في رواية «قاع اليهود» لعلي الأمير ..

أزمة الشخصيات والصراع التاريخي والأيديولوجيا.

تقول مقدمة البحث: أصبحت الرواية من أهم الأنواع الأدبية المعاصرة التي تستقطبُ الأدباء والشعراء؛ لما فيها من تمثيل للواقع وآفاق لرسم الأفكار والحيوات والقضايا، وتجسيد للشخصيات بما تعتملُ به من عوالم مختلفة وآراء متعدِّدة، وما تقدِّمه من مادة تاريخية أو واقعية ومن خلال المزج بين التخييلي والواقعي والسعي إلى خلق بنية سردية ولغوية جاذبة للقرَّاء والكتَّاب على حدٍّ سواء. ومما تحقِّقه الرواية أنها تقود إلى قراءة الواقع، وتدعو إلى التأمّل في مجريات الأحداث وما تعيشه الشخصيات من ظروف يمكن من خلالها دراسة البنى السردية والخطاب والوصول إلى فهم بعض ما يدور في المجتمعات من أحداث ووقائع هي استقراء للواقع وإن كانت تُقدَّم في قالب أدبي سردي تخييلي؛ لكنه لا ينقطع بالضرورة عن جذوره الواقعية ومرجعياته. وبين يدي هذه المقاربة نصٌّ روائيٌّ حديث لم يطِّلع الباحث على دراسة عنه سوى دراسة د.كوثر القاضي التي تناولت الحديث عن الرواية ضمن سبع روايات [هي: اليهودي الحالي لليمني علي المقري، صدرت 2011، وبنت صهيون، للمصري د.شريف شعبان، 2014م، واليهودي الأخير للعراقي عبد الجبار ناصر، 2015م، وأنا المنسي للمغربي محمد عز الدين التازي، 2015م، ويهودية مخلِّصة للسعودية سالمة الموشي، 2016م، ومجنون ليلى اليهودية للسعودي حمد حميد الرشيدي، 2016م، وقاع اليهود للسعودي علي الأمير، 2018م].وهي روايات مختارة من الوطن العربي [راجع: كوثر القاضي، “صورة اليهودي في الرواية العربية الحديثة: نماذج مختارة”، مجلة جامعة الطائف للعلوم الإنسانية، ع19، مج5، سبتمبر2019م]. وهي تخصُّ صورة اليهودي في الروايات الثلاث التي اتخذت من اليمن ميدانًا للحديث عن يهودِها من خلال رواية اليهودي الحالي، ورواية يهودية مخلِّصة، ورواية قاع اليهود، وهي تختلف في تناولها عن هذه الدراسة في طبيعة التركيز على صورة اليهود، والحديث عن تاريخهم في تلك الروايات. وثمة مقالات أخرى مما نُشِر في بعض المواقع الإلكترونية والصحافة من استطلاعات أو حوارات أو مقالات أو عَرض لمحتوى الرواية [ومن ذلك مقال بعنوان (قاع اليهود فخ.. حاول أن تقع به!) حديث الكتب؛ لحسن رحماني، مجلة اليمامة، العدد 2564، 27يونية2019، شوال 1440، ومقال لزيد الفضيل بعنوان (قاع اليهود والأرض الموعودة) نشر في صحيفة مكة بتاريخ07/09/2019م، واستطلاع بعنوان (الشخصية اليهودية في الرواية السعودية لحسن رحماني) صحيفة الشرق بتاريخ80/07/2020م، وحوار مع الشاعر في صحيفة عكاظ بتاريخ 12/08/2022م فيه حديث عن تجربته عموما وعن الرواية خصوصا، أو ما نشر على قناة الخليجية برنامج (يا هلا بالعرفج) من عرض لمحتوى الرواية وغيرها]، وجميعها لا تدرس الرواية دراسةً كاملةً، ولا تقفُ عند ما خصصته الدراسة من رصد للشخصيات المأزومة فيها. وقد ركزت الدراسة على بيان أزمة الشخصيات وصراعها في واحدة من الروايات السعودية التي تناولت موضوعًا يشكِّل ظاهرةً حديثةً في الخطاب الروائي المعاصر في علاقة الأنا بالآخر اليهودي في رواية (قاع اليهود)، وذلك بهدف تحديد مفهوم أزمة الشخصية وتحريره، وبيان الموضوعات الرئيسة التي اِنْبَنتْ عليها الرواية وعلاقتها بالشخصيات. ومعرفة طبيعة أزمة الشخصيات الرئيسة والثانوية والجمعية من خلال تحديد عوامل تلك الأزمة ومسبِّباتها؛ لتوضيح العلاقة بين أزمة الشخصية وتسريد التاريخ والأيديولوجيا. وسعت الدراسة إلى الإجابة عن تساؤلات هي: ما طبيعة أزمة الشخصية وعواملها كما حدَّدها الخطاب الروائي؟ وما علاقة تلك الأزمة بالتاريخ والأيدولوجيا وما أثرهما على استمرارها وارتباطها بالواقع؟ واعتمدت الدراسة لتحقيق تلك الأهداف وقياسها، والإجابة عن التساؤلات على التحليل والوصف القائمين على قراءة الرواية واستنطاقها من الداخل مع الاستعانة بمقولات علم السرد وخطواته المنهجية. ولهذا جاءت الدراسة في تمهيد يتناول تحرير مفهوم الأزمة ومفهوم الشخصية، ووصف الرواية من خلال تشكيل بنيتها (خطابها) وحكايتها (مغامرتها) وموضوعاتها، وأربعة مباحث، تناول الأول منها: طبيعة أزمة الشخصيات، والثاني: عوامل تلك الأزمة، والثالث: أزمة الشخصيات وتسريد التاريخ، والرابع: أزمة الشخصيات والأيديولوجيا. وقد توصلت الدراسة إلى عددٍ من النتائج من أبرزها: •ظهرت أزمة الشخصيات الرئيسة والثانوية والجَمْعية بوصفها أزمات خارجية شكَّل المجتمعُ والتراكمات التاريخية والأيديولوجية عواملَ لتلك الأزمة، وإن اختلفت أسبابها إلا أنها لم تكن أزمات نفسية أو وجودية داخلية. •بدت أغلب الشخصيات النسائية مُستلَبةً مُستسلِمة للنسق الاجتماعي والفحولة وسيطرة الذكورة ما عدا شخصية واحدة تمرَّدت عن ذلك الاستلاب بعد حين فواجهته بالفعل وقتلتْ من كان سببًا في أزمتها، وعلى الرغم من هذا الفعل القاسي إلا أنَّ وعيها المتمرد قادها إلى هذا الخيار. •تعاملت الرواية مع تاريخ اليهود في اليمن من خلال سرده من الخارج بأحداثٍ وقصصٍ وحكايات ٍومعلوماتٍ في كُتبٍ فكان وعاءً لبيان فكرة اختلاف يهود اليمن عن غيرهم، ولكنَّها لم تستبطن التاريخ، ولم توظِّف التخييل التاريخي بقدر ٍكافٍ، حيث جاء مجرد حوارات أوقفت السردَ في أكثر من موضع. •بُنيت الرواية على موضوع تكرَّر في عدد من الروايات السعودية واليمنية المعاصرة حول علاقة الأنا بالآخر اليهودي، وجاءت هنا علاقة حبٍّ بين بطل الرواية (خالد) و(لوزة) اليهودية إلا أنها تعاملت مع كثير من القضايا المطروحة بمباشرة ومسايرة لتجارب روائية سابقة، لذا خَلَت إلى حدٍّ ما من الجديد في العمق والمعالجة وتحديد الهدف. •صوَّرت الرواية الأيديولوجيا الدينية والسياسية بوصفهما مولِّدًا لأغلب الصراعات الدائرة في اليمن بما تمثِّله من مرجعيات لتلك الشخصيات متخذةً من الواقع وما يدور فيه سبيلًا لفهم الماضي، وكذلك لفهم الحاضر والواقع المعيش. •تميَّزت الرواية بحبكتها الدرامية المحكمة ولغتها السردية الصافية مع تطعيمها بلغةٍ شعريةٍ عالية المستوى وبروح شاعر متمكِّن بما فيها من التلميح والإيحاء، وبخاصَّة في مواطن وصف اللذة الجنسيَّة، فلم تكن صادمةً ولا خادشة، بل كانت لغةً معبِّرةً تحترمُ القارئ بمختلفِ مستوياته، وتوصلُ إليه المعنى في منتهى الأدب والرقي والدلالة. *أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك في جامعة الملك خالد