سبعيني: لماذا نقرأ؟
كان هذا هو استفساره الأول، أتبعه بسؤال آخر محير: هل يقرأ لك أحد؟ هو لا يسأل، إنما يقر رأيا له بألا فائدة من القراءة في هذا العمر (السبعين). وإنه لا قراء لما يُكتب نتيجة انتشار منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وأن قراءة الصحف والمجلات شيء من الماضي. للإجابة على سؤاله الأول، فإن من نافلة القول: إن للقراءة فائدة تَعَلم، وفائدة متعة للإنسان في مختلف مراحل عمره . ما انتشار الكتاب في المكتبات العامة والخاصة وسعي القراء إلى معارض الكتاب لاقتنائها إلا دليل يثبت أن الكتاب لا يزال هو منبع العلم والمعرفة، إضافة إلى المتعة والتسلية. أعتقد أن وجهة نظر صاحبنا السبعيني فيها شيء من الانطباع التشاؤمي؛ حيث يرى أن العمر مضى جله وألا فائدة من القراءة، ولا داعي لإجهاد النفس بها، احتمال آخر، ألا يكون قارئا في الأساس، حيث إن من اعتاد القراءة خلال هذا العمر الطويل، صعب عليه التخلي عنها. لنتفق أولا أن القراءة ليست مرتبطة بعمر معين، فهي لا تحتاج إلى مجهود عضلي لممارستها. كما أثبتت الدراسات والأبحاث أن من أهم فوائد القراءة للكبار في العمر أنها تؤثر على صحة الدماغ، ومن شأنها أن تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر والخرف مع التقدم بالعمر، حيث تساعد القراءة في تنشيط الدماغ والحفاظ على عمله وانخراطه في الكثير من العمليات. ومنها أيضاً، تقوية الذاكرة وتعزيز مهارات التركيز وتقليل الإجهاد والتوتر. يكفينا جدلا، لو أن السبعيني قرأ ما ذكر أعلاه؛ لما كان سلبيا في رأيه عن أهمية القراءة. الإجابة على سؤاله الآخر عما إذا كان هنالك قراء لما يكتب، قد لا تكون واضحة مثل جواب أهمية القراءة، وذلك بسبب أن القراءة قد بَهَتت سطوتها وخَفُتَ وهجها، وهي في انحدار مستمر للكبار والصغار، وإن كانت جلية أكثر في النشء الجديد، يعود ذلك إلى معضلة التقنية الحديثة، التي لها فوائد عظيمة إلا أن لها تأثيرا سلبيا على صناعة النشر للكتاب والإعلام الورقي من صحف ومجلات. حيث يتوقع على مستوى العالم، خلال خمس إلى عشر سنوات اختفاء بقية الصحف والمجلات الورقية عدا بعض المجلات المتخصصة الفصلية آلتي لها قراء ملتزمون، مثل الأزياء والديكورالداخلي وما شابهها. الكتاب الورقي أقوى مقاومة، حيث سيستمر في الوجود، لكن الهيمنة للكتاب الرقمي ستتزايد بشكل أكبر مع تطور التقنية الرقمية والتجدد الجيلي لأفراد المجتمع، إضافة إلى قلة التكلفة والنواحي البيئية. (لكل أربعة كتب ورقية، كتاب إلكتروني واحد بيع في العالم، إحصائيات عام 2022). قد يكون السبب الرئيس لقلة القراءة، الالتهاء بمغريات العصر الترفيهية وأكثرها شهرة منصات التواصل الاجتماعي، سلبت منا الكثير من الوقت المخصص للقراءة الجادة، ولها تأثير سلبي كبير على القراءة العميقة المفيدة، حيث تقدم للمستخدم قراءة سطحية غير موثوقة، هي مثل الوجبات السريعة، ضررها وإن أشبعت أكثر من نفعها. وقد ذكرتّ مؤخرا العالمة د. مناهل الثابت في مقال لجريدة الرياض بعنوان (تعفن الدماغ)، أن من أسباب تعفّن الدماغ ما أظهرته الأبحاث العلمية من أن الإدمان الرقمي يمكن أن يحدث تغيرات جذرية في بنية الدماغ البشري. وذكرت : (تظهر الإحصاءات أن دول الخليج تعد من بين أعلى المناطق في العالم استخداما لوسائل التواصل الاجتماعي. تقرير صادر عن We Are Social في عام 2023؛ يشير إلى أن متوسط الوقت اليومي الذي يقضيه الفرد في الخليج على المنصات الرقمية يصل إلى خمس- ست ساعات، موازنة بالمعدل العالمي البالغ ثلاث ساعات. يعتبر سناب شات وتيك توك من أكثر التطبيقات شعبية في المنطقة، حيث يتصدران قوائم الاستخدام بين الفئات العمرية الشابة). عودة إلى لماذا لا نقرأ؟، إذا كان من الصعب وغير المنطقي عدم أستخدام الهواتف النقالة والتطبيقات المصاحبة لها، فإن تقنين أستخدامها أصبح ضرورة ملحة للكبار، وأكثر أهمية للأطفال، حيث ينبغي على كل عائلة أن لا تتهاون فيها، بدلا من إعطاء الطفل/الرضيع الجوال لإسكاته وإلهائه عن البكاء .