قوائم اليونيسكو تزدان بالورد الطائفي والحناء والسمسمية..

الورد الطائفي؛ موروث تناقلته الأجيال لأكثر من 150 عامًا معبرًا عن ثقافة الطائف وكرم أهلها.

في إنجاز جديد يعكس مكانة التراث الثقافي غير المادي في المملكة والعالم العربي، أعلن الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان، وزير الثقافة ورئيس مجلس إدارة هيئة التراث، نجاح المملكة في تسجيل “الممارسات الثقافية المرتبطة بالورد الطائفي” ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”، حيث يُعد الورد الطائفي جزءًا من الهوية الثقافية لمنطقة الطائف، حيث ارتبط بحياة سكانها لأكثر من 150 عامًا، وشكّل زراعته وصناعته نشاطًا يوميًا ينعكس على العادات والتقاليد الاجتماعية. إلى جانب ذلك، أعلنت “اليونيسكو” عن إدراج عنصر “الحناء: الطقوس، الممارسات الجمالية والاجتماعية” كتراث عربي مشترك بين 16 دولة عربية، منها السعودية، ويُبرز هذا الإدراج أهمية الحناء كمظهر من مظاهر الفرح والاحتفال في المجتمعات العربية، حيث تشكل الحناء تقليدًا أساسيًا يعكس الثقافة الشعبية ويظهر في مناسبات اجتماعية ودينية متنوعة، التعاون المثمر بين الأشقاء العرب تكلل أيضا بالنجاح في تسجيل “صناعة وعزف آلة السمسمية” بالقائمة، من خلال ملف ترشيح قادته مصر وبمشاركة بارزة من المملكة ممثلةً في هيئة التراث، وبالتعاون مع اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، والوفد الدائم للمملكة لدى اليونسكو، ليتم اعتماد هذه المكتسبات رسميًا خلال الدورة التاسعة عشرة للجنة الحكومية الدولية لحماية التراث غير المادي التي انعقدت في العاصمة الباراغوانية، أسونسيون، ولا شك أن هذه الإنجازات المتتالية تضع التراث الثقافي العربي والسعودي في مصاف العالمية، وتعزز الوعي بأهمية حماية الموروثات الثقافية غير المادية ونقلها للأجيال القادمة، باعتبارها جزءًا أصيلًا من الهوية الوطنية والعربية. الورد الطائفي .. حكاية عطرة يُعد الورد الطائفي أحد أبرز الرموز الثقافية والطبيعية في المملكة، حيث ارتبط بعلاقة وثيقة مع الأرض وأهل الطائف منذ مئات السنين. تغذي قمم جبال الهدا والشفا، ومزارع وادي محرم والمثناة، جذور هذا التراث العريق، حيث تُزرع شجيراته في بيئة جبلية مثالية توفر البرودة المعتدلة والتربة الخصبة. يعتبر الورد الطائفي مصدرًا أساسيًا لصناعة دهن الورد والماء العطري، وهي منتجات تحمل عبقًا يدوم مدى الحياة، وتعكس مكانة الطائف كأيقونة للجمال والعراقة. منذ زمن بعيد، اهتمت الأجيال بزراعة الورد الطائفي وتوارثت مهارات قطفه وتقطيره واستخراج دهنه ومائه. تتوزع مزارع الورد اليوم على أكثر من 910 موقعًا، وتنتج نحو 550 مليون وردة سنويًا. تشكل هذه الزهور عصب صناعة اقتصادية مزدهرة، حيث يعمل أكثر من 70 مصنعًا ومعملًا على تصنيع 80 منتجًا مختلفًا، مما يحقق عوائد سنوية تصل إلى 64 مليون ريال. ويشهد الورد الطائفي حضورًا عالميًا، إذ دخل موسوعة جينيس عبر أكبر سلة ورد في العالم، مما يعكس تميزه وفرادته. شذى يفوح بإرث متجدد تمر عملية إنتاج دهن الورد وماء العروس بمراحل دقيقة تُظهر خبرة ومهارة العاملين في هذا المجال. يتم جمع الورود في ساعات الصباح الباكر حين تكون بتلاتها في أوج نضارتها، ثم توضع في قدور نحاسية تُسخن لعدة ساعات لاستخلاص ماء الورد المركز ودهن الورد النقي. وقد طورت هذه الصناعة تقنيات متقدمة تضيف إلى جودتها وتساهم في استدامتها، بينما يستمر برنامج التنمية الريفية المستدامة “ريف” في دعم مزارعي الورد عبر إرشادهم وتزويدهم بالمعارف اللازمة لزيادة الإنتاج وتحسين الجودة. تحتضن الطائف مهرجانات سنوية تحتفي بالورد الطائفي، حيث يجتمع المزارعون والأسر المنتجة لعرض منتجاتهم الزراعية والحرفية. تشمل هذه الفعاليات ندوات وورش عمل تسلط الضوء على طرق تقطير الورد واستخلاص زيوته العطرية، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية وتعليمية تجذب السياح والمقيمين. تُعد هذه المهرجانات منصة لتسويق منتجات الورد وتعزيز وعي المجتمع بأهمية هذا التراث الوطني، مع تقديم الدعم للمزارعين لمواصلة تطوير صناعتهم، ولا شك أن إدراج الورد الطائفي في قوائم التراث الثقافي غير المادي لدى اليونيسكو يعدّ إنجازًا يعزز مكانته عالميًا، ويفتح آفاقًا جديدة لتنميته والحفاظ عليه، ليظل الورد الطائفي رمزًا للعراقة والابتكار، يجمع بين الماضي الأصيل والمستقبل المشرق. الحناء.. موروث يزدان بالتقاليد تُعد الحناء من أقدم النباتات التي عرفها الإنسان، حيث تمتد جذورها إلى الحضارات القديمة التي اكتشفت خصائصها المميزة واستفادت منها في مختلف المجالات. تُزرع الحناء في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، وتحتاج إلى بيئة حارة ورطوبة عالية لنموها، وهو ما جعلها تنمو بكثافة في مناطق جنوب آسيا وشمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وقد اكتسبت الحناء شهرة واسعة منذ العصور الفرعونية، حيث استخدمها المصريون القدماء في تخضيب الأيدي وصبغ الشعر كوسيلة للتجميل وإبراز المكانة الاجتماعية. لم يقتصر دور الحناء على التجميل، بل شملت استخداماتها علاج الجروح والحروق بفضل خصائصها المضادة للبكتيريا والمهدئة للالتهابات. وقد عُثر على نقوش الحناء بشكل واضح على العديد من المومياوات الفرعونية، مما يعكس قيمتها في الطقوس الجنائزية كمظهر من مظاهر العناية بالجسد في الحياة وبعد الموت. في الثقافة السعودية، تمثل الحناء أحد أبرز الرموز المتأصلة التي تحمل عبق الماضي وروح التقاليد. لطالما كانت الحناء جزءًا لا يتجزأ من حياة المرأة السعودية، حيث تُستخدم في المناسبات السعيدة لتعكس الفرح والاحتفاء. في حفلات الزفاف، تُخصص ليلة خاصة تُعرف بـ “ليلة الحناء”، تُزين فيها العروس يديها وقدميها بنقوش دقيقة تعبر عن الجمال والتجدد، بينما تُرافقها أهازيج وأغانٍ شعبية تضفي أجواء احتفالية فريدة. ففي حفلات الزفاف، تمثل الحناء عنصرًا رئيسيًا في طقوس التجميل والاحتفاء بالعروس. تُحضّر عجينة الحناء بعناية فائقة، بمزيج متوازن من مسحوق الحناء الطبيعي والماء وعصير الليمون، مما يُنتج تركيبة مثالية للرسم. تُستخدم أقماع صغيرة لرسم نقوش دقيقة تعكس الأنوثة والجمال، وتتراوح بين الزخارف الهندسية والنباتية المستوحاة من التراث المحلي. تُرافق هذه الطقوس أغانٍ وأهازيج شعبية تضفي أجواءً مفعمة بالفرح والاحتفال، حيث تتحول هذه اللحظات إلى طقس اجتماعي يبرز روح الوحدة والتقاليد العائلية. هويةٌ وعنايةٌ بالجمال وما يميز الحناء في السعودية هو ارتباطها بالهوية المحلية، حيث تعكس نقوشها أنماطًا مستوحاة من التراث السعودي، مثل الزخارف الصحراوية والنباتات المحلية التي تحمل في طياتها معاني الفخر بالجذور والثقافة. كما أن هذه النقوش تُظهر البراعة اليدوية للنساء السعوديات، اللواتي ورثن هذا الفن جيلاً بعد جيل، مما يعزز من قيمته كإرث ثقافي حي. ففي الماضي، كانت النساء السعوديات يُجتمعن لتحضير عجينة الحناء بأنفسهن، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويضيف لمسة شخصية لكل نقش. أما اليوم، فقد تطورت هذه الممارسة لتشمل صالونات التجميل التي تقدم تصاميم عصرية تلبي مختلف الأذواق، ومع ذلك، لا تزال التقاليد القديمة تلقي بظلالها على هذه الممارسات، مما يجمع بين الأصالة والحداثة. فالحناء ليست فقط زينة مؤقتة، بل هي انعكاس للتقاليد والفرح، ورمزٌ يعبّر عن الانتماء والهوية الثقافية للسعوديين، مما يجعلها جزءًا أصيلاً من المشهد الثقافي والاجتماعي في المملكة. لم تقتصر أهمية الحناء على الزينة فقط، بل امتدت إلى دورها في العناية بالجمال. لطالما اعتمدت النساء العربيات الحناء لتحسين ملمس بشرتهن وتفتيحها باستخدام وصفات طبيعية موروثة. بفضل خصائصها المضادة للالتهابات والمهدئة، كانت الحناء تُستخدم كعلاج طبيعي لتخفيف التهيجات الجلدية وحماية البشرة من أشعة الشمس الحارقة. كما كانت تُضاف مكونات مثل ماء الورد والعسل لتعزيز فوائدها، مما يجعلها خيارًا طبيعيًا وفعّالًا للعناية بالبشرة. وفيما يتعلق بالعناية بالشعر، أظهرت الحناء مكانتها كواحدة من أبرز الحلول الطبيعية التي تُعتمد في التقاليد العربية، استخدمتها النساء العربيات لتقوية الشعر، وحمايته من التقصف، وزيادة لمعانه بشكل طبيعي. تُخلط الحناء مع مكونات طبيعية أخرى مثل الزيوت النباتية للحصول على نتائج مذهلة تعكس العناية الصحية والجمالية في آن واحد. هذه الاستخدامات جعلت الحناء رمزًا للجمال الطبيعي وأداة فعالة تجمع بين التقاليد العريقة والحلول المستدامة. صوت التراث البحري تُعد “آلة السمسمية” من أبرز عناصر الفنون التقليدية التي تعبّر عن الهوية الثقافية للمجتمعات الساحلية. تُستخدم هذه الآلة الموسيقية خلال المناسبات الاجتماعية والاحتفالات مثل الأعراس والمهرجانات المحلية، حيث يجتمع الناس للتغني بالألحان التقليدية المستوحاة من التراث البحري. على أنغام السمسمية، تُروى قصص الحياة الاجتماعية لتلك المناطق، مما يعكس روح الفرح والتلاحم المجتمعي، ويخلق بيئة تجمع بين الأجيال وتُعزّز الروابط الاجتماعية والثقافية. ترتبط “آلة السمسمية” بالهوية الفنية للمجتمعات الساحلية، حيث تُعدّ رمزًا للإبداع المتجدد والتقاليد الراسخة. تُورَّث مهارة العزف على السمسمية جيلًا بعد جيل، مما يجعلها جزءًا حيًا من التراث الموسيقي السعودي. تُستخدم السمسمية أيضًا كوسيلة لسرد الحكايات التقليدية والقصص التاريخية التي تُبرز الترابط الوثيق بين الموسيقى والحياة اليومية، مما يُضيف بعدًا ثقافيًا واجتماعيًا لهذه الآلة ويجعلها جزءًا لا يُمحى من الذاكرة الجماعية. ويشكّل تسجيل “آلة السمسمية” في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو إنجازًا يُبرز قيمتها بوصفها عنصرًا ثقافيًا يعكس التنوع الفني التراثي في المملكة، ويعزز هذا التسجيل فهم العالم لدور التراث الموسيقي في تقوية الروابط الاجتماعية وحماية الموروث الثقافي، كما يعكس حرص المملكة على ترسيخ التبادل الثقافي الدولي تحت مظلة رؤية المملكة 2030.