هل ضيّق الشعراء واسعًا ؟
العالم فضاء مفتوح أمام الشعراء ، وتستغرب ممن يدور معجمهم في مفردات، وصور محدّدة من قبيل ؛ يباب، طين، قبس، متاهات، صلوات، غواية وغيرها من ألفاظ تتكرّر في نصوصهم، وتكاد تصبح السمة الأشدّ وضوحًا في دواوينهم. فهل ضيّق الشعراء واسعًا؟ أم أنّ الشعر لم يعد مرآة للحياة؟ يعكس ثراءها وتنوعها، وكدح الإنسان فيها، ويكفي مع قليل من الموهبة، والتمويه اللفظي، والبناء الفني إنتاج نصوص شعرية يراها البعض مقنعة ! ليس لدي إجابات نقدية جاهزة، كتلك التي يتحدّث بها الأكاديميون على موائدهم؟ لكنني أدوّن تأملاتي البسيطة كمحبّ ومهتمّ ومتذوّق للشعر، وقارئ لدواوين الشعراء قديما وحديثا، وعلاقتي بالشعر رسخّتها الحياة ومواقفها وتحولاتها. وجلساتي مع بعض كبار السن ممن يقرضون الشعر ويروونه، ولدي دفاتر ورقية عتيقة (أبو ريالين) قبل أن أعرف المذكّرات الإلكترونية أسجّل بها كل بيت أعجبني قرأته أو سمعته من صديق أثق بذائقته، وتكوّنت لدي مع الأيام حصيلة لا بأس بها، بعضها من شوارد الأبيات. وفي كتابه (عيار الشعر) يفرق ابن طباطبا العلوي بين الأشعار الجيدة والرديئة من حيث البناء والتأليف من خلال أنواع الأبنية، يقول: “ فبعضها كالقصور المشيّدة والأبنية الوثيقة الباقية على مرّ الدهور، وبعضها كالخيام الموتدة التي تزعزعها الرياح، وتوهيها الأمطار، ويسرع إليها البلى، ويخشى عليها التقوّض “. وفي كتاب (اللامع العزيزي) قال أبو العلاء المعري: إنما قيل للشاعر: شاعر؛ لأنه يشعر بما لا يشعر به غيرُه أي يعلم، وقول الناس “ليت شِعري” أي ليت علمي. والشاعر المبدع المتفرّد مثقف وفنّان كبير واسع الاطلاع، ويعرف كيف يعمل قلمه في الحياة، ويعبّر عنها بصدق على طريقة أن “أعذب الشعر أصدقه” وليس أكذبه ! كما يشاع ! وثراء معجمه الشعري يعكس ثراء تجربته ، وهو جزء من موهبته يمنحه مساحة أكبر للتصرف في القول. وهل في تشابه مفردات الشعراء ، ومحدوديتها ما يدلّ على الخواء المعرفي؟ وأننا استسهلنا كتابة الشعر، وهنا تحضر مقولة الفرزدق الشهيرة : «تمرّ عليّ أيام لخلع ضرس فيها أسهل من قول بيت من الشعر». وكأنه يذكرنا بفضيلة التأنّي في كتابة الشعر ومحاولة تجويده.