خالد الدبوس الشراري..

سيرة أب من صبيحاء إلى الدمام .

على هامش معرض الكتاب الدولي بالرياض 2024 زارني الأستاذ محمد حلوان الشراري الكاتب والإعلامي من القريات، وبرفقته الأستاذان خالد الدبوس الشراري وسليمان العجيلي، والقادمون من البادية شمال المملكة إذ كان أهلهم يقيمون في بلدة (النبك أبو قصر) في صحراء الجوف وبالتحديد قرية (صبيحاء) وهي تصغير صبحا الواقعة بوادي السرحان شرق النبك أبو قصر. كنت على معرفة سابقة بأبي أصيل – محمد حلوان- إنما أبو الوليد – خالد الدبوس – فقد فوجئت به لغزارة علمه ولطفه وبساطته، وازداد إعجابي به وهو يهديني بعض إنتاجه ومؤلفاته وهي عبارة عن ثمانية كتب منوعة. أول مؤلفاته: مجموعة شعرية لشعراء من قبيلته الشرارات باسم (ولاء شعراء) طبع عام 1429هـ والثاني: (الزيتون بالجوف) بداية زراعته بالجوف وأنواعه وشهرته ومهرجانه السنوي طبع عام 1438هـ والثالث: (سلمان الأفنس في عيون محبيه) ترجمته وما قيل عنه بعد وفاته طبع عام 1442هـ 2021م الرابع: الصحابي الجليل (دحية الكلبي) اختاره لندرة المعلومات الواردة عنه، طبع عام 1442هـ الخامس: (ذكريات راسخة آتية من حي البادية) وهي تحكي طفولته بحي البادية بالدمام طبع عام 1444هـ السادس: (من صبيحاء.. إلى الدمام) رحلة والده في الحياة من الشمال للشرق طبع عام 1443هـ السابع: (ببليوجرافية قبيلة الشرارات) وما ألف عنها من الكتب طبع عام 1444هـ. الثامن (الجوف.. أهم أحداث منطقة الجوف في مئة عام 1340-1441هـ طبع عام 1444هـ. عرفت منه أنه بعد تقاعده عاد إلى مسقط رأسه (طبرجل) وأقام منتدى الثلاثاء باسم (ثلوثية الدبوس بمحافظة طبرجل – أدبية – ثقافية- علمية- اجتماعية. من عام 1441هـ. وقد بدأت قراءة كتابين من هذه الهدية القيمة وهي تحكي سيرة والده (هزيل بن دويشر بن نومان بن دبوس) الذي ولد في (خريبة السوق) بعمان بالأردن عام 1359هـ ونشأ وتربى في قرية (صبيحاء) و(النبك أبو قصر) بوادي السرحان بمنطقة الجوف. وهذا الكتاب الذي سأتحدث عنه لأهميته في نظري – رغم أهمية الكتب الأخرى، هو كتابه عن والده (من صبيحاء .. إلى الدمام) قدم له بقوله: «.. رأيت أن أسجل ذكريات والدي ورحلته في الحياة مع أنه رفض في البداية فلما وضحت له فوائد هذه المذكرات لمن سيأتي بعده وافق على مضض شريطة أن يكون حديثه مجملاً دون تفصيل، فرضيت منه بالقليل..». قال إنه بعد استقرار عائلته بقرية صبيحاء بدأ تعليمه في كُتّاب عثمان الخطيب، وتعلم فيه القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة. قرر والده الارتحال إلى (النبك أبو قصر). ومنها قرر والده أن يصحبه عام 1373هـ للصحراء لجمع الفقع وبيعه بالجوف. وصلوا ببعيرهم المُحمَّل بالفقع إلى (سوق الوقف) بدومة الجندل وبسطوا ببضاعتهم عند مسجد عمر، قال: «.. وإذا بي ألمح أثناء البيع أطفالاً وصبياناً في نفس عمري أو أكبر يسيرون حاملين الحقائب، فسألت.. فقيل إنهم ذاهبون إلى مدرستهم.. فثار فضولي، واشتعل طموحي. وقلت لوالدي: أريد أن أذهب معهم إلى المدرسة. فابتسم والدي – رحمه الله- وقال لي: أبشر غداً سوف أذهب بك إلى المدرسة وأسجلك بها» ص31. بعد بيع والده الفقع اشترى بقيمته ما تحتاجه الأسرة، وذهب بابنه إلى مدير المدرسة بالجوف، وعرف أن المدرسة تصرف مكافأة لطلابها، ابن المدينة ثلاث ريالات وابن البادية يصرف له 40 ريالاً شهرياً. قال له المدير أن عدد طلاب البادية قد اكتمل أما طلاب الحضر فما زال التسجيل مفتوحاً. فذهبوا لأمير (دومة) الذي نصحهم بالذهاب لأمير الجوف عبدالرحمن السديري، وقدم معروضه الذي شرح عليه لأمير دومة قائلاً: موفق يا وليدي. بدأت الدراسة وبعد شهر اكتشفوا نباهته ومعرفته بالكتابة والقراءة فقرروا ترقيته للسنة الثانية. ظل بالمدرسة خمس سنوات ويحصل على المكافأة وإذا أتت الإجازة اشترى لأهله ما يحتاجون من الأرز والسكر والطحين وغيره. بعد تخرجه وحصوله على الشهادة الابتدائية، وحصوله على (بطاقة العربان) وهي إثبات الشخصية للبدوي، ذهب مع شقيقه سالم للبحث عن عمل بشركة (التابلاين) بطريف ثم أحالوهم لعرعر وفي رفحاء، عرض عليه العمل كاتب يومية بسبعة ريالات، وبعد أشهر فكر بالذهاب إلى الكويت للعمل عسكرياً، ولكنه لم يحصل على جواز السفر المطلوب فقرر الذهاب إلى المنطقة الشرقية للعمل في أرامكو. جمع رواتبه البالغة 400 ريال وقرر السفر إلى قريبه (فلاح) برأس تنورة، وفوجئ بهذا الكائن الأزرق، فسأل عنه فقالوا هذا البحر. ذهب للتسجيل بأرامكو فطلبوا منه ورقة من إدارة التعليم بالموافقة، فذهب إلى مكتب التعليم بالدمام وقابل مديره عبدالعزيز التركي.. قال إنه قادم من الجوف ويريد العمل في أرامكو.. وعرف أنه يحمل الابتدائية فقال له: «سوف نوظفك عندنا مدرساً، أرامكو لا تصلح لك، سوف تسقط في اختبار النظر والطول، وراتبهم في أرامكو 270 ريال ونحن نعطيك 400 ريال» فرفض دون تفكير.. وبعد عوته لجماعته نصحوه بقبول عرض مدير التعليم، فعاد قابلاً ما عرضه عليه فأعطاه خطاب توجيه لمدرسة صفوى لتعيينه مدرساً، ومن صفوى إلى مدرسة سيهات، التي استأجر فيها منزلاً مع زميله سعود البريكان من أهل المدينة المنورة. جاءت العطلة الصيفية فذهب لزيارة أهله بـ (النبك أبو قصر) بعد أن اشترى هدايا لهم بما توفر لديه من رواتب. وعرف أن والده عليه ديون فخجل أنه لم يوفر ما يسد به ديون والده، وعندما علم أن أخاه سالم الذي يعمل براتب 150 ريالا قد وفر وسدد جزءً من الديون بينما راتبه 400 ريال لم يستطع توفير شيء منه.. قرر العودة بدعوى أن لديه عملاً بالعطلة، وقرر البحث عن منزل أرخص بدل دفع 250 ريال فوجد غرفة بـ 50 ريال، فقرر الاكتفاء بمائة ريال 50 للسكن و 50 للمأكل. وتوفير الباقي. شارك زميلاً آخر هو سعود العضيلة من أهالي عنيزة باستئجار منزل صغير بـ 60 ريال مناصفة بينهما. جاء والده ليطمئن عليه قائلاً: «.. أتيت إلى النبك ولم يكن معك ولا ريال خفت عليك وقلت إذا كان قد جلس سنة وراتبه ضخم ولم يدرك منه شيئاً، قلت أكيد أنه منحرف أو فاسد، ولذلك أتيت لكي يطمئن قلبي..» ص74. ذهبت بوالدي لمصرف الراشد وسحبت ألف ريال وأعطيتها له.. وقال إن والده قرر مزاولة التجارة بالمنطقة، فسافر للبحرين وأحضر بضاعته وأنشأ بسطة بالدمام.. وبعد شهرين أحضر والدته وأخته، واستأجر بيتاً في حي البادية (كمب البدو) بالدمام. اشترى دراجة هوائية ليتنقل عليها من الدمام إلى سيهات حيث يُدرِّس. انتقل عمله للدمام واشترك ببرنامج محو الأمية – بالعطلة الصيفية- بقرى حائل، ومن زملائه: فوزان الحمين من الزلفي وحمود المحيني من حائل. بدأ يعمل بحراج السيارات بعد العصر، والحراج على الأراضي وجاءت الطفرة فاشترك مع أخيه عبدالله بالتجارة والمضاربة بالعقار والأسهم وكسبا خيراً كثيراً. أما كتابه الآخر (ذكريات راسخة آتية من حي البادية) فقد خصصه لذكرياته ومراهقته. أثناء الدراسة بالمعهد التجاري بالدمام ومشاغباته، وأنه كان يرويها باسمه المستعار (أحمد) وزميله (ممدوح) عندما غشا في الامتحان، ممدوح يكتب عنه إجابة لمادة القواعد، وهو يجيب عن زميله بمادة المحاسبة، نسي ممدوح كتابة اسم أحمد على ورقته فاكتشف الغش وحكم عليهم بحسم المكافأة عن ثلاثة أيام وحسم خمس درجات من السلوك واعتبارهم راسبين بالمادتين. فدعوا على مدرسهم بأن يسقطه الله في حفرة. وفعلاً خرج المدرس من المدرسة مسرعاً بسيارته ولم يع إلا وهو يسقط بسيارته بالحفرة فنقل للمستشفى، فاشتريا باقة ورد وذهبا لزيارته فطردهما. واتفاقه مع مجموعة من زملائه بالحضور بزي موحد (مريول) وبلون واحد فخسر الجميع 5 درجات من سلوكهم. جرب حظه لنقل الركاب (كداد) وفشل وكان مصيره التوقيف. وانتقل والده للرياض فذهب لزيارته مع أحد زملائه وتركا الدراسة يومين، وسأله والده عندما عرف بقدومه ظهر اليوم عن الربيع في الطريق فقال إنه لم ير شيئاً لأنه كان بالليل. وبعد نجاحه من فرع جامعة الإمام بالأحساء تخصص علم اجتماع بحث عن عمل وبواسطة صديق وجد عملاً في إحدى شركات الهيئة الملكية بالجبيل، وانتقل بعدها لشركة الاتصالات السعودية. وأخيراً تقاعد وعاد إلى بلدته (طبرجل) بالجوف وأسس مجلساً ثقافياً (ندوة الدبوس) من عام 1441هـ وعضو اللجنة الثقافية بطبرجل التابعة للنادي الأدبي بالجوف. إضافة لعضويته لهيئة الصحفيين السعوديين، وجمعية اللهجات والتراث الشعبي، ومراسل لجريدة الندوة، إضافة للكتابة ببعض الصحف والمجلات. وآخر مؤلفاته (بيليوجرافية قبيلة الشرارات) وبثلاثمئة وسبع وأربعين صفحة. تتبع جميع ما صدر من مؤلفات أو بحوث عن قبيلة الشرارات والتي بلغت 300 عنوان، جمعها ورتبها لتكون مرجعاً للباحثين والدارسين، ليوفر الوقت والجهد على الباحثين.