الناقدة السعودية الدكتورة سمر السقا:

أعمال الأدباء السعوديين تعكس الصراع بين التمسك بالهوية والانفتاح على العالم.

الناقدة الدكتورة سمر السقا، إحدى الوجوه النقدية الواعدة في المملكة العربية السعودية، هي أستاذة جامعية متخصصة في الأدب والنقد، وإحدى المدافعات عن قضايا المرأة، لها إسهامات ومشاركات ثقافية وفكرية كثيرة، تولت لسنوات أمانة اللجنة الثقافية بكلية الآداب بجامعة الجوف، فقامت بتقديم المشاركين في الملتقيات الفكرية، مع عنايتها بطرح الأسئلة المناسبة والمداخلات التي كان من شأنها إثراء تلك الندوات. صدر لها مؤخرًا كتاب مهم عنوانه (مكابدات الهوية) وهو ما يقودنا لطرح هذا السؤال المبدئي: •لماذا اخترت عنوان كتابك (مكابدات الهوية)؟ ولماذا كانت الهوية مقصدًا لانشغالاتك النقدية ومحطة الارتكاز والفاعلية لديك؟ حاولت في كتابي “مكابدات الهوية” تسليط الضوء على معاناة الهوية في مواجهة تحديات العصر وأبرز مظاهره المتمثل في الصراع الحضاري والعولمة والاغتراب. المجتمع العربي بشكل عام والسعودي بوجه خاص يواجه مخاطر عديدة وجسيمة تقوده للابتعاد عن هويته في ظل التغيرات الثقافية والمجتمعية وتأثير العولمة عليه؛ وهذا مكمن الخطر؛ مما يبرز أهمية الدعوة إلى تعزيز الهوية والتمسك بها وضمان استمراريتها وثباتها في وجه كل هذه التحديات والأخطار. • ما الهدف الرئيس من قيامك بتأليف هذا الكتاب؟ ربما تمثل الهدف الرئيس من الكتاب في تسليط الضوء على معطيات الهوية العربية وإبراز قوتها وصلابتها من خلال تمسك أصحابها بالقيم المجتمعية العربية والحضارية المكتسبة من خلال نقد النص الأدبي العربي . وحاولت من خلال تحليلي لبعض الدراسات كشف الجوانب الجمالية والفكرية المتعددة الأنماط والصور المؤكدة على التمسك بالهوية والدفاع عنها دون التضحية بأي مكون من المكونات المجتمعية الأساسية . •أهديت كتابك لابنتك وحفيداتك بوصفهن فتيات مستقبل المملكة. وأكدت على أن العهد الحاضر تنال فيه المرأة السعودية حريات كثيرة؛ داعية إياهن لاستكمال المسيرة مع غد مفعم بالاعتزاز والآمال وتمكين الهوية. - مما لا شك فيه أن المرأة السعودية في العهد الحالي نالت حقوقًا كبيرة واكتسبت مكانة رفيعة ما كانت لتحلم بها من قبل؛ وذلك بفضل قيادة المملكة الشابة الرشيدة الواعية بالحقوق والواجبات المواكبة لمتطلبات العصر واحتياجاته من أجل رؤية مستقبلية واعدة للمملكة ودورها الإقليمي والحضاري، وهو ما يتطلب – بالضرورة- من فتيات المملكة وشاباتها ونسائها الكثير من العطاء ردًا للجميل وحفاظًا على هذه المكتسبات وتنميتها مجتمعيًا وفكريًا وحضاريًا. • هل باتت الهوية هاجسًا ملحًا يتطلب الانتباه له؟ وما مقومات ترسيخ الهوية من وجهة نظرك؟ -نعم.. أرى أن الهوية أصبحت هاجسًا ملحًا للحفاظ على وجودنا وخصوصيتنا العربية؛ وهو هاجس يتطلب منا جهودًا كبيرة واهتمامًا خاصًا حتى لا يسقط أبناؤنا في مصيدة العولمة والاغتراب، لا سيما في ظل التحديات الحضارية الحديثة والانفتاح الثقافي على الشرق والغرب والتحولات المجتمعية والفكرية الكبيرة التي طرأت في السنوات الأخيرة على مجتمعاتنا العربية وأسهمت في الدعوة إلى إعادة النظر في مفاهيم سابقة كانت تُعد مسلّمات في الماضي، مما كان له كبير الأثر في الحاجة إلى فهم الهوية والحفاظ عليها في ظل التغييرات السريعة، وعلى رأسها التمسك بالهوية العربية والإسلامية، مع فهم واستيعاب المنجزات الحديثة دون التفريط في خصوصية الهوية الثقافية. نعم. ندعو إلى استحضار التراث العربي الأصيل والاستفادة من قيمه الجمالية والفكرية كأساس للهوية، مع الدعوة في الوقت نفسه إلى الحفاظ على التوازن بين الفردية والانتماء الجمعي؛ مما يسهم في بناء مجتمع قوي قادر على مجابهة كل التحديات الخارجية، ولا شك أن تحقيق مساواة المرأة مع الرجل وفق الحقوق والواجبات المتطلبة من كليهما إنما يكون في صالح نمو المجتمع وتطوره، ولا تمثل هذه المكتسبات أي تعدٍ على الهوية أو تنازلاً عن مقوماتها؛ لأن الهوية الثقافية إنما تقوم على ترسيخ القيم وطرح التصورات المستنيرة المتوازنة . • هل نجح الإبداع السعودي المعاصر في التعبير عن قضايا الهوية في ظل التغيرات والتحولات المجتمعية؟ - أبدع الأدب السعودي الحديث في التعبير عن قضايا الهوية بصور عديدة وفي أنواع أدبية مختلفة، حيث عكست الأعمال الأدبية التي صاغها الشعراء والأدباء السعوديون الصراع بين التمسك بالهوية والانفتاح على العالم، وتناولت أعمالهم قضايا التحديات الاجتماعية والفكرية بوعي نقدي متزايد، وهو أمر من شأنه أن يسهم في تعزيز الشعور بالهوية والانتماء . •هل كان طرحك لمفهوم الهوية في إطاره الخاص (الهوية السعودية) أم الإطار العام (الهوية العربية)؟ - ناقشت الهوية من منظور شامل، وركزت على الهوية العربية بشكل عام، مع إشارات إلى خصوصية الهوية السعودية ضمن هذا السياق، كما تناولت مفهوم الهوية العربية وعلاقتها بالتحديات الثقافية التي تواجهها وضرورة التجاوب الحذر مع معطيات العصر الحديث، كما اكدت على أهمية استحضار الهوية العربية عبر العصور الأدبية المختلفة، فقد كانت دومًا موجودة، وأوضحت أهمية تعزيز هذه الهوية دون التخلي عن قيم المعاصرة والانفتاح على التطورات العالمية، كما حرصت على تسليط الضوء على رؤية المملكة العربية السعودية 2030م كمثال على كيفية التوفيق بين التمسك بالهوية والاستفادة من التطور الحضاري. •ما المحاور الرئيسة التي اشتمل عليها كتابك وأسباب اختيارك لهذه التقسيمات؟ - تناول الكتاب أربعة محاور رئيسية لصور الهوية: •رمزية المرأة في الشعر العربي بين الواقع والمثال، حيث رصدت فيها صورة المرأة في الأدب العربي بوصفها رمزًا للهوية. • مناوبة الصوت والصدى في مراثي المدن والديار، وركزت فيه على استدعاء التراث واستحضار الماضي في ظل الحاضر. • جماليات التناقض في بناء النص الأدبي، وقدمت التناقض في الإبداع الأدبي بوصفه قيمة جمالية وإبداعية يتم من خلالها التعبير عن مختلف قضايا الوجود المعاصرة. • استنطاق الجسد ورمزية المرأة، وحاولت فيه الغوص العميق في تاريخ المرأة السعودية ورحلة بحثها في اكتشاف ذاتها وهويتها من خلال الوقوف على قصيدة لأحد كبار شعراء المملكة، مع محاولة استكشاف أبعاد الهوية من خلال كشف دلالات بعض الرموز الجسدية. أما عن أسباب اختياري لهذه المحاور فلأنها – من وجهة نظري- تمثل كلها أبعادًا مختلفة من سياقات الهوية العربية وتسهم في تقديم رحلتها الطويلة مع تقديم تصوّر شامل حولها . •ما الأسباب التي دعتك لاختيار نماذج إبداعية بعينها لتقومي بدراستها وتحليل أنساقها الفكرية والجمالية؟ - العينات المختارة للدراسة تعبر بعمق عن الهوية العربية في عمومها والهوية السعودية في خصوصيتها، وقد مكنتني من أن أسلط الضوء على مختلف الجوانب الفكرية والجمالية لأبعاد الهوية. هذه النصوص تمثل الرد الحقيقي على تحديات العولمة ودعاوى الاغتراب، وكلها تعزز في دوافعها وأهدافها إلى تعزيز الانتماء للعروبة والتمسك بالهوية العربية في مواجهة التغريب. •كتبت في مقدمة الكتاب أن المرأة السعودية نالت مؤخرًا حقوقًا كثيرة كانت تحتاجها، ما أبرز هذه المكتسبات من وجهة نظرك؟ - بالتأكيد ومما لا تخطئه العين أن المرأة السعودية نالت عديدًا من الحقوق والمكتسبات التي كانت تطمح إليها منذ زمن، مثل زيادة فرص التعليم والعمل والمساواة مع الرجل في مجالات متعددة، ومن المؤكد أن هذه المكتسبات عززت من حضور المرأة السعودية ومنحتها دوراً فعالاً في المجتمع، وأتوقع أن ننتظر منها رد الجميل بالعطاء أكثر للوطن والتفاني من أجل خدمته والدفاع عنه بمختلف السبل، والمرأة عنصر مهم في المجتمع يمتلك الكثير من القدرة على العطاء بمختلف صوره وأشكاله. • كيف كانت كل النصوص الإبداعية التي قمت بتحليلها ونقدها وكشف أفكارها وجمالياتها تؤكد على الهوية وتدفع إلى التمسك بها؟ ما أبرز مظاهر هذا التأكيد؟ - تعكس النصوص المختارة جماليات الهوية وتدعو إلى أهمية التمسك بها، سواء أكان ذلك عبر استدعاء التراث أم تقديم رؤى حديثة للهوية، وقد عملت هذه النصوص على إحياء القيم الثقافية المتوارثة مع الحرص على ارتباط الأجيال بها، مما يقود إلى تعزيز الهوية من خلال مزجها برؤية عصرية . •تحدثت عن أربع صور للهوية في كتابك ومثّلت على كل صورة بدراسة. كيف جاءت هذه الصور؟ شملت صور الهوية رمزية المرأة في الشعر العربي، وتجديد التراث الأدبي من خلال مراثي المدن، وجماليات التناقض في النصوص، وأخيرًا: استنطاق الجسد ورمزية المرأة. وقد حرصت في كشفي لمعطيات كل صورة من هذه الصور على أن تعكس جانبًا من جوانب الهوية العربية وتسلط الضوء على قضية محورية من قضاياها. هناك نصوص أكثر بكثير تنتظر من يقوم بالاشتغال عليها ودراستها بعمق وشفافية • في خاتمة كتابك أشرت إلى أن قضية الهوية متحققة لدى كثير من الكتاب العرب والسعوديين، وأنها تحتاج فقط إلى من ينقب عنها ويكشفها وأن هناك نصوصًا إبداعية أخرى لمبدعين سعوديين وغير سعوديين معاصرين تنحاز لجانب تأكيد الهوية. ماذا ينقصنا لتناول هذه النصوص وما أبرز ما جاء فيها؟ - هناك حاجة ملحة لقيام دراسات نقدية أعمق تسلط الضوء أكثر على هذه النصوص الإبداعية، وقد سعيت لإبراز جماليات عدد من هذه النصوص الشعرية والنثرية وتوقفت بالتفصيل أمام تفاعلها مع الهوية، لكن تبقى بالتأكيد هناك نصوص أكثر بكثير تنتظر من يقوم بالاشتغال عليها ودراستها بعمق وشفافية لاستخلاص قيم الهوية فيها، وأتمنى أن يمكنني الله من تناول إبداعات أخرى في كتابات مستقبلية قد تضيف المزيد من التفصيل على هذا الموضوع بالغ الأهمية وهو: موضوع الهوية