من حسن حظ الدارسين للمشهد الثقافي السعودي أن الأديب والشاعر والكاتب سعد بن عبدالرحمن البواردي دَوَّنَ جوانب من حياته وتجربته في الكتابة والإصدار الصحفي في السبعينيات الهجرية في محاضرة وافية ومُرَكَّزَة ألقاها في مركز حمد الجاسر الثقافي قبل بضعة أعوام، وفي مقابلة أجراها معه المركز قبل بضع سنوات أيضاً، وكلا المادتين المسجلتين متاحتان في موقع المركز على الشبكة النسيجية- كما يسميها أخونا الدكتور عز الدين عمر موسى. ولعلي أضيف إليهما تلك المقالة الضافية التي كتبها الدكتور محمد الهدلق- رحمه الله-، وهو من عرفه منذ مرحلة الصبا قرابة عام 1373 هـ، ونشرتها صحيفة «الجزيرة الثقافية» في عددها الصادر في 29 ربيع الثاني 1435 هـ، الموافق 1 مارس 2014 م، بمناسبة اختيار المهرجان الوطني للتراث والثقافة في دورته التاسعة والعشرين البواردي مع الأستاذ عبدالله شباط شخصيتي العام، وكذلك مقالة الأستاذ محمد القشعمي عن البواردي المنشورة في هذه المجلة بتاريخ 4 يوليو 2019 م. ولذلك فلست في حاجة هنا إلى تكرار إيراد ما هو معروف من سيرته، وسأكتفي بما رأيت أنه من المهم تسجيله والإشارة إليه في هذه السيرة، مما أعتقد أنه ليس معروفاً على نحوٍ كافٍ. والأديب البواردي شخصية رائدة وبارزة حققت حضوراً متميزاً ومكثفاً على الساحة الثقافية في المملكة على مدى قرابة سبعة عقود. لديه قدرة فريدة على التصوير بالقلم والرسم بالكلمات- تصوير أحوال البشر والمشاعر الإنسانية-، وحقق لنفسه مكانة بارزة في سنوات قلائل من انطلاق رحلته مع الكتابة؛ منذ أن نُشر له أول انتاج ثقافي في عام 1373 هـ. وبالاطلاع على ما كان يُنشر بقلم البواردي في السبعينيات من القرن الهجري الماضي، تمنيت لو أنه- أي البواردي- كان صحفياً متخصصاً في تغطية الشأن الثقافي. وسيأتي تبرير هذا الرأي لاحقاً؛ وسبق أن اقترح الكاتب والصحفي علي أحمد بوخمسين- سكرتير تحرير صحيفة الخليج العربي بين عامي 1380 و1383 هـ- في مقال عنوانه: «واقع الأدباء في بلادنا»، والمنشور في جريدة «قريش»، في 30 رجب 1380 هـ، الموافق 17 يناير 1961 م، أن تضمن الدولة المورد الكافي لمجموعة من أدباءنا ليتفرغوا للاطلاع والإنتاج، واضعاً سعد البواردي في أول القائمة. رحلة البواردي مع الكتابة بدأت بالتجريب في ميدان القصة القصيرة وفي مجال الشعر، وتحديداً في المدرسة الصحفية الوطنية الكبرى آنذاك، صحيفة «البلاد السعودية». فقبل عشرين يوما من تحولها إلى صحيفة يومية، نشرت تلك الصحيفة في العدد 1404، في 10 ربيع الأول 1373 هـ، الموافق 17 نوفمبر 1953 م إعلاناً بعنوان» «بمناسبة صدور الجريدة يومية: قد تكون قصصياً» استهلته بالقول: «أيها القارئ العزيز.. نعم .. قد تكون قصصياً؟ فمن يدري ؟ ربما كنت من المواهب المخبوءة..»؛ وحددت الصحيفة شروط المسابقة وضوابطها، وذكرت مقدار جوائزها التي تراوحت ما بين النقدية للفائزين الأربعة الأُوَل، والاشتراك لمدة عام لبقية الفائزين.» وبعد ثلاثة أشهر نشرت الصحيفة تقريراً عن نتائج المسابقة، ذكرت أن الغالبية العظمى من المشاركين فيها كانوا من الطلاب والموظفين فقط، وأنه من بين كَمٍ كبيرٍ من القصص التي انهالت عليها اختيرت 28 قصة لينتقى منها ما يصلح للنشر، وانتقيت من بينها بالفعل سبع قصص. قصة سعد البواردي التي فازت بالجائزة السادسة- عنوانها «على قارعة الطريق»؛ نُشرت في العدد 1499، الصادر في 13 رجب 1373 هـ، الموافق 18 مارس 1954 م. وشَكَّلَ نشر تلك القصة القصيرة- حسب قوله هو في عدد من المقابلات التي أجريت معه لاحقاُ- دفعة معنوياً كبيرة له، أعطته شحنة معنوية كبيرة شجعته على الاستمرار بالكتابة؛ وسرعان ما أتبعها بقصة- أو أقصوصة- دون عنوان، نُشرت في مجلة «اليمامة» الشهرية، في العدد الحادي عشر من السنة الأولى، الصادر في شوال 1373 هـ، الموافق يونيو 1954 م. وسبقها مقال قصير بقلمه بعنوان «الزورق الغارق»؛ نُشر في صفحة القراء، في العدد الثامن من ذلك العام. كان البواردي آنذاك قد ترك بلدته شقراء واستقر في الخُبَر طلباً للزرق، وعمل في متجر لبيع قطع غيار السيارات. ولعه بالكتابة دفعه لمواصلة مَد الصحف الصادرة في المملكة آنذاك بإنتاج متنوع: المقالة والقصة القصيرة والقصيدة. في صحيفة «البلاد السعودية» التي نشرت أولى قصائده، ثم في صحيفة «أخبار الظهران» التي- لحسن حظه- تزامن صدورها مع فترة إقامته في تلك المدينة، حيث صدرت في مطلع جمادى الأولى 1374 هـ، الموافق 26 ديسمبر 1954 م، بقيادة الأستاذ الكبير الشيخ عبدالكريم الجهيمان. ولحسن حظه أيضاً أن أٌنشئت في ذلك العام مطبعتان في الدمام: مطبعة شركة الخط للطبع والنشر، لطباعة صحيفة «أخبار الظهران»، والمطبعة السعودية التي أسسها الشاعر المعروف خالد الفرج، ونشرت مجلة «اليمامة» في عددها الشهري الثاني من السنة الثانية في صفر 1374 هـ، الموافق لشهر أكتوبر 1954 م خبراً عن تأسيس هاتين المطبعتين. بذلك تشكلت نواة بيئة صحفية واعدة في الدمام والخُبَر، وأقول واعدة لأنها تزامنت أيضاً مع إصدار شركة أرامكو لمجلة «قافلة الزيت» الشهرية، التي صدرت قبل «أخبار الظهران» بعام، في شهر صفر 1373 هـ، الموافق أكتوبر 1953 م. ورغم الإمكانات الضخمة لشركة أرامكو التي كانت تُصدر أيضاً مجلة «عالم أرامكو» باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها لم تنشئ مطبعة في الظهران أو الدمام أو الخبر، بل كانت تطبع المجلة في بيروت حتى عام 1959 م؛ كما أنها لم تسهم أيضاً في تطوير المستوى الطباعي لمطبعة شركة الخط والمطبعة السعودية من خلال طباعة المجلة في أي منهما، وبسبب ذلك لقيت الشركة حظاً لا بأس به من النقد من بعض صحف تلك الفترة. مع ذلك وجد البواردي أن تلك البيئة كانت ملائمة للمضي بطموحه خطوة إلى الأمام، من خلال إصدار مجلة شهرية. وبالفعل أصدر البواردي مجلته- «الإشعاع»- في محرم 1375 هـ، الموافق لسبتمبر 1955 م. وبِشِق الأنفُس- بسبب تواضع الإمكانيات المادية- واصل إصدار المجلة حتى إيقافها مع صحيفة «أخبار الظهران» في شهر شوال 1376 هـ، الموافق لشهر مايو 1957 م. وقد تطرق البواردي إلى تلك التجربة في أكثر من حديث وأكثر من مناسبة ثقافية بما يغني عن الاسترسال في الحديث عن تلك التجربة المهمة. ورغم توقف المجلة وما تبع ذلك من ملابسات، أسهمت تلك التجربة في ترسيخ مكانة البواردي في الساحة الثقافية السعودية، وأصبح شخصية ذات حظوة ورواج في صحافة تلك الفترة، وأصبح متواجداً بكثافة؛ في صحيفة «اليمامة» بالدرجة الأولى والتي أصبح أحد أركانها مع عمران العمران وعبدالكريم الجهيمان وعبدالله بن إدريس وآخرين؛ واحتل انتاجه فيها المركز الأول من بين من أسهموا بالكتابة فيها من حيث عدد المقالات والقصائد بين عامي 1377 و1382 هـ، وكذلك في بقية الصحف، مثل صحيفة «عرفات»، وصحيفة «الندوة»، وصحيفة «الأضواء» التي كانت تصدر في جدة لصاحبيها عبدالفتاح أبو مدين ومحمد سعيد باعشن، والتي وصفته في أحد أعدادها منتصف عام 1378 هـ بأنه من كبار محرريها. جاء ذلك في سياق خبر نشرته «الأضواء» في عددها رقم 82، الصادر في 28 جمادى الأولى 1378 هـ، الموافق 9 ديسمبر 1958 م، وملخصه الآتي: «الأستاذ البواردي: وافقت وزارة المعارف على انتداب الأساتذة أحمد السباعي وعبدالعزيز الرفاعي وسعد البواردي لتمثيل المملكة العربية السعودية في الدورة الرابعة لمؤتمر الأدباء العرب الذي سيُعقد في نهاية شهر ديسمبر في الكويت. ولقد اعتمدت الأضواء الأستاذ الكبير سعد البواردي لكي يوافي القراء تباعاً بواقع هذا المؤتمر أولاً بأول في أيامه الخمسة التي سينعقد فيها. والأستاذ البواردي من كبار محرري الأضواء ومن الكُتاب الذي يُعْتَزُ بهم في مجال الرأي والكتابة... تحية للأدب في رجاله الثلاثة». البواردي في «مؤتمر الأدباء العرب» بعد أقل من خمسة أعوام على فوزه بإحدى جوائز «البلاد السعودية» للقصة القصيرة، ها هو البواردي يمثل بلاده مع رفيقيه الشيخ أحمد السباعي وعبدالعزيز الرفاعي- وانضم إليهم لاحقاً الأستاذ عبدالله شباط- في محفل ثقافي أدبي عربي كبير، وصفته صحيفة «الأهرام» بـ»أكبر دورة للأدباء» (العرب)، حيث ذكرت أنه «لمدة تسعة أيام كاملة اجتمع 193 من رجال الفكر والقلم في الكويت، يبحثون موضوع الدورة الرابعة للأدباء العرب: البطولة عند العرب». عُقد المؤتمر في ثانوية الشويخ، وكان الحدث العربي الثقافي الأكبر في العالم العربي ذلك العام؛ وتزامن عقده مع صدور العدد الأول من مجلة «العربي» التي طَبَقَّت شهرتها الآفاق فيما بعد، وصاحبته فعاليات رياضية شاركت فيها جميع مدارس الكويت بما مجموعه 3304 طالباً وطالبة- حسبما ذكرت صحيفة «الأهرام»-، وحشدت لها تلك الإمارة الناهضة إمكانيات ضخمة؛ وقدمت «فرقة المسرح القومي» التي أتت من مصر أربع مسرحيات في ستة عروض: أربعة عروض للرجال- المشاركون في المؤتمر وأفراد الجمهور- وعرضان للنساء- حسبما ذكرت «الأهرام» أيضاً. وعودة إلى البواردي الذي كانت صحيفة «الأضواء» تنتظر منه أن يوافيها «تباعاً بواقع هذا المؤتمر أولاً بأول»، فلسوء حظ هذه الصحيفة أنها أُوقِفَت قبل أن تصلها أول رسالة من الأديب الشاب ذي النجم الصاعد. عُقد المؤتمر خلال الفترة من 21 إلى 30 ديسمبر 1958 م، وآخر عدد من الصحيفة صدر في 3 رجب 1378 هـ، الموافق 13 يناير 1959 م؛، ولم تكن الإمكانيات الفنية من حيث سهولة الاتصال وإيصال المعلومات متاحة آنذاك مثلما هو الحال اليوم. من جانب آخر، لم يحل توقف صحفة «الأضواء» دون تصوير البواردي للمؤتمر بقلمه وكأنه- أي قلم البواردي- عدسة تسجل ما نوقش في جلسات المؤتمر السبع، وتعقيبات المشاركين وتعليقاتهم، فضلاً عن الفعاليات المصاحبة والزيارات التي نظمتها إدارة المعارف بالكويت للشخصيات المرموقة المشاركة. ومن ضمن تلك الشخصيات أسماء- بالإضافة إلى أعضاء وفد المملكة- مثل الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري والشاعر محمد صالح بحر العلوم والتونسي محمد مزالي والمغربيان عبدالهادي التازي وعبدالكريم الفاسي والسوداني محمد مهدي المجذوب والبحريني إبراهيم العريض والقطري عبدالرحمن المعاودة وعبدالعزيز حسين وعبدالله حسين وعبدالرزاق البصير- من الكويت-، ومن فلسطين عبدالكريم الكرمي وهارون هاشم رشيد، ومن مصر منصور فهمي وعبدالقادر القط وعائشة عبدالرحمن ومن لبنان سهيل إدريس ورئيف خوري وسليم حيدر والسوريون شكري الفيصل وسامي الدروبي والشاعر سليمان العيسى- وكان الوفدان المصري والسوري حينذاك ضمن دولة الوحدة: الجمهورية العربية المتحدة- وغيرهم الكثير. سِجّل البواردي وقائع المؤتمر، ونشرت تلك الوقائع في عدة حلقات في صحيفة «اليمامة»؛ ونشرت أولاها بعد شهر من انتهاء المؤتمر. ولم تغب الجزائر التي كانت حرب التحرير فيها في أوج ضراوتها بين جيش المجاهدين الجزائريين وجحافل المستعمر الفرنسي الاستئصالي. كانت ممثلة- حسبما نقل البواردي- بعثمان سعدي والمجاهد الشاعر صالح خَرفي الذي أتحف المشاركين بقصيدة قال فيها: مِن مِنبَرِ الأورَاسِ حتى المَجمعا فالضادُ والرشاشُ قد نَطَقا مَــعا فانظُر هنا تَجِدِ البطولةَ مِنبراً وتَرى البُطولَةَ في الجَزائرِ مِدْفَعا لم يٌغفِل البواردي في تلك التغطية البديعة والوافية تصوير بعض المُشادات خلال المؤتمر. كان ترتيب كل جلسة أن يلقي مُحاضِر واحد في كل جلسة محاضرته عن جانب من جوانب البطولة عند العرب، ويكون إلى جانبه رئيس للجلسة يقدمه للجمهور ويدير الحوار بينه وبين اثنين من المعقبين المختارين للجلسة، ثم يتيح المجال للنقاش بين المحاضر وبين المشاركين في المؤتمر. وأتى دور الدكتور صلاح خالص من العراق ليلقي ثاني محاضرات المؤتمر عن موضوع «البطولة كما يصورها الأدب العربي بعد ظهور الإسلام حتى سقوط بغداد»، تطرق فيها إلى الأنبياء والرسل. وبعد أن أتم قراءتها فتح رئيس الجلسة محمد مهدي الجواهري المجال للمُعَقِبَين الشاعر سليم حيدر والدكتور عبدالهادي التازي ليعلقا على المحاضرة ويناقشا ما ورد فيها. الشاعر سليم حيدر وجه نقداً قاسيا لمحاضرة صلاح خالص، واستهجن وصفه للعلويين والخوارج على أنهم أبطال على وجه العموم. كتب البواردي في تغطيته التي وقعها باسم «شاهد عيان» أنه «عندما وصل سليم حيدر إلى القول: «لقد كدنا نكفر دون أن نشعر»، ويقصد بذلك امتهان قدسية الرسالة السماوية، نهض رئيس الجلسة الشاعر الجواهري محتداً ومطالبا حيدر بالصمت، لأنه- حسبما ذكر البواردي- «يثير حماس الجماهير ويحاول أن يخلق مجزرة. إلا أن الجماهير في قاعة المحاضرة طالبت الدكتور حيدر بأن يسترسل في كلامه بحجة أنه في مؤتمر أدباء وأول شرط فيه حرية الرأي، «وأن بوسع المحاضر أن يرد عليه ويدافع عن رأيه عندما ينتهي حيدر من تعليقه، وأن يحتكما إلى الجمهور بعد ذلك. إلا أن وقفة الجمهور في صف معلق لبنان أثارت ثائرة الجواهري فنزل عن كرسي الرئاسة وهمَّ بالخروج مع وفد بلاده، لولا أنه أدرك بحسن نية الغلطة أو الثغرة التي سيوجدها في حال خروجه؛ فما كان منه إلا أن استجاب لبعض من ناشدوه أن يعود، وعاد، عاد إلى مكانه كرئيس للجلسة...» ويواصل البواردي القول: «المهم يا أخي أنَّ دُخّاناً بدأ يتصاعدُ في أُفق القاعة فيشكل غيوماً سوداء تتكاثف هنا وهناك، لقد بدأت تتسرب تيارات الحُكم- يقصد السياسة- فتمتزج بوحدة الأدب. أنا لا أقول يا أخي إن الأدب ليس سياسياً...». وقد أشارت «الأهرام» إلى تلك الحادثة بخبر جعلت عنوانه: «البحث الذي من أجله أُغلِقَت جريدة كويتية»، حيث ذكرت أن «البحث الثاني الذي ألقاه الدكتور صلاح خالص عن العراق كان سبباً في إغلاق جريدة «الفجر» الكويتية. وأفادت بأن «الجريدة هاجمت بحث الدكتور خالص، وكتبت تقول إنه عندما حاضر الدكتور خالص عن الأدب في صدر الإسلام لم نستمع إلا لمقال حزبي توجيهي ماركسي بحت، توصل فيه الدكتور الفاضل إلى إنكار كل بطولات الإسلام، واعترف بلباقة بأن ثمة بطولة واحدة هي ثورة القرامطة التي حدثت في أواخر العصر العباسي، وكانت دعوة اسماعيلية لإيقاظ القومية الفارسية... وقد حدثت أزمة كبيرة في المؤتمر بسبب هذا البحث...». ومعروف أن جميع الصحف الخاصة قد أُوقفت وأن جميع الأندية الثقافية في الكويت قد أغلقت ذلك العام، على أثر الزاوبع التي أحدثها إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في شهر فبراير ثم انقلاب عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف على الملكية في العراق في 14 يوليو من ذلك العام، والهيجان الذي تسببا به في الكويت. بقي أن يعرف القارئ أن البواردي هو الذي ألقى كلمة المملكة في حفل افتتاح ذلك المؤتمر، بالإضافة إلى قصيدتين حيا فيهما باسمه وباسم زملائه منظمي المؤتمر والمشاركين فيه، حسبما ذكرت صحيفة «الخليج العربي» في أحد أعدادها خلال تلك الفترة. ذلك المؤتمر وكثافة التفاعل بين المشاركين فيه أتاح للبواردي فرصة ثمينة للتعرف وبشكل مباشر على مستوى آخر- مستوى أشمل وأوسع أفقاً- من الواقع الأدبي والفكري في العالم العربي، مستوى لم يعهده في البيئة الثقافية المحلية التي نشأ فيها. ويعادل ذلك في الأهمية العلاقة الوثيقة التي توطدت بينه وبين زملائه المشاركين من المملكة: عبدالعزيز الرفاعي وأحمد السباعي وعبدالله شباط. وشاهد ذلك أن عبدالعزيز الرفاعي أناب سعد البواردي بعد خمسة أشهر من تاريخ المؤتمر لإلقاء محاضرة له بعنوان: «العرجي: الفارس الشاعر»، في الموسم الثقافي لجامعة الملك سعود، حسبما ذكرت صحيفة «الخليج العربي»، في العدد 39، في 13 ذو القعدة 1378 هـ، الموافق 20 مايو 1959 م. وأحمد السباعي نشأت بينه وبين البواردي علاقة فكرية و»فلسفية» دفعت بالبواردي إلى تخصيص إهداء كتابه «فلسفة المجانين» الذي صدر لاحقاً للشيخ السباعي، ولهذا الموضوع صلة سيتم التطرق إليها في الجزء القادم من هذا المقال. أما عبدالله شباط فقد أرادت مشيئة الله أن يُكَرَّمَ مع البواردي في موسم المهرجان الوطني للتراث والثقافة عام 1435 هـ، بصفتهما شخصيتا العام الثقافيتين. 24 جمادى الأولى 1446 هـ، الموافق 26 نوفمبر 2024 م