عبد الله الشَّريف العصامي.

التقينا على غير ميعادٍ قبل سنين. وبالرغم من أنَّه كان المضاف الجديد إلاَّ أنَّه استطاع بسجيَّته اللطيفة أن يكون محطَّ الانتباه بذكاء تعليقاته، ودقَّة معلوماته، ورحابة نفسه. كان كمن يعرف الأهمَّ من كلِّ شيء وحين يكون الأمر عن هذه البلاد فهو موسوعي المعرفة مسرف الشَّغف بكلِّ شبرٍ وعلَم. كان عبد الله الشَّريف رجلاً مختلفًا بإيجابيَّة استثنائيَّة: عفُّ اليد واللِّسان، مغرق الجود، مبدع الأناقة، يستقطبُّ برائع خلقه وجميل تواضعه كلَّ من قابله، ويكاد أن يكون القاسم المشترك الذي يتفِّق عليه كلُّ من عرفه رغم اختلافهم. حين يتحدَّث تتمنَّى ألاَّ يتوقف ذلك الدَّفق الهادئ الوقور من جمِّ ذكرياته وعميق ثقافته وأدب تعامله وذكاء ابتسامته الممزوج ببريقٍ خاصٍّ من عينيه. كان نموذجًا للعصاميِّ الأبي، يتحدُّث بكل اعتزازٍ واعتدادٍ عن مراحل حياته ومعاناته التي بناها سطرًا سطرًا حتَّى تبوَّأ مكانته التي يستحقَّها. في ذاتٍ لقاء جمعنا قبل سنوات تحدَّث وتمنَّيت ألاَّ يتوقف عن الطائف والمدينة المنورة ومكة المكرمة والرياض، ومحطَّاتٍ أخرى كان في كلٍّ منها قصَّةٌ تروى، وشخصياتٍ عرًّف عن جوانب عنها لا تُعرف. كانت المدينة المنورة نقطة التقاءٍ بيننا، وبها عمل في أعمالٍ تفاوتت في درجاتها، ولكنّها كانت من درجات السُّلَّم الذي ظلَّ يصعده حتى وصل إلى ما وصل إليه من براعة كرجل أمالٍ يشار إليه بالبنان.. والقلوب. كان من أهمِّ أعماله تشرُّفه بالعمل في عمارة المسجد الحرام الذي روى لي بعض جوانبه ومنها تعامل ذلك الكريم الذي كان مشرفًا عليهم الشيخ المؤرِّخ الخطَّاط محمد طاهر الكردي. قلت له هل أروي هذا القليل الذي تحدثتَ بها، فأجابني بأن أتريَّث عسى أن يعينه الله على تدوين ما هو أكثر، وقلت لعلَّ.. وقريبًا، وابتسم. في آخر مرَّة التقيته.. كان الصَّمت حائلاً بيننا، إلاَّ أن عينيه ألمحتا، وشفتاه حدَّثتا بابتسامة كم كانت غالية، أنبأتني بأنَّه عرفني، أو هكذا أردت أن أظن. حين وقَع الخبر المؤلم، لم يكن من ملجأ إلاَّ إلى الدُّعاء والصَّبر، في ظلِّ عصف الأسى وانكسار الحسرة، ولوعة الحزن. كان الفقْد رغم توقُّعه مفجعًا، إذ أنَّ نبرة التفاؤل التي هي من أجلِّ سماته جعلت النفوس تتشبَّث بالأمل والرَّجاء. رحمك الله يا أخانا الغالي أبا علي، وأفسح لك في جنَّاته ما يٌفسح، وعسى أن يكون عملك في عمارة المسجد الحرام شافعًا لك.. و «عسى» من اللّه واجبة.