لا يغلب عسراً يُسران!

الإسلام دين اليسر والرحمة، وقد جعل الله “اليسر” مقصدًا رئيسيًا من مقاصد الدين الكبرى. يقول تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”، ويؤكد بقوله: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”. كذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: “إن خير دينكم أيسره”، وفي رواية أخرى: “إنكم أمة أريد بكم اليسر”. هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية جاءت لتعطي الإنسان الأمل والطمأنينة، خاصة في أوقات الشدة. فهي بمثابة صمام أمان يذكرنا بأن العسر مهما اشتد، فإن اليسر قريب، مصداقًا لقول الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه: “لا يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَينِ”. العسر واليسر في حياة الإنسان في اللغة، “العسر” يعني الضيق والشدة والصعوبة، كما في قوله تعالى: “وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ”. لكن هذه المفاهيم ليست مجرد ألفاظ؛ فهي معانٍ سامية يتم تكرارها كثيرًا بيننا للحث على التيسير. ومع ذلك، عند التطبيق العملي، نجد أن طبيعتنا البشرية قد تعيقنا عن الالتزام بها. على سبيل المثال، صاحب المال الذي يُذكَّر بفضل التيسير وأجره العظيم عند الله، قد يرد بمنطق الدنيا: “ما ضاع حق وراءه مطالب”. وهو منطق يعكس غياب الإيمان الكامل بالمبشرات التي أكدتها الشريعة. ضعف الإيمان بالمبشرات ضعف إيماننا بالمبشرات يظهر جليًا في تصرفاتنا اليومية. حتى “المعسر”، الذي يعيش الضيق، قد لا يؤمن بأن العسر سيخلفه يسر. يلجأ إلى الله مرارًا، ولكنه يفقد الأمل سريعًا، رغم أن الله تعالى يقول: “أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ”. وفي المقابل، نجد من يظهر الالتزام في مظهره الخارجي، لكنه يعسر على الآخرين، غير مدرك أن النصوص الشرعية لا تقتصر على الشعائر، بل تشمل التعاملات والمعاملات. الحكمة في انتظار الفرج انتظار الفرج جزء من حكمة الله عز وجل. عندما تنقطع السبل أمام المعسر، يلجأ إلى الله ليكتشف أن الحلول النهائية بيده وحده. وقد عبر الإمام الشافعي رحمه الله عن هذا المعنى بقوله: ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعاً، وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت، وكنت أظنها لا تفرج وهنا أضيف من كلماتي: لا مستك حاجة ولا في يدك شي وضاقت عليك الواسعة من فججها ارفع يدينك تالي الليل للحي الخالق الرازق وتلقى فرجها ختامًا نسأل الله أن يرزقنا اليسر في حياتنا، ويبعد عنا العسر، لنكون رحمة على الناس، ونخفف عن كل معسر بدلاً من أن نثقل عليه. لنضع أمام أعيننا قوله تعالى: “فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا”، ونجعل اليسر منهجًا لحياتنا ومعاملاتنا.