«الحفائر.. حفرة الجبل» لخالد النمازي:

قراءة انطباعية لرواية غير عادية.

عندما أهدانيها مؤلفها صديقي الأديب القدير/ خالد النمازي تبادر للذهن من أول وهلة أنها رواية تاريخية كون الحفائر ارتبطت في الأذهان بموقعة تاريخية شهيرة معروفة لدى أبناء جازان وغيرهم، وبعد التهامي لمائة وخمسين صفحة من الرواية في جلسة واحدة وكأنني التهم طبقا من الحلوى اللذيذة وجدتني أمام مؤلفٍ يتلاعبُ بي كما تلاعبت أمواج البحر بسفينة الأمير عرار(بطل الرواية) في أول رحلةٍ له إلى المصوع، فوجدتهُ تارةً يجذبني بموجة قوية إلى سردٍ تاريخيٍ لأحداثٍ حدثت في زمنٍ بعيدٍ بدقةٍ متناهية وكأنه عاش تفاصيلها وأحداثها سنة بسنة ويوم بيوم، وتارةً ينتقلُ بي في موجةِ حوارٍ عاطفي أتقلبُ فيه بين السعادة والحزن، أو يذهبُ بي بسيناريوهاتٍ اجتماعية تعكس واقعا جميلا أو حلما ينظرُ لأفاقٍ بعيدة.. إلا أنّ لغز رديف الحفائر بالعنوان وهو حفرة الجبل لم تتضح لي دلالتهُ إلا بعد الصفحة (225) من الرواية وتبين لي أهمية هذا الرديف في العنوان لدى المؤلف، فحفرة الجبل لا تقل أهمية في تأثيرها المستقبلي على التغيير في النمط السلوكي والاجتماعي والنفسي، بل والحضاري أيضا في أبناء المنطقة عن الحفائر؛ فكلاهما أثر فيما بعد في النقلة الحضارية و الثقافية بشكل عام.  في ذات الرواية: بعد الانتهاء من الصفحة الأخيرة رقم (324)، وفي اخر سطرٍ بها، خرجت بانطباعٍ شخصيِ على الأقل أن رواية (الحفائر.. حفرة الجبل) ليست رواية عادية، وليست ذات بعدٍ تاريخيٍ فحسب، بل تناولت أبعادا أخرى اجتماعية وعاطفية وسلوكية وثقافية، وتغييرات حضارية مرت بها على ثلاثة أجيال على الأقل لتوثق سيرةً لمنطقةٍ وأهلها خلال قرنٍ ونصف من الزمن بأسلوب روائي شيقٍ وتسلسلٍ في الأحداث يستمتع بها القارئ دون تكلفٍ ولا محاولة بحثٍ عن حلقة مفقودة أو نقصٍ في معلومات. أسلوب المؤلف: نهج مؤلف الرواية في بنائها أسلوب الروائيين الكبار في الموازنة بين السرد اللفظي لأحداث تاريخية توثيقية وبين التصوير لِمَشاهدٍ عاطفية واجتماعية من خلال الحوارات المتبادلة والمُتقنة بين شخصيات الرواية بشكل عام، فلم يغلب جانبا على الأخر معتمداً على قاعدة معلوماتية وثقافية من خلال الاطلاع والالمام بكل شاردةٍ وواردةٍ وبكل الأحداث التي تعرض لها في كل زمن من الأزمنة التي عاصرها أبطال الرواية وشخصياتها مستخدما طريقة السرد والتقرير وطريقة السيناريو التصويري في الحوارات والمشاهد العاطفية. ولكونه يملك معرفة كاملة بأحداث قصته التي يرويها، واطلاعٍ كبير على تواريخ أحداثها والأفكار التي تُحرك شخصيات الرواية سواءً كانت مُعلنة أو سرية من خلال الأجيال الثلاثة التي دارت بها الرواية؛ فهو اتخذ طريقة في السرد كراوي عليم. أما من ناحيةِ إضفاء الطابع الشخصي، فبالرغم من أن الرواية تناولت أحداثا واقعية وتاريخية وفي أزمنة مختلفة، إلا أن هذا لم يكن عائقا أمام عبقرية الراوي لإضفاء طابعه الشخصي وبث أفكاره وثقافته تلميحا أو تصريحاً من خلال اجرائها على ألسنة شخصيات الرواية في كل عصر من العصور، غير مُبالٍ ببعض الأفكار التي قد تكون بها جرأة طالما أنها تنبثقُ من قناعته الشخصية من خلال اطلاع كبير على موروثك يوافقه فيها البعض أو يعارضه البعض الأخر. أما من الناحية اللغوية فقد برع الراوي في سبك الرواية بلغة عربية فصحى خالية من الأخطاء النحوية والصرفية وبطريقةٍ مُبسطة ليس بها مفرداتٍ صعبة أو محسنات بديعية مُتكلفة تُغلب الخيال على الواقع أو تذهب بالقارئ إلى طلاسم غير مفهومة كما نلاحظ في بعض القصص القصيرة وبعض الروايات. الختام: وفي الختام أرجع إلى الصفحة رقم 9 والتي خطها المدّون قائلا فيها: (كتب التاريخ في الصفحة الأولى بخطٍ عريض مبتدئاً بالحدث الأكبر..)؛ لأقول إن ذاك المدخل كان ذكيا لأنه يتناسب تماماً مع فكرة صياغة ملحمة كبرى قدمها الكاتب كرواية عظيمة تعتبر من أهم الروايات السعودية في العصر الحديث.