فيلم هوبال.. قضية التمرد والانصياع.

ما قيمة الإيمان دون عقل؟؟ هنا تكمن الأزمة التي دارت حولها الحبكة الفنية لفيلم “هوبال” وهي فكرة جريئة وقوية وإن تخفت تحت برقع بدوية أو خيمة راعي الإبل. تبدو التجربة السينمائية في السعودية حديثة الولادة ولهذا يمكننا القبول بأفلام “أي كلام” أحياناً رغم البروباغاندا التي تحدثها عند صدورها والدعايات المأخرى.لها في كل مكان، لكني أجد ذلك منطقياً فنحن ما زلنا نتعلم كيف نحكي قصصنا للعالم عن طريق السينما، شكلت تجربتي السابقة مع فيلم “نورة” صدمة إيجابية خرجت من الفيلم وأنا ما زلت أصفق وما زلت تحت تأثير أغنية “شرطان الذهب”، وهذه المرة اخترت أن أشاهد فيلم “هوبال” دون توقعات، و منذ العشر دقائق الأولى علمت أنني أمام فيلم يستحق أن تتسمر لمشاهدته، القصة قد تبدو عادية وصغيرة إلا أن هناك من صنع منها صورة وصوتاً وغرسها في أعمق نقطة شعورية لدى المتلقي، واستخدم الحكاية بأقصى إمكانياتها وقام بتمرير الكثير من الرمزيات من خلالها ، في صالة السينما كان الجميع ينصت ويتفاعل ولاشك أن الجميع بكى في آخر الفيلم ولا أعلم إن كانت القصة مأخوذة من وقائع حقيقية أم لا إلا أني أجزم بواقعيتها من جوانب كثيرة أخرى .. والقصة عن عائلة يقرر كبيرها في بداية التسعينات أن يسكن الصحراء بعيداً عن المدن، ولأن المدن أماكن تعج بالفتن والتمرد على إرادة الخالق وبما أن أشراط الساعة قد ظهرت فلا مكان يمكن أن يكون أفضل من الصحراء البعيدة ليأوي إليها الجد بأبنائه وأبنائهم، تحت السماء وتحت رحمة الخالق مباشرة، وسيكون على من يذهب إلى المدينة ليجلب احتياجاتهم أن يستغفر ويتوب، أما من ترك القبيلة وهاجر إلى المدينة فقد حكم على نفسه بالقطيعة إلى الأبد. “هوبال” هو اسم الفيلم ويعني لغة التواصل ما بين الإبل وصاحبها، والجد الذي اتخذ قرار البقاء في أبعد البقاع عن الحياة كان يمتلك قطيعاً من الإبل لا يمكن أن يتواصل معها سواه، كان يمكن لقرار الذهاب إلى المدينة والحلم بها أن يكون مجرد حلم بعيد وعابر، لكن للموت رأي آخر، حين أصبح الموت هو الخيار الذي ينتظر الجميع في حال انتشار الحصبة، لكن ذلك لم يكن كافياً ليثني الجد عن قراره، وأصبح الصراع ما بين الموت والحياة هو المشهد الرئيسي في حياة “سرا” بعد إصابة ابنتها وعزلها، وبدأ الخوف يتسرب إلى الجميع، يمكنك أن تلمس في الفيلم الكثير من الاضطراب الداخلي لدى الشخصيات التي هي على ارض الواقع تمثلنا وتمثل صراعنا ما بين الرغبات والمخاوف، وضمن أهم رسائل الفيلم شجاعة المرأة وكونها تقود الأمور بشجاعة، وبأن لديها الكثير من الآمال التي كانت تقمع من خلال الرجل، التمسك بالخرافة وتصديقها وتناقلها والاستسلام لها دون أن يحاول أي شخص اختراق هذا الحاجز الوهمي، والتناقض والازدواجية في حالة “شنار” كذلك وقيامة ببناء حياة كاملة خارج الصحراء وإخفائها عن الجميع، كل ذلك يمكن إسقاطه على الواقع المعاش الآن كذلك في كثير من التفاصيل، مشهد الحلم للطفل “حمد” حين حلم بجده مشهد جميل كيف امتزج وعي الطفل وخياله بالجد وبفكرة الجنة بعد الموت وربطها بالواقع وتصوره بأن جده سيبقى بصحبة القطيع حتى في العالم الآخر بشكل مبالغ فيه يتناسب مع فكرة الجنة المغروسة في عقل الطفل، وأن ما فيها أكبر وأكثر بالضرورة، هذا الفيلم هو النجم أو الشهاب الذي سيترك أثره في كل من شاهده، وسيترك أثره حتماً على مجال صناعة السينما، أخرج العمل المخرج “عبد العزيز الشلاحي” وهو مخرج “مسلسل خيوط المعازيب” وفيلم “حد الطار” الرؤية الاخراجية للفيلم تجعل آثار بصمات “الشلاحي” واضحة وتجعلنا نترقب هذا الاسم ونتتبع أعماله. أبطال الفيلم : ابراهيم الحساوي, مشعل المطيري, ميلا الزهراني, حمدي الفريدي, دريعان الدريعان هذه السينما الواعدة والشابة هي كل ما نريده ونحتاجه لبناء وعي جديد، وما يمكننا من خلالها تصدير حكاياتنا العادية والعابرة إلى العالم وأن نخلق من المعتاد فناً يشار له بالبنان، وهي ما يمكننا أن توثق عبره جزءاً من صورتنا الحية كمجتمع حتى زمن بعيد.