاً أو تلك الليالي التي تحتفي بالقمر مكتملاَ؟ لم تلتقط أغنياتنا الكثير من كل ذلك للأسف.. بينما ألمح ذلك جلياً في أغاني فيروز؛ فأسمع صوت الطاحونة وطرقات الثلج على النوافذ، أعرف أيلول وحنين أيلول وورقه الأصفر، وأعرف كيف يبتهج أهل القرية بالحصاد، كما أعرف جيداً كيف كانت «عينيي عليا حلوين « وطعم الفناجين المتروكة في المقاهي البعيدة. أغانينا اقتصرت على وصف الحالة الشعورية ولم تلتقط الكثير، وأستثني القليل جداً من الأغاني التي صورت الجدائل وجدران الطين والحصير، خاصة ونحن نمتلك الخامة المهيأة لاستغلالها في الموسيقى والشعر بالذات، هل يتملص الشاعر السعودي من الحكايات الغارقة في واقعيتها والتي تفوح منها رائحة الشاي الصباحي وتصور ملامح الغيم الأسود على أكتاف الصبايا؟ وتلك الندبات اليومية الصغيرة التي تعكر صفو عاشق غيور؟ ما أجمل أن تُصب الحياة بتفاصيلها الصغيرة في فناجين الأغاني اليومية وما أجمل أن نلتقط الأصوات والألوان والروائح لننسج منها أهازيجنا الخالدة!