السيلفي وإرهاصات الهوية الرقمية الجديدة.
ان لفظ سيلف self مصطلح انقليزي المراد به انا ،الذات أو النفس أو الشخصي .تقول اليزا غودار في كتابها انا اسلفي اذن انا موجود «تخبرنا الشبكة ان الظاهرة رأت النور سنة 2002 في منتدى استرالي ABC online إن الكلمة مشتقة من الإنجليزية self التي تعني النفس و تعني أحيانا أخرى انا وحدي وقد أضيفت اليه لاحقة عامية وعاطفية ie انطلاقا من ذلك سينتشر السلفي في جميع أنحاء العالم بفعل الثورة التكنولوجية». وفي سنة 2013 اختيرت كلمة سلفي كلمة السنة في قواميس أوكسفورد ودخل في 2015 الى قاموس لاروس الفرنسي تعتبر إلزا غودار في كتابها أنا أسلفي اذن أنا موجود أن السلفي مرتبط بسبع أنماط من الثورات التي شكلت دافعا أساسيا في تطور ظاهرة السلفي في الحضارة الحالية : الثورة التكنولوجية، ثورة إنسانية ، ثورة الذاتية وتحولات الذات ،الثورة الاجتماعية والثقافية و الهوية المتكلسة ، الثورة الايروسية ، ثورة باتولوجية تانتوس المتوتر ، الثورة الجمالية. أولا تتمثل الثورة التكنولوجية في كوننا قد دخلنا عصر المعلومات والمستقبليات أو مرحلة ما فوق الإنسانية أي ما بعد الإنسانية: يعتبر بعض العلماء أنه سيقع في عصر الآلات دمج الالة بالعقل البشري أي الذكاء التقني بالذكاء الذهني البشري الى الدرجة التي يصبح من غير الممكن الفصل فيها بين الالية والإنسانية ثم يتحول فيها الانسان الى تأسيس هويته الشخصية الى هوية رقمية منتشرة هنا وهناك في كل أنحاء العالم أي نوع من الأنانة الافتراضية أو ما عبر عنه الفيلسوف Jean Michel Besnier كائنات بشرية مزيدة. ثانيا الثورة الإنسانية وهي تتمحور حول فكرة علاقة الانسان بالزمن والمكان. إن الفضاء كما الزمان قد فقدا الكثير من اصالتهما وارتباطهما بالاثر الإنساني فلقد صار الوجود الإنساني اليومي عرضي ،هش ،واقعي جدا وافتراضي معا ولكنه عرضي وزائل بمجرد تغير كلمة العبور أو حضر أو مسح . إننا في عصر «الما فوق» : « ما فوق الرأسمالية» و«ما فوق الطبقات» و«ما فوق القوة» ،«ما فوق الإرهاب»، «ما فوق الفردية» ، «ما فوق السوق» و«ما فوق النص». ثالثا ثورة الذاتية وهي ثورة تتعلق في نظر الزا غودار بالانزياح الخطير في تحديد مفهوم الأنا : فصور السلفي هي ما تسميه الزا غودار بهوية الانسان العرضي أو الانسان الماركة والعلامة التجارية التي تصبح فيها الذات منتوجا وموضوعا للتداول فحين يصبح ملتقط السلفي مخرج ومنتج معا حيث القاعدة «لا يكفي ان نعيش يجب أن نباع». رابعا ثورة اجتماعية وثقافية تقول الزا غودار « ان الاعتراف يقتضي دائما حوارا متبادلا يتعلق الأمر برابط دائم بين انا وانت» فحين اخذ مفهوم التأثير مفهوما جديدا في الثقافة الحالية وصار المؤثرين والمؤثرات صناع حقيقين وتوسعا كبيرا لمجتمع الفرجة الذي جدده غي ديبور في كتابه مجتمع الفرجة وصارت أجهزة السمارتفون أو ما بات يعرف بتلفزيونات الواقع الجديدة أو ما يمكن تسميته على طريقة بودريار المافوق واقع . خامسا ثورة ايروسية تعتبر الزا غودار أن السلفي يحمل في داخله وفي مرحلة انتاجه رغبة وحب ،اندفاع حيوي وحماسي احتفائي بالزمن تعكس إرادة قوة تسعى الى الاثبات . ان السلفي هو لعب ليس بالمعنى البسيط للفظ بل بالمعنى العميق للمفهوم الذي يفترض في كل لعب قوة الغريزة هنا في فضاء التفكير في مفهوم السلفي فإن اللعب هو لعب الأكثر جدية وان كان ساذجا ومباشرا وعفويا وانفعاليا أنه نوع من المقاومة المنحى المأساوي للحضارة المعاصرة. سادسا ثورة باتولوجية أو التاناتوس المتوتر تعتبر الزا غودار أن النسبة الأكبر من السلفيات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي سلفيات سعيدة تحاكي لحظة مميزة في حياة الشخص لكن لا يمكننا أن ننفي وجود بعض السلفيات المتوتر. ما معنى ذلك ؟ انه السلفي الذي يأخذ من صورة الموت والدمار والجثث خلفية له تقول الزا غودار «السلفي الذي سيقط أحيانـــــا فــــي الدناءة «لعل سلفي السائح البريطاني عمران حسين المرشح السابق في الحزب العمالي وهو على شاطئ سوسة بتونس حيث يصور نفسه بطريقة السلفي وفي خلفية الصورة 31 جثة أبشع مظاهر التوتر النفسي لمدمني السلفي. ولا يقتصر التأثير النفسي لمدمني السلفي على الأشخاص الذين يلتقطون الصور لأنفسهم بل للمستهلك الذي أصبح مصاب بنوع من فقدان المناعة إزاء ما يعرضه تلفزيون الواقع أو مواقع مثل تويتر والانستغرام. سابعا ثورة جمالية وهي ثورة تتعلق بمكانة السلفي بوصفه صورة في تاريخ تطور الصورة داخل تاريخ الفن من جهة تاريخ الفن فإن السلفي هو بورتريه هو الأنا الافتراضية التي كانت تتجسد رسومات البورتريات في عصر الذات . كتب غوردن سيلفيريا في مجلة أكاديمية الفن في جامعة سان فرنسيسكو «السلفي مقابل سلفي بورترية ، يعتبر هذا الأخير أن السلفي ينحدر من البورتريه وهو ما جسده طالب له بالجامعة يدعى ديلان فيرمول عندما حول بورتريه فان غوغ الى سلفي الأمر الذي لم تنجو منه الجوكندا التي حولت الى أشكال سلفي عديدة منها ما قد يشوه القيمة الفنية للوحة . لكن من المغالاة أن نحكم عن فنية صورة أو اثر ما وفق قواعد ونواميس جديدة للحياة وللفن والانسان في حضارة غيرت كل شفراتها. يمكننا أن نعتبر أن الصورة السلفي وان تبدو لعبة تتسلى بها شريحة كبيرة من الشباب والمراهقين في العالم إلا أنه لا يمكننا أن نتغافل عن كون هذه الصورة تحمل في داخلها أزمة عصر كامل وهو يتخبط بين شفرات الإنسانية الماضية ومتطلبات العصر الجديد الذي يبدو أنه قد خرج عن طوره و عن طور الانسان أيضا. * المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس