المبدع والناقد الأدبي أيهما يحتاج للآخر؟.

ما دمتُ سأكتب عن الإبداع والنقد الأدبي, وهنا في مجلة اليمامة خاصّة, فسأبدأ بتحية تقدير وعرفان ووفاء لكل النقاد الكرام الذين لا يكاد يخلو عدد في اليمامة من حضورهم الوازن, ومواكبتهم الحثيثة بالقراءات النقدية لكثير من الإصدارات الأدبية الإبداعية في ساحتنا الثقافية, ليس في اليمامة وحسب وإنما في كثير من المجلات والصحف السعودية, وقد حملوا على عاتقهم هذا الدور التاريخي باقتدار, منذ بدأت الصحف السعودية إصدار ملاحقها الثقافية, وبالتأكيد من قبل. وقد كنت ممّن شرّفه بعضهم بالوقوف أمام بعض قصائدي في تلك الملاحق, أو تحدثوا في كتبهم عن ديواني الأول “ بوصلة واحدة لا تكفي”. قطعًا أنا ممتنٌّ لهم وأشكرهم جزيل الشكر, لكني أطلب العذر منهم عمّا سأقوله الآن, وقد فتّشتُ في تلافيف ذاكرتي وفي نصوصي, عن آثارهم, عن تأثير أيّ ناقد عليّ, كرافد إبداعي أفدتُ منه أثناء كتابتي لنصٍّ أدبي, فخلصتُ إلى عدم وجود أيّ أثر أو تأثير لهم. ما يعني أن المبدع سيبدع بهم أو دونهم, ولا أتفق مع من يعتقد بأن النقد هو الذي يقود الإبداع ويوجّهه, لأن النقد منذُ وُجِد وهو تابعٌ غير متبوع. نعم أعترف أنّ كتابة أيّ ناقد عني كان لها بالغ الأثر في ثقتي بنفسي, وعمِلتْ بشكلٍ أو بآخر على تقديمي للآخرين, وبالتأكيد فرحتُ بها وملأتْ وقتي غبطة وسرورًا, لكن وبكل صدق وأمانة, لم أقرأ ما كُتب عني سوى مرة واحدة, ثم نسيتُ من حينها كافّة تفاصيل ما كُتِب, وربّما كان شأني في ذلك شأن آخرين غيري كُثر. ومع ذلك لن أظلم النقد الأدبي لدينا, وأحصر دوره في الإشهار فقط, كلا. وأبرّر إقحامي لنفسي هنا, بأنني قَصَدتُ الاستعانة بمثال واقعي ملموس ويقيني بالنسبة لي, ما دمت أصدر في ما سأقوله عن قناعتي الشخصية, والمتمثلّة في الجزم بعدم حاجة المبدع الحقيقي للنقد. ربما احتاج المبدع للإشهار في الإعلام والميديا وفي الكتب, أمّا النقد الأدبي, ومثله المؤسسة الثقافية الأدبية, فهما من يحتاجان للمبدع, بل إنّ حاجتهما للمبدع تكاد تكون وجوديّة, أليس هو السبب في وجود كليهما؟ ولكي لا يبقيان تحت رحمة هذا المبدع, وطبعه الحاد النرجسي ذا النزعة الاستقلالية, نجد الناقد ينشغل عن إبداعه بالدرس التنظيري وبملاحقة النظريات, أمّا المؤسسة الثقافية فتضطرّ إلى صناعة أنصاف مبدعين, وتظلّ تغدقُ عليهم وتروّج لهم, لتكتسب من خلالهم مشروعيّة بقائها. ما من شك في أنّ انتعاش النقد مؤشر قويّ على انتعاش الحركة الإبداعية عمومًا, ذاك أنّ الناقد الذي كان يلعب دورًا هامًا في تطوير التصوّر الجمالي لدى القارئ, من واقع النصوص الأدبية, قد بات هو أيضًا قارئًا ومبدعًا في آن, ويجنح نحو الاستقلال بفنّه, تقوده وتوجّهه النظريّات الأدبية؛ نظريات التلقّي, الفلسفة, والهرمنيوطيقا, خاصةً في ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة, ناهيك عن النقد الثقافي. وبعد أن كان الناقد قارئًا للنص, أصبح مبدعًا آخر له, كما أصبح هناك ما يُعرف بنقد النقد أو الميتا نقد. غير أنّ الحقيقة التي يصعُبُ تجاهلها, ولا مراء فيها, تقول: لا امرؤ القيس, ولا المتنبّي, ولا الطيّب صالح, ولا أحلام مستغانمي, ولا أسامة المسلم, كانوا بحاجة للنقد الأدبي والنقاد عندما فرضوا أنفسهم بإبداعهم, وبإبداعهم فقط ولا شيء سواه, دوّنوا أسماءهم في سجل الخالدين. وغيرهم الآلاف في شرق العالم وغربه, قديمه وحديثه. أرجو أن لا أكون بصراحتي هذه, قد نصبتُ نفسي هدفًا لسهام النقاد, أو أوغرتُ صدر المؤسسة الثقافية وألّبتها على شخصي الضعيف, فأزيد الطين بلة, الله يستر.