سور المفاهيم.
مع مرور الأيام ترسخ لدي قناعة أن أشياء كثيرة رائعة تستحقّ المحاولة لعلنا لم نرَها، وربما وضع الإنسان أمام عينه سورًا شاهقًا يحجب الرؤية ! وأقنع نفسه أنه: ليس بالإمكان أفضل مما كان! والسور هو بعض (المفاهيم) والمقولات الخاطئة التي تعشعش في ذهن البعض وربما ورثها عن غيره دون أن يختبرها، أو يلقي لها بالًا مع أن لكل مفهوم سياقات ودلالات قد تناسب ظرفا ولا تناسب آخر. وحين قال الشاعر: (وَقَد طَوَّفتُ في الآفاقِ حَتّى رَضيتُ مِنَ الغَنيمَةِ بِالإِيابِ..) وهو معنى تخور به العزائم، لكنه يخصّ صاحبه الذي “عاد دون تحقيق أهدافه” واكتفى أن نجا بحياته، ولا ينبغي أن ينسحب على حالات أخرى تختلف، لاسيما وأن لكل شخص في مواجهة الحياة معاركه الخاصة؛ البسيطة أو المعقدة كما أن له طاقاته وإمكانياته. وفي مسألة (مشاورة الناس) وكنا قد تربينا على مقولة: (شاور اللي أكبر منك وأصغر منك وارجع لعقلك)، في هذه المقولة مستوى رفيع من احترام لمبدأ التشاور والعقل، لكن هناك من تشاروه في فكرة مشروع تجاري -على سبيل المثال- فَيئِد الفكرة في رأسك قبل أن تولد! لمجرد أنه كانت له تجارب فاشلة! لذلك اعرفْ من تشاور؟ ومن المقولات المثل الذائع: (بعد ما شاب ودّوه الكتاب) وهو يتعارض بشكل صريح مع أحاديث شريفة وردت عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- تؤكّد فضيلة طلب العلم حتى نهاية العمر من بينها: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة)، وغيرها. وأكثر مثل سمعناه صغارًا: (مد رجلك على قد لحافك) وهو كلام (حمّال أوجه) في معناه، ويدل على فضيلة (القناعة) والمهم أن لا يُفهم منه “الدعة والاستسلام والكسل”، بدافع أنه لا يجب أن يمدّ الإنسان رجله أكثر من لحافه؛ فتموت داخله كل فكرة نابهة تدفعه للمضي قدما. بعضنا يركز على سلامة بدنه، وكيف يحافظ عليه بالرياضة وأسلوب حياة جيد، وهو أمر مطلوب، لكنه لم يعطِ لنفسه ولو مساحة بسيطة، يُعمِلُ عقله ويفحص بعض ما عشعش في دماغه من مفاهيم خاطئة!. وقد قيل شعرًا كما ينسب لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: وَأَفضَلُ قَسمِ اللَهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ فَلَيسَ مِن الخَيراتِ شِيءٌ يُقارِبُه