المسرح المدرسي ودوره التربوي.
المسرح المدرسي هو أحد أهم الوسائل التربوية التي تسهم في تطوير شخصية الطفل بشكل شامل عقليًا واجتماعيًا وجسميًا ولغويًا و انفعاليًا، ومن أبرز أهدافه: مساعد ة الأطفال على تطوير قدراتهم الإبداعية والخيالية من خلال المشاركة في كتابة النصوص المسرحية أو تمثيلها، كما يُعد أداة فاعلة لتعبير الأطفال عن أفكارهم ومشاعرهم، ويقومون بنشاط حركي تفاعلي بعيدًا عن سلبية الأجهزة الالكترونية، ويكتسبون مهارات جديدة تساهم في تشكيل الهوية الذاتية والوطنية، والتعرف على الثقافات المختلفة، ويُعتبر المسرح المدرسي منصة تعليمية شاملة يجمع بين التعليم والترفيه؛ حيث يتيح للأطفال فرصة لاستكشاف مواهبهم وتنمية قدراتهم على التفكير النقدي وحل المشكلات بطرق إبداعية واتخاذ القرارات بشكل مستقل، ويلعب المسرح دورًا مهمًا في ترسيخ القيم الأخلاقية والاجتماعية لدى الأطفال، مما يسهم في تكوين شخصيات واعية ومسؤولة، وإذ تساعد المشاركة في المشاهد المسرحية الأطفال الذين لديهم صعوبات التعلم أو فرط الحركة وتشتت الانتباه على تحسين مهاراتهم الاجتماعية؛ إذ يُسهم في إثراء العملية التعليمية من خلال تقديم المفاهيم الدراسية بشكل ممتع وجذاب، واكساب الأطفال الكثير من المهارات مثل التحدث بلغة سليمة وتكوين اتجاهات إيجابية كالحرص على إنجاز العمل بإتقان، وتدريس الدراما يتوافق مع النظريات التربوية التي تصب التعلم في قالب عملي منها النظرية البنائية المعرفية لبياجيه، ومن مبادئها: أن الطفل هو مركز العملية التعليمية ويجب ان يكون المتعلم نشطًا ومتفاعلًا وتكون لديه الدافعية للتعلم من خلال إيجاد معانٍ مشتركة بدلًا من التلقين، وأن تكون البيئة محفزة ومثيرة للطفل، وتعد الدراما من أهم مداخل التعلم النشط: والذي يكون فيه دور المتعلم جزءًا لا يتجزأ من عملية تشكيل المعرفة او إعادة بناءها ومن ناحية أخرى تشير النظرية البنائية الاجتماعية لفيجوتسكي الى أهمية التفاعل مع الأقران والمعلم على حدٍ سواء، وأن ترتبط المشروعات التي يمارسها الأطفال ارتباط وثيق بالحياة الواقعية ، كما ركز جون ديوي - وهو أحد رواد النظرية البراجماتية- على التعلم من خلال العمل ويؤكد على دور المعلم في خلق مواقف تساعد في اظهار مواهب وطاقات الأطفال، وهذا ما تسعى الدراما لتحقيقه ،والاستراتيجيات التربوية الحديثة مثل: التعلم النشط، التعلم الذاتي، التعلم التعاوني والتعلم بحل المشكلات تطبق من خلال الدراما، وللمسرح المدرسي أنواع منها المسرح الصامت، فيشكل الجسد لغة الدراما التي تعبر عن الأحاسيس والأفكار بالإشارة والإيماءة والأوضاع الجسدية، وأما المراحل المستخدمة في التعليم الدرامي فأولها مرحلة التجهيز للأداء المسرحي بهدف إثراء معرفة الأطفال وطرح الأسئلة حول الموضوع وثانياً مرحلة الأداء المسرحي وتقسيم الأدوار بين الأطفال مع وجود مجموعة متفرجة، وثالثاً مرحلة ما بعد الأداء المسرحي وطرح النقاش حول الأحداث ومشاعر الأطفال أثناء تأدية الأدوار المختلفة، وللمعلم دور مهم في تفعيل المسرح المدرسي و توجيه الطلاب لاكتساب مهارات جديدة من خلاله، و يحتاج المعلم لإعداد وتدريب مستمر ومتابعة المستجدات العالمية في هذا المجال، ولوزارتي التعليم والثقافة تعاون بهذا الشأن ويمكن الاستفادة من التجارب العربية والعالمية في تدريس الدراما والمسرح في المدارس حيثُ اظهرت نتائج الدراسة التي تمت في كل من سوريا وعمان أن المسرح المدرسي يسهم في تنمية روح الجماعة وترسيخ القيم والمبادئ وخلق الابداع والابتكار والثقة بالنفس ورفع مستوى التحصيل، ومما يُؤكد على أهمية المسرح المدرسي انعقاد مؤتمرات كبرى في كل عام تتناول تدريس الدراما والتعليم المسرحي في المدارس، وفي عام 2007 تم اطلاق برنامج سمي “win win” في ولاية كارولينا الشمالية بالولايات المتحدة الأمريكية، يهدف الى ادماج الدراما في التعليم وقد ساعد البرنامج في خفض معدلات السلوكيات العدوانية مثل التنمر والعنف لدى الطلبة وساعد في تنمية المهارات الوجدانية و مهارات التواصل بينهم، وفي فلندا عام 2011 تم تفعيل دور المسرح في التعليم كوسيلة لمواجهة التنمر في المدارس واكساب الطلبة المهارات الاجتماعية والعاطفية اللازمة لمواجهة تلك الظاهرة، ودراسة الدراما في فلندا من ضمن المواد الاختيارية وتدرس الخطابة والدراما بوصفها جزءًا من برامج إعداد المعلمين، أما في استراليا فقد تم تحويل مادة الدراما والمسرح الى مادة أساسية والزامية، وفي ايسلندا والنرويج والسويد ُيستخدم المسرح المدرسي كجزء من المنهج في جميع المراحل الدراسية ابتداءً من مرحلة رياض الأطفال. أن توظيف المسرح المدرسي في العملية التربوية من التوجهات المستقبلية، فالمسرح المدرسي أداة فعالة في تعزيز التعليم ووسيلة لتطوير مهارات الأطفال وضرورة في جميع المراحل الدراسية، وخاصة مرحلة رياض الأطفال، مع ضرورة توفير الإمكانيات البشرية والمادية منها ( الأمكنة المناسبة ،استقطاب المختصين في الفن المسرحي وتدريب المعلمين في هذا المجال، وما يتبع ذلك من تحرير النصوص المسرحية ، والإخراج ، وأعمال الديكور , والاضاءة والتصوير ، وتصميم الملابس وغيرها ) مع أهمية توعية الأسر بدور المسرح وما يحققه من أهداف من خلال لقاءات تربوية وشراكات مجتمعية، واجراء دراسات محلية حول أهمية المسرح المدرسي والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال. * ماجستير مناهج عامة