فرض قيمة التراث من خلال تداوله والاعتزاز به كهوية حية وقوى ناعمة ثم احتماؤه بالحصر والتوثيق والمزاولة يعزز حضوره ثقافياً واجتماعياً داخليا وخارجيا ، وهذا ما تسعى إليه دولتنا العظيمة المملكة العربية السعودية ضمن مشاريعها الكبرى التي تهدف إلى تدويل إرث الأجداد بوصفه مكونا تاريخيا وإنسانيا مهما نشأ عليه وبه إنسان هذه البلاد.. الدكتور / عثمان الصيني من أهم المشتغلين على مشاريع حفظ التراث الحي أو التراث غير المادي ، واشتغاله جاء مبكرا بصفته ابن منطقة الحجاز ، هذه المنطقة الحيوية والغنية بالتراث الثقافي ، ثم بصفته المحيط بألسن مختلفة ولغات متعددة ، وكونه المختص في اللغة العربية تعلما وتعليما وارتباطا من خلال تدرجه منذ حصوله على البكالورويس في اللغة العربية عام 1976 مرورا بدرجة الماجستير ثم الدكتوراة وارتباطه رئيسا وكاتبا بأهم المطبوعات الورقية عربيا المجلة العربية - صحيفة مكة - صحيفة الوطن ، ثم أخيرا رئيسا لمجلس إدارة جمعية التراث غير المادي. من هذه المنطلقات القوية والتي تعتبر عرى وثقى تربط بين الدكتور عثمان والتراث الحي مما جعله عارفا متصلا بالإنسان في شتى أقطار العالم وليس إنسان الحجاز أو نجد أو عسير فحسب. هذا الاتصال جعله على تماس دائم مع الهويات - المكون الثقافي - الألسن. في كتابه (ردية التراث الحي) وهو آخر مشاريع الدكتور عثمان منذ الصفحة الأولى تلمس إحاطته بالتراث الثقافي تكوينه وتمرحله ، فأورد ثلاثة نماذج أو ثلاثة استشهادات من ثلاثة أزمنة مختلفة ، فمن نجد وفي عام 609م حيث زهير بن أبي سلمى ، ثم فرنسا عام 1984 حيث ميشيل فوكو ، وعودة إلى نجد مرة أخرى 2024 مع خلف بن هذال العتيبي.. الدخول إلى متن الكتاب ومادته يدلل على الثراء والتنوع والحصيلة الكبيرة والغزيرة التي يملكها الكاتب حيال التاريخ واللهجات العربية القديمة وامتداداتها وتحولاتها ثم تفرعها وفقا للظروف المحيطة والمؤثرة بها ثم رسوخها وتجذرها لتصبح ثقافة اجتماعية حية تجغرفت كيفما وأين كان الإنسان المرتبط بها.. أراد الدكتور عثمان في هذا الكتاب أن يؤكد أن التراث الحي لايقتصر على استمرارية نقل القديم سواء المحكي أو الحكايات أو الفنون الشعبية أو الأساطير أو العادات والتقاليد ، بل هي أسلوب حياة تبنى في البيئة ويؤسس لها ثم يعمل بها ويحافظ عليها وتنقل وتنتقل مع الإنسان أينما ذهب فتصبح هويته البارزة بين الهويات الأخرى.