في ديوان « مزدحم بالفراغ » لعلي مكي الشيخ ..

بين ذاكرتي الكتابة الشعرية والتلقي .

في البدء أعود لمسطرة الزمن القريبة جدا عبر محطات عدة منذ انشغالي بالقراءة الشعرية من جانبها التحليلي الضوئي ومجازها المرسل لأقف عند هذا الشاعر الجميل علي مكي الشيخ بين الكتابة الشعرية في جوهرها والكتابة المسطحة في بساطتها اللغوية فمنذ مملكة التسبيح ومروراً بدواوينه (نقش خاتمه) و(عندي رقصة تشبهك ) و ( من ورق الجنة) ووصولاً إلى ( سأخلع طعم الريح ) و(مزدحم بالفراغ) تنتابني بين كل هذه المحطات لحظة فرائحية لماء الشعر النقي واللغة الصافية والذكاء الشعري الضوئي في اقتناص اللمعان وتحوله لقصيدة أقل ما يقال عن مجازاتها المتصاعدة أنه من ملائكة الشعر المدهش والمبدع والمحرك للرتابة المتدنية في شفوية التعبير العفوي العابر، لشاعرية التعبير المضموني الرفيع و الانزياحي المتألق، لنجد أن مجرة علي الشيخ الكونية أصلها مزدحم بالأرض ولكن فرعها معلق على سدة الفراغ الذي هو فضاء يتسع ولا ينتهي ومن هنا أجدني بين طيات هذا الديوان الروحي والشفيف مختلط بذاكرتين ذاكرة الكتابة الشعرية في البعد الآخر وذاكرة التلقي من حيث الإحالة والإيحاء عن متتبع النصوص المزدحمة بفراغات القصيدة والتي اشتغل عليها أبو حسن كثيمة مفارقة لإمتداد ما كان يسكنه ليقفز بنا في غنائه من معنى صرف لمعنى هيولي ينتج الشعر الشعر وها نحن نحتفي بلحظات هذا المزدحم جدا بالجمال الفراغي الذي بثه الشاعر بين النص والنص والعبارة الشعرية وأختها نلمح هذه الخاصة وهي خاصية التهريب الشعري و الإستفادة من التجربة السابقة التي سلفت وتدعيمه للمرحلة الفراغية الجديدة الواعية التي تخلق الذروة في نحتها الخاص عبر نسيج البنية الشعرية وقاموسها الشعري وأسلوبه البياني واللساني وبداهتها في اختيارها الإيقاعي المتمثل في إلتماع خيط الحرير في القصيدة ولعل هذا الديوان المزدحم وجدته نموا أصيلا لسابقه سأخلع طعم الريح في التركيب والتصوير واللغة إلا أن الفراغ الذي أتاحه الشاعر للمتلقي كي يسكن هواجسه وذائقته كان مذوبا بعناية خاصة في كوب النص بتوازن بين مبنى القصيدة والمعنى المؤدي لمعادله الموضوعي وانفعالاته النصية وبين ما يمكن تأويله والإشارة إليه وبينما هو ضمني كطاقة كامنة في النصوص مشحونة بالإحساس الهائل الذي ينبض بين ثنايا النص في ايحاءاته المختلفة وبين ما هو متعالق بالفكرة الشعرية التناصية في مراسمها العامة المشهورة كالقرآنية والتراثية والبيئة الحاضنة للمكان والزمان وليس لنا هنا إلا نقف من هذه التجربة الجمالية موقف المتلقي الفراغي الذي يتحسس من هذا المشروع الشعري مديات هذا البعد الآخر المشار إليه وبواعث الأسئلة الضمنية التي تركتها النصوص بين تصويراتها وتراكيبها الفنية وصوته المجازي الذي يفيض بالدهشة والإنزياح وباللغة وما مدى ما يتركه من أثر شعري يشعل جذوة النص في مرويات هذا الاشتغال اللامع والمزدحم بالنقيض والتضاد والتساؤلات النفسية الراصدة للحياة في أبعادها الوجودية والكونية كملمح يتجاوز فيه صوت الشعر شاعره ومكانه وبيئته الشعرية الخاصة والعامة وفي الختام أجدني هنا أعبر عن امتناني الخاص لشخص أبي الحسن الذي سكب علينا ازدحام الفراغ ما سبقه من دواوين رصينة تعنى بالشاعرية الجميلة واللغة الرشيقة والإحساس الشفيف الذي لا يقول ولكنه يغني بالروح الشاعرة وغير الشاعرة على سواء القصيدة وسؤالها الموحي والملهم بهذا الفراغ الفسيح والمتسع لألف فراغ جديد يملأ هذا الكائن الحي بالطموح المشتعل