في ديواني عبدالله العطيه وسلمان عبدالله..

مقاربة جمالية بين سرقتين.

بعد الاطلاع على ديواني (يسرق الليل نجومي) لسلمان عبدالله و(قبلة تسرق الحزن ) لعبدالله العطية الصادران ضمن برنامج (مجازأول) المشترك بين دار تشكيل وخيمة المتنبي، تتبيّن لكل منهما ملامح خاصة، ولغة شعرية مختلفة تتمركز حولها النصوص، ورغم ذلك نرى تلاقياً واتّساقا في بعض النقاط الوارد تشابهها بين معظم الشعراء. ١- (العيون ) كظاهرة في شعر عبد الله العطية : نجد في شعر العطية حضوراً ملفتاً للعيون ولغتها الصامته، بتوظيفات مختلفه حسب فكرة النص، وليس ذلك بغريب على الشعراء، فالعيون شغلت امريء القيس وجرير والشريف الرضي وأحمد شوقي والسياب والجواهري وجميع الشعراء، لقد تكررت العيون في شعر العطية كثيمة، فتغنى بهما متغزلا في نصوص، ومعبرا عن الألم في أخرى بانزياحات دلالية تنهمر بالصور على التوالي كما في نص (هام في زرقة البحر ): لأنك فلُّ الحقلِ خبّأتِ عطرهُ بصدرٍ وأدري أنك العطرُ للعطرِ وإن هِمْتُ في عينيك ذاك لأنني خضعت لقلبٍ هامَ في زُرْقةِ البحرِ وفي نص (عيناك ) يجعل منهما افتتاحاً لمعظم أبيات النص الذي يقول فيه : (عيناك ملهِمتان للشعر الفريد عيناك مفتتحٌ لإيقاع النشيد) وفي استعارة جميلة تشير لقوةِ تأثير العيون على الإنسان حين يقول : (عيناك يستدعيهما داود في تليين أفئدة الحديد) وهو أحيانا بانزياحاته يتوسّع في المعاني حين يقترح مثلاً أخْذ قبلة من العيون مرة، والتحذير من ذبْحِها في أخرى، وفي ذلك تناقض ودلالة على مدى تأثير هذا الكائن الرقيق (العين ) على الإنسان يقول العطية : وحين تغادر نحو المتاهة خذ قبلة من عيون الجميلة ملء النهار ولا تخش ان تذبحكْ ..وهو هنا يذكرنا بقول جرير: يصرعن ذا اللب حتى لاحراك به وهنّ اضعف خلق الله إنسانا كذلك سلمان في نصه ( محاولة لاكتناه عينيك ) يكرر مفردة ( عيناك ) في معظم أبيات النص ، وفي غيرها من النصوص لكنه لم يبرزها في شعره كما تعامل مع رمزية الليل، بعكس العطية فقد أبرز العيون كملمحٍ خاص في شعره . ٢- ( الليل ) كظاهرة بارزة في شعر سلمان : نجد أن الليل ثيمةٌ في شعر سلمان بحضورٍ يفرد سطوته الجمالية بين ثنايا القصائد، ليس على نطاق المفردة فقط ولكن الصورة الشعرية والفكرة ، فالليل ومتعلقاته من نوم وأحلام، وسهر ونجوم مع توظيفها كدوال في معاني عديدة، وفي قوله في نص ( تجلٍّ خفي ) يستعير من الليل نجومه، يقول : (وصدري نجومٌ وراء النهار تحنّ إلى ليلةٍ جالية ) ونلاحظ كثرة استخدامه لمفردات تشير إلى الليل كما في نص (نفثة من حنين ): (هل تذكرين حبيبتي أيامنا (سهراتنا) ليلاً على الشطآنِ وفي نص (تعالي نتيه معاً ) : كم (سهرة) فيها ينادم مقلتي قوس الشفاه وظله الفتان . و في نص (شال متمرّد ) وعانق طرف الشال ويلي كفها كغصنين مشتاقين في (ليلة )العصفِ وفي قصيدة (ملك على عرش الأنوثة ) يشبّه فيه شَعرها بسهره لليالي : (ياشعرك المحلول .. ياسهري الطويل وياتمايل قلبيَ اللاهي بأُنسِك ) وفي مفارقةٍ جميلة يقول : (حُلّيهِ، تنتظمِ القصيدة) وفي نص تفعيلي بعنوان ( تحت سماء المخيلة ) يقول سلمان : (وتصحو إذا أعتم (الليل ) تصحو وتوقِد أحزاني الخامداتِ لتؤنِسَ وحشتها وأنا أتلوّى على نارها فتصهرني الكلمات قصيدة ) إن علاقته مع الليل هي تناصُّ مع واقع الكثير من الشعراء، فنازك الملائكة تقول : (الليل يسأل مَن أنا أنا نبضُه القلق العميقُ الأسودُ أنا صمتُه المتمرّدُ ) وللّيل رمزياته الكثيرة في الشعر وفي الثقافة العربية بشكل عام، ففيه سيلٌ من الدلالات التي تمنح الشاعر رصيداً من أدوات الإبداع والابتكار للصورة الشعرية، فهو يرمز للخلوةِ مع النفس والصفاء الذهني ، ويرمز للتذكّر والحنين والأرق، وأيضا الكثير من المدلولات التي كثر توظيفها في الشعر القديم والحديث. المفردات ودلالاتها : يقول العطيه : (وأسمع رائحة مثل رائحة البرتقال واشتمّ صوت بلال ) في هذا المقطع من النص التفعيلي يجمع التناقضات لتكوين دلالة ربطه بحدوث المعجزات في حال تحقق أمنياته . وهو هنا يعقد في الشعر تبادل أدوار بين الحواس أو مايسمى بتراسل الحواس، بين السمع والشم للإيحاء بما خلف ذلك من مشاعر في دلالة معنوية مؤثرة لدى المتلقي. يقول عبدالله العطية: ( واحتضني عيني لأبصر مافي الكون ) ونجد أن الشاعرين قد يتصادفان في الفكرة ويبتعدان في الأسلوب والصياغات وتشكُّل الصور الشعرية فعلى مستوى العناوين مثلاً، نجد يرى سلمـــان أن المرأة ( صديقة الليل) بينما يراها العطية ( سيدة الفجر )، أما اللقاء فيصفه العطية بأنه (لقاء عميق )، ويجده سلمان (لقاء أعمى) وهكذا . وبشكلٍ عام استطاع كل من الشاعرين توظيف المفردة بِما يتلاءم مع الغرضِ البلاغي المقصود. - اللغة الشعرية لسلمان عبدالله : من سِمات لغةِ شِعره أنها متمرّدة تنطلق من حساسية شعرية مرهفة ومتموجة أحياناً لأنها تجنح لإبراز المعنى عند بعض المقاطع، و للغموض والتلاعب المجازي في أخرى حسب ماتقتضيه السياقات، والغموض كان مَلْمحاً بارزا في عدد من النصوص لديه ومنها نص( ملامح غيبية للضباب) الحائز على جائزة راشد بن حميد و الذي تتجلى فكرة الغموض فيه بِدءاً من عنوانه : فيبدأ بالضباب وينتهي بقصيدة جرح، فتتعالق فيه الاستعارت ليتجسّد الضباب برمزيةٍ خاصة، فهو كما يقول سلمان : (ضباب هدايته أن يضِلّا تبنّاه تيهٌ فيكبر طفلا، فتطفئه عقدة الريح حتى اضمحلّا ) فهو يجسّد الضباب، ليظل كما يقول : (يبحث عن فكرة دون مأوى ليسكنها في خيام من الشعر تحت حِماه ) وقد اعتمد على أسلوب الوصف المتتالي كلمة كلمة كقوله : ضباب يتيهُ يتيه ويخضرُ يحمرّ يصفرّ يبيضُّ يزرَقُ مارا ببستان نخلٍ وورد ) فكل لون هنا هو كنايةٌ عن حالة مختلفة يمر بها (الضباب ) الرمزي . ونلاحظ أن نصوص سلمان التفعيلية أكثر غموضا ومراوغةً مع المتلقي فهو يكتفي بالترميز والتلميح فقط ويترك للمتلقي مساحته الخاصة للقبض على المعنى الذي يجده، وفي نصّه (مختبيء خلف ظله ) يحتمل قابلية للتأويل بدلالة (يفهمه) : يجالس الورد عل الورد يفهمه فقلبه اخضر ّلكن في مداه دمُ اللغة الشعرية لدى عبدالله العطية: نلاحظ أن من ضمن ملامحها استخدام الأضداد ، والميل نحو الغموض، يقول العطية في مقطعٍ من نص ( شرفة من ألق ) يفيض بالمفارقة الداعمة للمعنى وبالإيقاع الموسيقي الذي يتفرّد به بحر المتقارَب : كأني خُلِقت بنارٍ ووجدْ وأنتِ خُلقتِ بماءٍ ووردْ لغته تنوّعت بين الحسّ الفلسفي كما في نص (قبلة من عيون الجميلة ) ويقول فيه : (وحين ترمم ماقد تبقّى من الجرح انس الذي جرحَكْ وحين تجهز ذاتك للرقص كن مؤمنا بالحياة ومارسْ على مهلٍ فرَحَكْ ) وفي القسم الثاني من ديوانه (تناهيد صغيرة) تتسم نصوصه بتكثيف الفكرة والصورة الشعرية في مساحة صغيرة ، يقول في نص (عبرة الحقل) : (لو تذكر النخلاتُ غارِسها لسال التمرُ جمراً واحمرّت الأعذاق وانهارت فسيلات الحقول وأصبحت سيقانها في الحزنِ نخراً ) إبداع يشي بالتجدد: في الديوانين الكثير من مقوّمات الشعريةرغم اتخاذ كل منهما كاريزماه الخاصة .