الكتابة ووهم المعاناة.

هل يجب أن يعاني الكاتب حقا لكي يبدع؟  هل لابد للنصوص أن تنضج في تنور الوجع حتى تليق بمائدة الإبهار؟  وهل للكاتب المبتهج السعيد أن يهب العالم حرفا يحتوي إحساسهم كما يفعل الكاتب الموجوع؟  على الأرجح أن فكرة ارتباط الكتابة المبدعة بالألم لم يخترعها الكاتب وحده، بل ساهم المتلقي في صنعها وتضخيمها وصار لزاما على الكاتب أن يتلبسها حتى يكون مقنعا لنفسه التي آمنت بالفكرة ثم للقارئ.  ما يغيب عن فهم الكثيرين أن الكتابة فن والفن (حالة تلبس) لشعور أو لفكرة وليس التلبس بذاته هو المهم، بل الطريقة التي يمنتج بها الكاتب نصه ليظهر بها الفكرة هي الأهم.  يبدو الكتَّاب مثل الحواة يدخلون اللغة في جيوبهم منديلا ثم يخرجونها حمامة بجناحين، فالمهم إذن هو روح المهارة وليس خام المعاناة.  ولكن القارئ الذي ابتلع غصة الحزن، والفقد والحرمان يرى أن هذه المشاعر هي وحدها التي كشفت له عمقه، سحبته إلى قاع إحساسه حيث يرى نفسه بصدق عاريا من الحيلة والبهجة وكل تلك التفاصيل التي كان يلون بها وجه الحياة العبوس، لذا فهو يرى أن الحزن والوحدة وما شاكلها من المشاعر هي العتبة الوحيدة التي يعبر بها الناس نحو أعماقهم، وهو يفترض أن الكاتب بكامل أناقته ووهجه ينحت نصوصه بين قيعانها. ربما لا يستطيع أن يتخيل أن كاتبه المفضل يكتب نصه المرتعش ألما بين أكوام من طلبيات البيتزا وعلب المشروبات الغازية والمكالمات الضاحكة مع أصدقائه وضجيج برنامج يتابعه بنصف انتباه. وهو كمتلق ٍ يتأمل من بعيد، لن يستطيع استيعاب بداهة الصنعة ولا معقولية إنتاجها مثل أصحابها.