ظاهرة النستولوجيا أو الحنين والتقادم في الترجمة الأدبية هو إرث ينبع من التجربة الإنسانية حيث إن التقادم متجذر بقوة في الحنين إلى الماضي، والذي يُفهَم باعتباره شوقاً إنسانياً إلى الاستقرار والانسجام كما يصنفه علم نفس الحنين , وبعيداً عن كونه تجميلاً وتجسيد لما بعد الحداثة فإن التقادم يبرز كوسيلة لنقل المشاعر القوية المضمنة والمضمرة، وقد زعم سالموز وساندبرج أن العلاقة بين الحنين والأدب وثيقة بشكل خاص، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الأدب يتعامل بشكل مستمر ومتكرر مع استحضار تجربة الماضي التي يمكن اعتبارها تحت عنوان الحنين إلى الماضي وباعترافهما بالحنين إلى الماضي في الأدب عبر السياقات التاريخية والثقافية رأى هذان المؤلفان أن الأدب الحديث مهيأ بشكل خاص للحنين إلى الماضي لأنه يتشكل من خلال توتر قوي بين الانجذاب نحو الماضي واندفاع قوي بنفس القدر نحو المستقبل، واقترح سالموز أن الحنين يتقلب بين مجموعتين متعارضتين من السعادة والحزن، مع هيمنة أي من المجالين في حالات مختلفة، وعلى النقيض من وجهة نظر إيجابية موحدة فقد رأى أن الحنين يجسد الحزن الشامل للحياة، أي أن الوقت لا رجعة فيه وبدلاً من ذلك تم تصوير الحنين باعتباره عاطفة مختلطة مريرة وحلوة يمكن أن تعكس صراعًا عميق الجذور من الرغبات المتناقضة، وهذا التناقض مناسب تمامًا للتنقل بين التهديدات للهوية التي تفرضها الصراعات بين القديم والجديد والرغبات المتعارضة الناجمة عن الخسارة والتغيير. حددت الأدبيات حول الحنين إلى الماضي ميزات البناء والمحتوى العاطفي والمحفزات والفوائد النفسية عبر الثقافات، اذ قيل إن الحنين إلى الماضي هو عاطفة إنسانية أساسية، وإذا كان الأمر كذلك فيجب اكتشاف خصائص هذا الحنين تاريخيًا. تم قياس هذا الاحتمال من خلال الاعتماد على الشعر الصيني الكلاسيكي وهي وسيلة فريدة نظرًا لأهميتها التاريخية للحياة القديمة وقدرتها على التعبير عن المشاعر، وكشفت تحليلات القياس على المادة و المحتوى لـ 600 قصيدة أنه عبر السلالات كان الحنين إلى الماضي يُنظر إليه ويختبر بشكل مشابه لليوم على وجه الخصوص، وكانت السمات المركزية وكذلك المحيطة للبناء “الحنين” متشابهة والنغمة العاطفية للحنين إلى الماضي إيجابية في الغالب، كانت محفزاته متوازية مع المحفزات المعاصرة (المحفزات البصرية) و فوائدها النفسية هي نفسها مع الترابط الاجتماعي الأكثر بروزًا وأشارت النتائج إلى الحنين إلى الماضي باعتباره عاطفة إنسانية أساسية ويفتح اتجاهات واعدة للاستفسار. عملت القواميس على مفهوم الحنين في الترجمة الأدبية، إذ توثق القواميس المعاصرة توسع مصطلح الحنين إلى الماضي إلى ما هو أبعد من تسميته الأصلية بالحنين إلى الأصل الشعوري له، وعلى الرغم من أن الديناميكية التشغيلية لمفهوم ترجمة الحنين قد تتشكل من خلال الثقافة فحصت هذه الأبحاث والتجارب الحنين إلى الماضي ومسببات الحنين ووظائفها تجريبيًا لدى فئة الشباب في 28 دولة ومنطقة إدارية خاصة في الصين وأشارت النتائج إلى أن الحنين في الماضي يكثر ويتشكل عبر الثقافات النامية ويحظى بتقدير أفضل في البلدان الأكثر تقدما أي الثروة الوطنية المتقدمة والعمر المتوقع. وينجم الحنين إلى الماضي عن التهديدات النفسية خاصة في البلدان الأكثر دفئًا والمحفزات الحسية في البلدان الأكثر تقدمًا والتشكيل الاجتماعي في البلدان الأقل تقدمًا، فيختلف التأثير الإيجابي أو السلبي الناجم عن الحنين المستحدث تجريبيًا حسب البلد والأهم من ذلك أن عمل الذاكرة الحنينية مقابل العادية زاد من الترابط الاجتماعي والاستمرارية الذاتية والمعنى في الحياة عبر الثقافات في البلدان الأقل تقدمًا وايضاً عملت الذاكرة العادية على بعض الوظائف الشعورية والإدراكية مما قلل من حجم تأثير الحنين إلى الماضي، وأخيرا، فإن التذكير بذاكرة الحنين مقابل الذاكرة العادية زاد من رضا الدولة عن الحياة في البلدان ذات النوعية المعيشية المنخفضة أي انخفاض متوسط العمر المتوقع والرضا عن الحياة بشكل عام، وتؤكد النتائج أهمية الحنين عبر مجموعة واسعة من الثقافات وتشير إلى الفروق الثقافية الدقيقة .مما أدى الى تعاريف متعددة في القاموس، شملت مصطلحات مختلفة كالرغبة الحزينة في العودة فكريًا أو فعليًا إلى وقت سابق في حياة المرء، أو إلى منزله أو وطنه والأسرة والشوق العاطفي إلى سعادة مكان أو وقت سابق والشوق المرير إلى الأشياء أو الأشخاص أو المواقف الماضية وحالة الحنين إلى الروح، اذ ان إدخالات القاموس تتوازى مع الاستخدام الشائع لمصطلح ما، في حين يسعى البحث التجريبي إلى فهم أعمق لطبيعة الحنين إلى الماضي ومحفزاته وتأثيراته وقد أسفرت مجموعة كبيرة من الأبحاث عن صورة إيجابية للحنين إلى الماضي مع فوائد واسعة النطاق. تعددت صور الموروث لترجمة الحنين في الأدب حسب الحقب الزمكانية، لقد أدرج المؤلفون الفيكتوريون صورًا لمفهوم الحنين تحت صور للطفل البريء والتي تخللت أعمال الرومانسيين وغالبًا ما يُشار إليه باسم شاعر الطفولة. قارن الكاتب والشاعر يوجين فيلد بين براءة وخيال الطفولة وثقل الواقعية في مرحلة البلوغ ممن لها علاقة بحالة وفيات الأطفال والتي كانت أكثر شيوعًا بشكل كبير خلال العصر الفيكتوري مما هي عليه اليوم مما عزز الصورة الشعورية للحنين المفقود والملائكية التي تتجسد في تصور الحنين على هيئة طفل بتجربة دنيوية نقية لا تشوبها مفاهيم الإثم والعقاب والعار، وهذا ما وضحته ترجمة الصور الشعورية والحنين مع الشاعر يوجين فيلد في صورة الطفل المتوفى من خلال مشهد شعري وتصوير الحزن المستمر على وفاة طفل صغير بحنين، بينما يتم الاحتفاظ بألعابه في مكانها مجمدة في الوقت لسنوات عديدة، فعل فيلد دور الحنين إلى الماضي في التعامل مع الخسارة النهائية من خلال هذه الصور في حبس الصورة للطفل مع ألعابه لكون الخيال الأدبي لفيلد يرى أصدقاء اللعبة الصغار حقيقيون وأن الألعاب غير المضطربة تحافظ على بقاء الطفل حيًا في الذاكرة وأنها ترمز إلى الولاء للربط الدائم بين الوالدين والطفل كما ذكرها: “سنظل مخلصين للطفل الصغير بلو، تقف العابه كل واحده في نفس المكان القديم، في انتظار لمسة يده الصغيرة”، الحنين إلى فقدان الطفولة يمتد إلى شوق أوسع، إلى ماضٍ رومانسي. وصف ماثيو أرنولد نفسه بأنه يتجول بين عالمين، أحدهما ميت والآخر عاجز عن الولادة. الحنين في الترجمة في العصر الفيكتوري يعمل إلى ماضٍ أبسط ايضاً شمل الشوق إلى اتصالات وثيقة بالبيئة المادية الطبيعية ويتجلى ذلك في الجهود المبذولة للحفاظ على مناطق شعورية داخلية لحبس مشهد من المناظر الطبيعية. ان الصراع بين القديم والجديد ليس فريدًا من نوعه في العصر الفيكتوري, فعلى الرغم من أن الأنظمة السابقة لم تنته بعد في بريطانيا الإدواردية فقد حدث التحديث بسرعة مما أدى إلى تكثيف الحنين الحزين للماضي وقد ساهم الاهتمام برفاهية الأطفال والافتتان بالطفولة كمرحلة خاصة من الحياة في الأدب الذي يصور الطفولة كعالم خيالي والأطفال ككائنات مستقلة ميتافيزيقية ولعبهم دور السفر عبر الزمن في الأدب من قبل شخصيات الأطفال في قصة التميمة لإديث نيسبيث كأداة أدبية تصور كيف يتعامل الحنين مع التغيير من خلال ربط الماضي والحاضر والمستقبل ومن خلال عيون الأطفال فإن الكثير من الماضي جديد، وبالنسبة لشخصيات الأطفال أنهم أيضاً يتجسدون ويعودون للحياة بشكل غير بشري إذ تتناول الأشجار القديمة الألم والتحول أثناء التحولات التي لا يمكن السيطرة عليها في سرد القصص الحنينية وتسعى الشخصيات إلى إيجاد المعنى في ذكريات الماضي كما تتجسد في الأشجار القديمة، وأن منظور الأشجار القديمة هي طفل يكبر بداخلها ويمتلك حكمة الأرض، تمثيلاً للقوة المتجسدة في الأشجار التي تقف بثبات عبر الزمن والتغيير. حداثة الماضي وكذلك الحاضر سمحت برؤية للتقادم لشكل مفهوم، شكل ترجمة الحنين الأدبية، ومع الحداثة تشكل مفهوم الحنين في القرن العشرين للربط بين الحنين والرعوية باعتباره السمة البارزة للأدب العالمي المعاصر، جاء الحنين التأملي ليحل محل المثالية البسيطة برؤية معقدة للرعوية تربط بين الفرد وهوية المجتمع، ومن خلال تجاوز الواقع استفادت الرواية من قدرة الحنين المتأصلة على تحدي قواعد الزمان والمكان في البحث عن حلول للصراعات النفسية المستحيلة وان الرغبة في الحفاظ على عناصر الماضي التي لا يمكن التوفيق بينها وبين المثل العليا الحديثة يمكن أن تؤدي إلى إثارة الحنين إلى الماضي الذي يكون أكثر سلبية من الإيجابي، وهي مفارقة متأصلة بين الإحياء والرفض ودور الحنين في التفاوض على الهويات وسمات الترجمة . *كاتبة ومترجمة.