أثر الصوت في دلالة اسم بئر هداج.
تعد مدينة تيماء التي تقع شمال غرب الجزيرة العربية (السعودية) من أهم المدن في التاريخ القديم والتي أثرت وتأثرت بالحضارات المحيطة. وقد لعبت تيماء دوراً ثقافياً وحضارياً واقتصاديا وسياسياً بسبب موقعها الجغرافي المهم وسط أهم الحضارات في العالم القديم الذي أكسب مجتمعها المعرفة في شتى المجالات في مختلف العصور، كذلك اهتم سكانها بالزراعة منذ عام 4300 قبل الميلاد حسب آخر الاكتشافات الأثرية والأعمال الميدانية من قبل الفريق السعودي الالماني المشترك للتنقيب في تيماء ،بسبب توفر العوامل البيئية المناسبة وخصوبة أرضها ووفرة مياهها العذبة ، ومن أبرز المعالم التي خلفها المجتمع التيمائي القديم بئر هداج الذي حظي باهتمام واسع في المرويات العربية، والدراسات التاريخية، خصوصاً فيما يتعلق بسبب تسميته باسم بئرهداج. ونظراً لأنه لم يذكر في المصادر تعريف مقنع يشرح معنى الاسم ودلالته الاشتقاقية تعددت الأقوال والاجتهادات حول معنى الاسم. ولعل من بين الآراء في تفسير اسم (هداج) ما ذكره الدكتور عبدالرحمن الأنصاري الذي قال: أنه ربما هناك علاقة بين لفظ هداج وبين المعبود السامي القديم (أدد أو هدد) واستبدلت فيه الدال بالجيم في آخر الاسم. وهذا الرأي للدكتور الأنصاري يصعب الأخذ به لكونه يجعل الرابط بين هداج وهدد يستلزم ابدال في حروف الاسمين، خصوصا وإنه لا يوجد أدلة في اللغات القديمة على الإبدال بين حرف الجيم والدال، كذلك فإن المعبود آداد أو هدد هو معبود العواصف والرعد في بلاد الشام في عصورها القديمة. ورغم أهمية وشهرة بئر هداج في تيماء لم نجد ذكر لاسم بئر هداج لا في مسلات النقوش القديمة التي عثر عليها ولا في النقوش المختلفة في أزمنتها ولغاتها قبل الميلاد أو بعده والمكتوبة على الواجهات الصخرية المنتشرة بكثرة في محيط تيماء وخارجها. كذلك لم يرد اسم بئر هداج في الشعر العربي القديم رغم أهمية الماء وآبار المياه وأثرها البالغ في حياتهم إما تفاخراً أو إعجاباً بضخامته وعذوبة مياهها، أو لحاجتهم الطبيعية لأهم مصدر في حياة البشر، مما يثير معه تساؤلاً عن السبب رغم أن شعراء ذلك العصر لم يتركوا قصراً أو حصناً أو مكان ذا شهرة إلا وتغنوا به شعراً. ولعل السبب في ذلك في تقديري يعود إلى أن تسميته بهذا الاسم حديثة النشأة، ولم يكن يعرف بهذا الاسم في العصور القديمة، بل ان التسمية قد لا تتجاوز بضعة قرون من وقتنا الراهن، ولذلك نجده يتكرر بكثرة في الشعر الشعبي الحديث (النبطي). وفي ضوء ذلك، ومع القناعة بأن كل تسميه ذات دلالة ومعنى، فإنه من المرجح أن سبب تسميته بهذا الاسم عائد لذلك التشابه الصوتي بين صوت السانية (مفرد سواني) وهو الصوت الذي تصدره خشبة (المحّالة) عند عملية الدوران والاحتكاك في فتحة المحور. ولا استبعد ايضاً ربط الاسم مع معنى صوت حنين الناقة عندما تفقد وليدها أو يؤخذ منها. ومنه قولهم: هدجت الدابة، أي حنت على ولدها، والهدج في اللغة هو صوت حنين الناقة عند فقد وليدها كما اسلفت. وكانوا يطلقون على صوت من فقدت وليدها من النوق باسم الهداجة (القاموس المحيط: مادة هدج). ولهذا وتأسيسا على ذلك التشابه الصوتي بين تلك الأصوات التي تصدرها محالة نزح الماء من أعماق بئر هداج (السواني)، وأيضا صوت حنين الناقة على موت وليدها، فإنه من المرجح أن أحدهم من سكان البلدة المحليين أو من أهل البادية أو من قصد هذا البئر العملاق من المسافرين وقوافل الحج والتجارة للشرب والتزود بالماء وسقيا دوابهم سمع تلك الأصوات الصادرة من البئر عند بدء عمل السواني ، وربما أنه تذكر صوت حنين ناقته فقال: (هدج البئر)، ومنها أخذ البئر تسميته باسم بئر هداج. معنى ذلك إن سبب التسمية مرتبط بتلك الأصوات التي تصدر منه. *مهتم بالآثار والتاريخ القديم. - تيماء