الحبل

الزمن/ قبل (100 ) سنة المكان/ قرية ساحلية نائية في جنوب الجزيرة العربية منذ أن فقد (عثمان السقيدي ) بصره تساوى لذيه الليل والنهار ، توحدت الألوان في لون واحد هو اللون الأسود كل ما حوله تسربل بغلالة من السواد / غابت تفاصيل الأشياء من حوله . فلم يعد ير في وسط هذا الظلام الذي اكتسح حياته لم يعد ير طريقه إلى المسجد ولا ما يصادفه في طريقه من بشر ودواب ، وما سوف يعيق سيره من أشجار وأحجار ، أو ما سوف يؤذيه الوقوع فيه من حفرصغيرة أوآبار , في قريته الصغيرة المكوّنة من عدة بيوت حجرية متقاربة . بناها بناؤون محليون من حجارة الجزيرة الصلبة . بيوت جدرانها كثيرة الفجوات يتسلّل منها الهواء الساخن في نهار الصيف والبارد في ليل الشتاء ويتسرّب شعاع الشمس في خيوط مستقيمة من الضوء إلى داخل الغرف المفروشة برمل بحري خشن . تيارات الهواء الداخلة إلى داره يحسّ بها وهي تلامس جسده لكنّه منذ فقده لبصره افتقد رؤية شعاع الضوء المتدفق من خلال تلك الفجوات كحبال ممتدة . تلك الأشعة تغطت مثلما تغطت الأشياء في غرفته الحجرية بملاءة سوداء أحس بالفقد في أيامه الأولى لكنه استمسك بحبل الله وصبر..... كان يقول لنفسه (الله لا يضيع عباده ) ويملأ قلبه بالأمل وحب الحياة فقد رؤيته للأشياء لكنه لم يفقد سمعه واحساس يديه . كان يعمل (حبّالاً ) يحبك حبالاً من السعف أو الليف ويغطي بنسيج تلك الحبال السرر الخشبية ويسقفها بحبال منضودة مستعملاً أدوات ( بدائية الصنع ) في التنضيد وتقوية الشد عندما كان مبصرا كان الأمر سهلاً عليه لكنه عندما فقد بصره وجد صعوبة في إنجاز عمله بالسرعة المطلوبة ، كان يتحسس الحبال بأنامل تائهه ويجس مواضع العقد والتضفير ومع مرور الوقت اكتسب دربة واعتادت أنامله العمل تحت لحاف الظلام الذي يغطي كل شيء ووجدت أنامله بصيرتها نحو تحقيق الهدف المطلوب الأعمال الأخرى من طبخ وتنظيف كانت تقوم بها أخته الكبرى وهي الوحيدة التي بقيت تشاركه مسكنه الفقير بعد أن غادره بقية افراد الأسرة بالموت أو بالسفر إلى المد ن البعيدة حفظ تفاصيل بيته وأتقن السير متلمساً أثاثه القليل . وبحركة بطيئة حذرة يصل إلى مبتغاه كأنه غوّاص يبحث في عمق البحر عن محار ثمين . واجه صعوبة في الانتقال إلى المسجد المجاور ... اصطدمت قدماه بأجسام صلبة على الطريق فأوجعه الألم لكنه لم ييأس وهداه تفكيره إلى مد حبل طويل بين بيته والمسجد. وعندما يحين موعد الصلاة يخرج مستعيناً بهذا الحبل حتى يصل إلى المسجد فيؤدي صلاته ثم يعود مثلما جاء . ظل شهوراً على مساره هذا ساعده الحبل الممدود على الوصول إلى المسجد وخاصة في الليل وفي أوقات تقلّ الحركة في الطرقات المجاورة لبيته . وفي النهار يصادف أحد السائرين إلى المسجد فيقوده حتى يصلا معاً .... لكنه في دخيلة نفسه لا يريد أن يكون حملاً ثقيلاً على أحد ولهذا ظلّ في أكثر الأوقات ممسكاً بحبله حتى يصل إلى بوابة المسجد فيدخل من الباب عدة خطوات نحو الداخل ثم يقوم أحد الحاضرين فيوجهه نحو القبلة فيبدأ صلاة تحية المسجد . ذات يوم وجد الداخلون إلى مسجد القرية الصغير حبل (عثمان السقيدي ) مقطوعاً لكنهم لم يعيروا الأمر اهتماماً كبيراً ..وعندما اجتازوا فناء المسجد إلى داخله وجدوا عثمان ميتاً وفي وضع السجود .