لنجدد الولاء للغتنا العربية.

تُعَد “اللغة العربية” واحدةً من اللغات المقدسة، فقد نزل بها “القرآن الكريم” وأصبحت لغة شعائرية حيث لا تصح الصلوات الخمس إلا بها. كما أنها لغة شعائرية رئيسة لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، وعلى هذا الأساس المتين أصبحت “اللغة العربية” رُكْنًا من أركان التنوع الثقافي للبشرية، إذ يتكلمها كلغة أصلية ما يزيد على (400) مليون نسمة من سكان العالم العربي. ولقد أبدعت هذه “اللغة الحية” بكافة أساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، وبمختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، في ميادين متنوعة منها - على سبيل المثال لا الحصر - الفلسفة والشعر والغناء. وبناءً على كل هذه المعطيات يبدو جليًا الأثر الواضح “للغة العربية” على عدد من لغات القوميات الأخرى المجاورة للعالم العربي مثل اللغات: التركية، والفارسية، والكردية، بل امتد أثرها إلى اللغات الآسيوية الأخرى كالأوردية والماليزية والإندونيسية، وكذلك عدد من اللغات الأفريقية مثل السواحلية والهاوسا. نص “النظام الأساسي للحكم” في “المملكة العربية السعودية” في مادته الأولى على أن (اللغة العربية هي لغة المملكة) كما أكدت “رؤية المملكة2030” في هدفها الأول على (تعزيز الهوية الوطنية والعناية باللغة العربية) وصدرت عدة قرارات من “مجلس الوزراء” الموقر جميعُها تؤكد حتمية الالتزام بـ “اللغة العربية” في جميع المخاطبات الداخلية بين الجهات الحكومية، وحتى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني، بل ذهبت حكومتنا الرشيدة – أيدها الله – في اعتزازها وتمسكها ب”اللغة العربية” شأوًا بعيدا حيث اعتمدت “اللغة العربية” كلغة للمؤتمرات وورش العمل، والاجتماعات التي تقام في المملكة، كما عممت “وزارة البلديات والإسكان” على جميع الأمانات والبلديات التابعة لها بوجوب الالتزام بـ”اللغة العربية” في تسمية الأحياء والشوارع والمراكز التجارية والمحلات والفنادق والمطاعم ونحوها. لهذا المستوى العالي والمتقدم من الاهتمام “باللغة العربية” واحترامها، لا أظن أن دولة عربية أخرى أولت “اللغة العربية” مثل هذا الاهتمام القوي. في المقابل لهذا الموقف المبدئي الواضح من طرف حكومتنا الرشيدة، فإننا نقف أمام ظاهرة غريبة على مجتمعنا العربي الأصيل، حيث يتشدق البعض باستخدام كلمات إنجليزية عادية – من غير المصطلحات العلمية التي ليس لها مقابل في “اللغة العربية”– وذلك من باب الثرثرة والتفيهق، أو استعراض مخزونهم الثقافي من اللغة الإنجليزية، ناسين أو متناسين أن هناك عددٌ غير قليل من المستمعين والمشاهدين لا يعرفون معنى الكلمات والجمل الإنجليزية التي يتشدق بها هؤلاء المتحدثون. في المقابل أعجبني كثيرًا أحد أصحاب المعالي في إحدى الفعاليات التي حضرها عدد غير قليل من غير الناطقين باللغة العربية، حيث ألقى كلمته باللغة العربية الفصحى، وترك الفرصة للمترجم ليؤدي المهمة المناطة به. بالرغم أن معاليه تلقى تعليمه الجامعي ودراساته العليا في الولايات المتحدة الأمريكية. أمام هذا التجريف اللاواعي “للغة العربية” - من قِبَل البعض - فإنني أهيب بالجميع التمسك بلغتهم الحبيبة، حاضنة هويتهم العربية الأصيلة، والاعتزاز بها. كما أهيب بكل من “الأندية الأدبية” و”جمعيات الثقافة والفنون” بتوعية الشعراء الشعبويين بضرورة تحاشي اعتساف الكلمات العربية، وعدم استخدام صِيَغ ليس لها محل في لغتنا الجميلة، كجمعهم كلمة عَلَم أي راية بصيغة (العلماني) وجمعهم كلمة غُلام أي صبي بصيغة (الغلاميني) وجمعهم كلمة شِعْبْ أي وادي بقولهم (الشعابيني) وقد يقولون غير هذا لأجل الالتزام بقافية القصيدة. وهذا الاعتساف يبدو جليًّا وبكل وضوح عند المتطفلين على الشعر النبطي، وذلك نتيجة شُحِّ مخزونهم من “اللغة العربية” وعجزهم عن اصطياد الكلمات الصحيحة، وجعلها في مواقعها المناسبة، بينما لا تجد هذا الشطط عند كبار الشعراءِ وفحولِهم. لأهمية “اللغة العربية” ولما تكتنزه من تراث إنساني عريق، ولغرض إذكاء الوعي بتاريخها المجيد وثقافاتها العريقة فقد قررت “منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم - يونسكو” أن يكون اليوم الثامن عشر من شهر كانون الأول / ديسمبر من كل عام يومًا عالميًا “للغة العربية” وذلك تزامنًا مع اليوم الذي صدر فيه قرار “الجمعية العامة للأمم المتحدة” برقم 3190(د-28) وتاريخ 18 ديسمبر 1973 باعتماد “اللغة العربية” ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في “منظمة الأمم المتحدة”. فلنتصالح مع أمنا الحنون “لغتنا العربية” ونَبُرها، ونجدد الولاء لها، ونؤكد الاعتزاز بها، في جميع خُطَبِنا ومخاطباتنا، وممارساتنا اليومية. ولنحتفل بها فإنها تبكي وتنوح، كما أخبرنا بذلك “شاعر النيل – حافظ إبراهيم” الذي نقل - بكل أمانةٍ ووضوح - عتبها علينا، وتوجدها نحونا حيث قالت: أيَهْجُرني قومي عفا الله عنهم إلى لغة لم تتصل برواةِ سرت لوثة الإفرنج فيها كما سرت لُعَاب الأفاعي في مسيل فرات فجاءت كثوبٍ ضَمَّ سبعين رقعة مشكلة الألوان مختلفات سقى الله في بطن الجزيرة أعظمًا يعز عليها أن تلين قناتي