ما هو الواقع؟
يعدُّ سؤال “ما هو الواقع؟” من أقدم الأسئلة الفلسفية وأكثرها تعقيداً، إذ يحمل في طياته دلالات متعددة ويطرح أسئلة جديدة تتوالد من عمق معناه. الواقع الذي نعيشه يومياً يتنوع في دلالاته؛ فهل هو مادي محسوس يمكن معاينته عبر الحواس؟ أم هو تجربة معنوية تفرض نفسها على عقولنا؟ هل الواقع مادي أم معنوي؟ لعل أحد المفاتيح لفهم الواقع يكمن في تحديد طبيعته، فإذا كان الواقع مادياً، فهو على الأرجح قالب ملموس نختبره بحواسنا ونتصرف فيه بإرادتنا. في هذه الحالة، نحن لا نخضع للواقع بقدر ما نتحكم به ونصوغه وفق رغباتنا. المادية هنا تجعل الواقع ملموساً وقابلاً للتعديل؛ إذ نرى الأشياء ونتحكم بها، ومن ثم نصنع قراراتنا استناداً إلى تجاربنا الحسية. على النقيض من ذلك، إذا كان الواقع معنويّاً – إدراكاً ذهنياً يتجاوز المحسوس – فإنه يصبح شيئاً نفهمه بالعقل ونفسره بالتأمل والتفكير. وبهذا، قد يفرض الواقع نفسه علينا كقوة تؤثر في مسار أفكارنا وتوجه أفعالنا. هنا يصبح الواقع، وليس نحن، من يضع القواعد، ونتعامل معه بناءً على ما يمليه علينا من فهم ومعانٍ. هل نتصرف بالواقع أم هو متصرف بنا؟ هذا السؤال يقودنا إلى مفهوم حاسم في الفلسفة، وهو الحتمية مقابل الحرية. فإذا كان الواقع ماديًّا، فقد نكون نحن الفاعلين فيه، نصنع اختياراتنا ونبني قراراتنا. أما إذا كان معنويًّا، فإننا نقبل تأثيره ونخضع له. هذه المسألة كانت موضوعاً للتأمل عبر تاريخ الفلسفة، حيث يرى الحتميون أن الواقع يفرض نفسه علينا، بينما يؤمن الوجوديون بحرية الفرد في بناء واقعه واختيار مساره. استنتاج: الواقع بين التجربة المادية والمعنى المعنوي من خلال التأمل في كلا الجانبين، يبدو أن الواقع ليس كياناً بسيطاً؛ بل هو مزيج من التجربة المادية، التي يمكننا التأثير عليها والتفاعل معها، والمعنى المعنوي، الذي يُدرك عبر العقل ويؤثر في فهمنا للأشياء. فنحن نعيش في عالم محسوس، لكن إدراكنا وتفسيراتنا تمنحه معاني عميقة تجعله يتجاوز المادة. ما اردت ان أخلص اليه قد لا يكون الواقع شيئاً يمكن اختزاله بسهولة؛ فهو تجلٍّ للمادي والمعنوي في آنٍ واحد. لذا، فإن البحث في ماهية الواقع ليس مجرد محاولة للبحث عن إجابة، بل هو تمرين مستمر يساهم في تعميق فهمنا لعالمنا ولطبيعة وجودنا فيه.