ظاهرة أسامة المسلم!
أزعم أنني من المهتمين والمتابعين لأخبار ساحتنا الثقافية والأدبية, غير أنني, وأقولها صادقًا, فقط منذ شهرين أو أقل, بدأت أسمع عن اسم هذا المبدع السعودي, أو الظاهرة ( أسامة محمد المسلم), والذي وصف هو نفسه بأنه أشهر كاتب غير معروف, ويقصد في الوسط الثقافي. بدأتُ أسمع عنه تحديدًا بعد مشاهدة تلك الحشود الحاشدة, والتدافع وحالات الإغماء بين الجماهير الغفيرة التي تتزاحم كي تصل إليه وتشاهده, وإن لم تحصل على توقيعه, وأين؟ في مصر والكويت والمغرب والجزائر والأردن. ولك أن تتخيّل عشرات الآلاف, من المراهقين تحديدًا, يقفون في طوابير من السابعة أو التاسعة صباحًا, وغالبًا تحت الشمس, بينما موعد حضوره لمعرض الكتاب عند الثالثة عصرًا, ما يتسبب عادة في إرباك المنظمين للمعرض, في أي بلدٍ يذهب إليه, ويضطرهم في الغالب لإيقاف حفل توقيعه حفاظًا على حياة الناس. ناهيك عمّا شاهدته بأمّ عيني من تزاحم الناس حوله في معرض الرياض الدولي للكتاب 2024م, “ في مشهدٍ، أشبّههُ بتزاحم النمل على قطعة حلوى”. قلّ أن تجد كاتبًا يكتسح نجوميّة الرياضيين والسينمائيين والمطربين, وحين يوجد هذا الكاتب يكون سعوديًّا, فأيّ حبورٍ وأيّ فخرٍ قد جلبه لنا نحن السعوديين, غير أنّ هذا الفخر وهذه الغبطة الغامرة, لم تكبح جماح الأسئلة التي اندلقت على ألسنتنا, تجاه هذا الكاتب الظاهرة, وأهم هذه الأسئلة: متى؟ وكيف؟ متى عرَفَتْه كلّ تلك الحشود في مصر والمغرب والأردن والجزائر, وكافة البلدان العربية, وحتى في كردستان والصين كما يقول هو, متى عرف كلّ هؤلاء اسم هذا الكاتب السعودي؟ ومتى طالعوا رواياته؟ قبل أن يسمع عنه أو يعرفه الوسط الثقافي السعودي. في لقاء معه على قناة العربية, يقول قدّم على طلب عضوية النادي الأدبي في محافظته الأحساء, ولم يحصل عليها. كيف استطاع الوصول إلى مختلف شعوب العالم العربي, وعلى هذا النحو من التمكين والشغف والتعلّق, حتى باتت جماهيره على استعداد للمخاطرة بحياتهم, مقابل الظفر بمشاهدته, ولا أدل مما حدث في المغرب مع الشاب أمين الذي قدم من خارج الرباط, وبات على الرصيف, وفي النهاية لم يتمكن من الوصول إلى أسامة إلا في مناسبة أخرى, بعد أن نُقِلتْ إليه إحدى الصحفيّات حكايته. لا أبالغ إذا قلتُ إن البعض قد راح يُعْزِي ظاهرة أسامة المسلم الخارقة للجن؛ زاعمًا أنها هي التي طارت باسمه وبرواياته في أصقاع المعمورة, وهي التي اصطنعت له ولها ذلك الولع في قلوب الناس. سيّما والجن والسحر والطلاسم, هي مادته الخام في رواياته كما أسمع, أو على الأقل في الجزء الأول من روايته “ خوف”, والجزء الأول من روايته “ عرب استان”, اللذين اطلعتُ عليهما, فكأنني كنت أشاهد بعض الأفلام الصينية, ذات الخيال الأسطوري الخارق لنواميس الطبيعة, وكأنني أشاهد أبطالها الكهول وهم بلحاهم البيضاء الطويلة يطيرون في الهواء, ويعيدون القتلى من أتباعهم إلى الحياة, لتستمرّ حروبهم التي لا تنتهي. ناهيك عن قوله بأنه لا يكتب إلا في غرفة مكتبه السوداء السقف والجدران بالكامل. كما قلتُ, السؤال هو متى؟ وكيف؟ متى عرفته كل هذه الجماهير؟ وكيف استطاع تحقيق هذا الوصول الكاسح, لكل هذه الجماهير العريضة؟ كيف استطاع في أقل من عشر سنوات إصدار اثنين وثلاثين رواية؟ ( من 2015 إلى 2024). لا أتصور أنّ كاتبًا يستطيع اصدار ثلاث روايات في السنة, ليس هذا وحسب, بل جميعها تحقق نجاحًا منقطع النظير. هو يعزو هذه الثورة القرائية التي أحدثها في جيل الآيباد إلى الفنتازيا, ويدين بهذه الفنتازيا لكتاب “ ألف ليلة وليلة” الذي رافقه في نشأته. لكن الروائي الجزائري واسيني الأعرج لم يكن فنتازيًّا, رغم أنّ أول كتاب عربي رافقه في حياته هو ألف ليلة وليلة. إذًا يكفينا أن نفرح ونفخر بولادة نجم سعودي قلّ نظيره في العالم. هل قلت في العالم؟ عفوًا.. نسيتُ هاري بوتر.