إيلان بابيه يقوم بتفنيدها..

عشر خرافات عن إسرائيل.

روجت إسرائيل لمجموعة من المقولات علي أنها حقائق، وهذه هي التي أتاحت للصهيونية أن تبني دولتها على أساس نظري أقنع العالم بحق اليهود في فلسطين، ولكن ما وصل إليه المؤرخون الجدد - وعلى رأسهم ايلان بابيه مؤلف هذا الكتاب - يفند هذه الأسس جميعا ويثبت أن ما يروج على أنه حقائق إنما كان مجموعة من المغالطات التي لا تصمد أمام البحث العلمي النزيه. يقول الكاتب: إن كتابه في النهاية من تأليف يهودي إسرائيلي حريص علي مجتمعه تماما كما هو حريص على المجتمع الفلسطيني. تمت صياغة هذه الخرافات بصورة ماكرة بحيث تشكك في الحق الأخلاقي للفلسطينيين في أرضهم. تلقي هذه الخرافات قبولا من وسائل الإعلام والنخب السياسية الغربية بوصفها مسلمات وحقائق. وقد اعتمدتها الدعاية الإسرائيلية مبررا تسوق فيه ممارساتها ضد الفلسطينيين. كما يفسر القبول الضمني لهذه الخرافات إعراض الحكومات الغربية عن التدخل بأي طريقة بناءة في الصراع. الخرافة الأولى تقول: إن فلسطين كانت صحراء خالية حين وصل الصهاينة إليها في القرن التاسع عشر. الخرافة الثانية تقول أن اليهود الذين وصلوا فلسطين عام ١٨٨٢م ينحدرون من اليهود الذين طردهم الرومان عام ٧٠ للميلاد. الخرافة الثالثة أن الصهيونية ليست حركة استعمارية، الخرافة الرابعة أن الصهيونية هي اليهودية؟ الخرافة الخامسة أن الفلسطينيين تركوا أرضهم طواعية؟ الخرافة السادسة أن حرب عام ١٩٦٧ فُرضت على إسرائيل، وهذا افتراء صدقه العرب أيضا، الخرافة السابعة أن اسرائيل دولة ديمقراطية. ثم يتحدث عن مجموعة خرافات أطلقتها دولة الصهاينة عن اتفاق أوسلو، وهو أن هذا الاتفاق اتفاق سلام حقيقي، بعد ذلك أطلقت خرافة أن ياسر عرفات هو من فجر الانتفاضة الثانية لأنه لا يريد السلام، وأخيرا يناقش المؤلف ما أسماه خرافات غزة. يفند الكاتب كل هذه الخرافات بموضوعية وبكل الدلائل، والغريب أن المجتمع الدولي لا يعرض على العقل والمنطق هذه المقولات ليدرك أنها عبارة عن افتراءات، والأغرب منها أن كثيرا من العرب باتوا يصدقونها. يستعرض بابيه ثلاث خرافات إسرائيلية عن غزة ويفندها. الصهاينة يقولون: إن حماس منظمة إرهابية، بابيه يقول: إنها حركة تحرير مشروعة. الصفحات الثلاث اللواتي كتبها بابيه تستحق قراءة دقيقة، ومن الصعب اختصارها لما فيها من تكثيف، اسرائيل قامت بين العامين ١٩٤٨ و ١٩٨٢ بشيطنة الفلسطينيين، من خلال عقد مقارنات مع النازيين، ثم انسحبت هذه المقارنات علي الناشطين الاسلاميين، خطاب التطرف الصهيوني محا التاريخ الغني للإسلام في فلسطين، بالإضافة إلى الأنشطة الاجتماعية والثقافية المتنوعة التي قامت بها حماس. غالت اسرائيل في شيطنة حركة حماس بتصويرها كمجموعة من المتعصبين القساة والمعتوهين، الحقيقة أن الحركة كانت رد فعل محلي إزاء الحقائق القاسية للاحتلال، كما كانت استجابة للمسارات المشوهة التي قدمتها القوى الفلسطينية الاشتراكية والعلمانية في الماضي، وصعودها كان نتيجة فشل الحداثة العلمانية في إيجاد حلول لصعوبات الحياة اليومية، حفنة قليلة من البشر استفادت من التحديث العلماني، في حين ظل العديد من الناس تعساء وفقراء، وهؤلاء وجدوا العزاء في الدين. وعندما تم توقيع اتفاقيات أوسلو، وفي ظل موجة من التفاؤل شهدت حماس تراجعا في شعبيتها، ولكن حين ظهر أن اسرائيل تتخلى عن كل تعهداتها، ومع تنامي نشاطاتها الاستيطانية بعد اوسلو، واستمرار الاستخدام المفرط للقوة ضد المدنيين، وبناء الجدار الفاصل و حواجز الطرق و الاغتيالات المستهدفة، استعادت حماس شعبيتها، يمكن أن نضيف إلى ذلك ما حصل عند رحيل عرفات الذي جردته اسرائيل والغرب من الشرعية السياسية، نشأ فراغ سيأسى لم يستطع محمود عباس ملأه، هنا لم تترك إسرائيل أي خيار للفلسطينيين سوى منح الثقة للجماعة الوحيدة المستعدة لمقاومة الاحتلال ، كما أن موقف حماس الذي لا يقبل لبسا بشأن التمسك بحق العودة ساهم في فوزها. فازت حماس بطريقة ديمقراطية، الغريب أن ذلك فاجأ الساسة والمثقفين الصهاينة والاستخبارات الصهيونية. يقول بابيه: إن التقييم الاسرائيلي للفلسطينيين ساده سوء الفهم، ففي عام ١٩٧٦ قامت حكومة رابين بإجراء انتخابات في الضفة، قادتها حساباتها الخاطئة إلى الاعتقاد بأن الكادر القديم الموالي للأردن في الضفة والموالي لمصر في غزة هم من سيفوز، ولكن الغالبية العظمى للناخبين اختارت مرشحي منظمة التحرير. يعتمد بابيه علي مصادر اسرائيلية، و تقارير لصحيفة الواشنطن بوست ، خلاصتها أن حماس قد أصبحت لاعبا مهما على الأرض، والفضل في ذلك يعود جزئيا إلى سياسة إسرائيل التي تسامحت مع بناء بنية تحتية تعليمية إسلامية في غزة كقوة معادلة لقبضة حركة فتح العلمانية على السكان المحليين، وهذا تأكيد علي سوء فهم اسرائيل للفلسطينيين، فقد تغاضت عن مؤسسات المجمع الإسلامي وخدماته للفلسطينيين، ظنا ان المنافسة مع فتح ستريح اسرائيل من كليهما، ولكن حماس نافست فتح في مقاومة اسرائيل. وهذا الذي يقدمه بابيه، يفند أيضا دعوى اسرائيل أن حماس ارهابية، حسب التقويم الإسرائيلي لبدايات حماس. وإذن فليست حماس امتدادا للقاعدة، أو مجرد بيدق، وإذا كان هناك من جانب قبيح في وجود حماس في غزة، فإنما يكمن في ممارسات الجماعة ضد الفصائل الفلسطينية بين عامى ٢٠٠٥ و ٢٠٠٧م، ثم الصدام الأكبر مع فتح عام ٢٠٠٧م، ورغم أن الطرفين يتحملان مسؤولية المذبحة لكن كان هناك عامل خارجي . فقد كشفت وثائق المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي تسربت إلى قناة الجزيرة، وصحيفة القدس العربي، وصحيفة الجارديان البريطانية عام ٢٠١١, وقد تسربت من مكتب صائب عريقات، تقول الوثائق: إن فكرة منع قيام معقل محتمل لحماس في قطاع غزة بمجرد الانسحاب الإسرائيلي عُرضت على فتح عام ٢٠٠٤م من قِبل جهاز الاستخبارات البريطانى M16, وضع الجهاز خطة أمنية الغرض منها “ تشجيع السلطة الفلسطينية وتمكينها من الوفاء بالتزاماتها الأمنية…من خلال الانتقاص من قدرات الرافضين”، وقد لخصت صحيفة الجارديان البريطانية الأمر بقولها: إن توني بلير انغمس في الحالة الفلسطينية ليشجع فتح على سحق حماس. كما تم إسداء نصيحة مماثلة للسلطة من قِبل اسرائيل وأمريكا. لكن الأمور تعقدت والتصرف الاستباقي لحماس عكس الأمر، وحاق بحماس في الضفة ما فعلته في غزة. قرار إسرائيلي احادي الجانب بالانسحاب من غزة بعد أربعين سنة من الاحتلال لم يكن في الحقيقة بادرة سلم ، كما روج الصهاينة. قطاع غزة يشكل فقط نسبة ٢٪ من مساحة فلسطين وهو أكثف الأماكن سكانا في العالم، و قد هاجر إليه عدد كبير ممن تعرضوا للتطهير العرقي على يد القوات الصهيونية عام ١٩٤٨ م ، سياسة الحكومات الاسرائيلية منذ عام ١٩٦٧ كانت الاحتفاظ بالضفة تحت حكم اسرائيلي مباشر، و لكن كان هناك عدم وضوح بالنسبة لقطاع غزة، ورغم ذلك فقد شجعوا الاستيطان الاسرائيلي فيه، إلا أن عودة السلطة الفلسطينية جعلت حماية المستوطنات الاسرائيلية في قطاع غزة عبئا كبيرا على الدولة الصهيونية، كما إن مساحة القطاع الصغيرة في وجود المستوطنات لم تكن تسمح لإسرائيل بممارسة اعتداءاتها العنيفة على ما تتصوره جيوبا للمقاومة، مثلما فعلت في مذبحة مخيم جنين عام ٢٠٠٢م، أدى هذا إلى اقتناع شارون برأي بعض الليكوديين بشأن سحب المستوطنات من غزة، ومقابل ذلك سيقوم بإطلاق يده في عمليات الردع و الاغتيال. في عام ٢٠٠٤ اقترحت حكومة بوش الابن ما اسمته خارطة الطريق الي السلام، و تعني إنعاش المناطق الفلسطينية اقتصاديا مع تقليص الوجود العسكري الإسرائيلي، تمهيدا للوصول الى مفاوضات سلام نهائي بعد ثلاث سنوات، و أوكل تنفيذ هذه الخطة إلى الرباعية الدولية ، وظفت الرباعية الدولية خطابا يتحدث عن حل الدولتين ، و انسحاب إسرائيلي كامل، ونهاية للمستوطنات، لكن على الأرض كان شارون يهندس من أجل إسرائيل الكبرى فطرح مشروعه لسحب المستوطنات من قطاع غزة، واستطاع وفريقه إخراج مسرحية تعطي انطباعا عن انقسام كبير في الشارع الاسرائيلي نحو ذلك، وتدخل الجيش لإخلاء المستوطنات، مقابل ذلك جعل شارون يروج لبقاء الوضع القائم علي ما هو عليه ، أقنعت خطوة شارون الجمهور الاسرائيلي بأن ذلك كان بادرة سلام ومواجهة شجاعة مع المستوطنين، وصار ينظر إلى أي نقد توجهه السلطات الفلسطينية إلى السياسات الاسرائيلية على أنه دليل على غياب شريك موثوق في عملية السلام، رغم أن الانتقادات الفلسطينية كانت تتركز على ما تفعله اسرائيل في الضفة من تكثيف الاستيطان، والجدار العازل والقدس. ثم جاء اغتيال اسرائيل للشيخ أحمد ياسين و الدكتور الرنتيسي ظنا من شارون أنه لن تقوم لحماس قائمة بعد ذلك، ورغم خارطة الطريق طلب شارون من أمريكا وبريطانيا دعم الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية مقابل الانسحاب من غزة. وكان له ما أراد، رغم التحفظات الأمريكية السابقة، وقد جاء تقديم طلبات شارون في وقت أصبحت التصرفات الأمريكية في العراق تشبه السلوك الاسرائيلي في فلسطين، وهكذا تغير الموقف الأمريكي. في أبريل عام ٢٠٠٤ ، شهد المرافقون عجبا، إذ بقيت طائرة شارون رابضة في مطار بن غوريون ساعات بعد الموعد المحدد للطيران، ورئيس الوزراء يرفض اقلاعها حتي يحصل علي موافقة أمريكا على إعلان يوقعه الرئيس بوش ، يتضمن وعدا بعدم الضغط على اسرائيل بشأن تحقيق تقدم في عملية السلام في المستقبل، وإقصاء حق العودة عن أي مفاوضات مستقبلية، وقد أقنع شارون الأمريكان بأنه لن يكون قادرا علي توحيد الرأي العام الإسرائيلي وراء خطة فك الارتباط دون تأييد أمريكي، لم يحتج شارون لأكثر من ثلاث ساعات لتحقيق هذا الإنجاز، عمليا فإن أمريكا ضمنيا اطلقت يد اسرائيل في الضفة الغربية وبناء الجدار العازل واستثناء الفلسطينيين في المنفى من أي ترتيبات. قرار الانسحاب الاحادي الجانب كما يؤكد بابيه كان جزءا من استراتيجية توزيع للقوات الصهيونية، الغرض منها تقوية قبضة إسرائيل على الضفة الغربية، وتحويل قطاع غزة إلى سجن كبير يمكن مراقبته من الخارج ، و هذا ما مكن اسرائيل من الرد بقسوة على فوز حماس في الانتخابات، و مكنها من شن اربعة حروب كارثية على غزة