في عالم يشهد تغيرات متسارعة وتحديات متزايدة للوفاء بمتطلبات الأمن الغذائي لتلبية حاجة سكان المعمورة الذين تجاوز عددهم (8) مليار نسمة، فقد أصبح الاستثمار في البنية التحتية الزراعية أمرًا حيويًا، وبالغ الأهمية لتحقيق استدامة الإنتاج الغذائي وضمان تلبية احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية. “المملكة العربية السعودية” وعلى ضوء “رؤية السعودية 2030” الطموحة، تعمل على تنويع اقتصادها وتقليل اعتمادها على الواردات الغذائية من خلال تعزيز الابتكار الزراعي والاستثمار في البنية التحتية. حيث تمثل الزراعة في “المملكة” تحديًا كبيرًا نظرًا للظروف المناخية القاسية وندرة الموارد المائية. ورغم الجهود العظيمة التي تبذلها “وزارة البيئة والمياه والزراعة” لزيادة الإنتاج المحلي، إلا أن هناك حاجة ماسة لتطوير تقنيات ما بعد الحصاد، مثل التخزين المبرد، لمواجهة الهدر الغذائي الذي يصل إلى نسب مرتفعة في بعض المواسم، في عموم مناطق “المملكة” كما تظهر الحاجة وبإلحاح قوي إلى بنية تحتية حديثة تدعم المزارعين وتمكنهم من الحفاظ على جودة منتجاتهم وتوسيع نطاق تسويقها. وهنا ومن خلال رؤية شاملة رسمت “الوزارة” “ الخارطة الاستراتيجية الموحدة لمنظومة البيئة والمياه والزراعة” التي تتكئ على ثلاثة محاور رئيسة هي “ الاستراتيجية الوطنية للزراعة” و “الاستراتيجية الوطنية للمياه” و “الاستراتيجية الوطنية للبيئة” وحيث أننا في هذا المقال سوف نركز على “الزراعة” فقد تضمنت “الاستراتيجية الوطنية للزراعة” عدة مستهدفات استراتيجية تمحورت حول (استدامة الموارد الطبيعية، والأمن الغذائي، ورفاه المجتمع والمزارع، والمساهمة الاقتصادية، والوقاية). “الحكومة” أيدها الله أطلقت العديد من المبادرات النوعية التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية الزراعية، مثل “برنامج التنمية الريفية الزراعية” و “برنامج التحول الوطني” حيث توفر هذه المبادرات فرصًا ذهبية للمستثمرين المحليين والدوليين للدخول في مشاريع ذات عائد اقتصادي كبير. من أبرز هذه الفرص إنشاء مرافق التخزين المبرد، التي تسهم في تحسين جودة المنتجات الزراعية وتقليل الفاقد الغذائي، وبالتالي رفع كفاءة سلاسل الإمداد، وزيادة قدرتها التنافسية في الأسواق المحلية والدولية. حيث يمثل التخزين المبرد أحد الحلول الأساسية التي من شأنها تقليل الضغط على الأسواق المحلية خلال مواسم الحصاد وتعزيز قدرات التصدير، مما يفتح آفاقًا جديدة للمزارعين ويسهم في تحسين دخولهم. إن الاستثمار في البنية التحتية الزراعية، وخاصة التخزين والنقل المبرد، وأنظمة الفرز، والتدريج، والتعبئة والتوزيع ليس مجرد فرصة اقتصادية فحسب، بل هو ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاستدامة، لاسيما أننا نمتلك تجربة ثرية ورائدة، إنها تجربة “صندوق التنمية الزراعية” صاحب العطاء التنموي المتزايد، على مدى (62) عام بلا انقطاع. ذلكم “الصندوق” الذي أسهم طيلة عمره المديد بصناعة أكبر قطاع زراعي في “العالم العربي” بلغ حجمه في نهاية عام 2023م (29) مليار دولار/ سنويًا. وإن قطاعًا بهذا الحجم الكبير الذي دعمته الحكومة – أيدها الله – ينتظر تفاعلًا يوازي حجم المقدرات والموارد السخية المتاحة. فهل يهتبل القطاع الخاص، والجمعيات التعاونية في كافة القطاعات الزراعية والحيوانية والسمكية، هذه الفرص الواعدة والتسهيلات السخية المقدمة من الحكومة؟ بل إن “وزارة البيئة والزراعة والمياه” وأذرعها التمويلية، ومراكزها الوطنية أصبحت مدرسة عالمية متميزة، يستشهد بتجربتها التنموية المتميزة في كل محفل. على الصعيد الدولي، حققت العديد من الدول تقدمًا كبيرًا في تحسين أنظمة التخزين والنقل المبرد، ومن الأمثلة الناجحة في هذا المجال – على سبيل الإشارة لا الحصر - تجارب “هولاندا” و “الهند” حيث تمكنت تلك الدولتان من تقليل الهدر الغذائي بشكل كبير وزيادة صادراتهما الزراعية من خلال الاستثمار في مراكز تخزين حديثة، ويمكن “للمملكة” أن تستفيد من هذه التجارب لتطوير نظام متكامل يدعم احتياجات المناطق الزراعية المختلفة. إن القطاع الزراعي المحلي على موعدٍ مع العديد من المناسبات الدولية التي ستستضيفها “المملكة” منها “اكسبو 2030” و “كاس العالم 2034م” فليستعد القطاع الزراعي بتكريم ضيوف هذا الوطن المعطاء بموائد تكون مكوناتها سعودية (100%). وأنا متأكد بأن أصحاب الهمم العالية، والأيادي المتماسكة وغير المرتعشة سيكونون قادرين على ذلك – بعون الله تعالى.