صورة العرب بعيون العالم.

من المفيد أحياناً أن نرى ذواتنا في عيون الآخرين، وأن نُقيّمها من خلال منظورهم ومقاييسهم وزوايا تعاملهم مع الأمور. فمُراجعة النفس ضرورية ووسيلة لا بدّ منها، خاصّة عندما تكون تلك الآراء موضوعية وبعيدة عن التّحامل والانتقاص، وذلك لوضع اليد على مكامن النقص وجوانب القوّة، لإحداث التغيير المطلوب أو تعزيز الصفات الحميدة. ولو حاولنا أن نستشفّ صورة العرب في الدول الغربية، وخاصّة في «الولايات المتّحدة»، لوجدناها صورة سلبية، تمتدّ جذورها إلى أيام الحروب الصليبية، وهي موثّقة في العديد من المؤلَّفات والأعمال الكلاسيكية الغربية القديمة، مثل «الكوميديا الإلهية» لدانتي في القرن الثالث عشر، وقد سبقته قصائد «أُغنية رولاند» الفرنسية في القرن الثاني عشر، وكتاب «حياة محمد» الذي صدر في القرن التاسع عشر، للقسّيس «جورج بوش»، وهو أحد أسلاف الرئيسين الأمريكيين السابقين. ومن الأمثلة الأخرى على ذلك؛ الدور السلبي الذي لعبه بعض المُستشرقين في مؤلّفاتهم عن البلاد العربية، والموثّقة في كتاب «الاستشراق» للمُفكّر العربي الأمريكي «إدوارد سعيد». ومن أهم الكُتب التي توثّق التحيّز ضدّ العرب، والتأييد المُطلق للكيان الإسرائيلي؛ كتاب «صورة العرب في وسائل الإعلام الأمريكية» للكاتب العربي الأمريكي «د. إدموند غريب»، حيث يقول السناتور العربي الأمريكي وعضو مجلس الشيوخ السابق «جيمس أبو رزق»، في تقديمه للكتاب: «إن الحقيقة المؤسفة هي أن رؤية مُعظم الأمريكيين للوضع في «الشرق الأوسط» مُشوّشة، منذ العام 1948، وذلك بالعرض غير المتوازن في وسائل الإعلام الأمريكية». ويُضيف «أبو رزق»: «لقد رأينا جميعاً إعلانات فبي الصُّحف، من قِبَل جماعات يهودية ذات طبيعة عُنصرية مُتطرّفة، تسعى لتهييج وإثارة الجماهير الأمريكية ضدّ العرب. والهدف الأساسي لهذه الحملة هو تصوير جميع العرب بأنهم جشعون أو مُسرفون أو لُصوص»! ويؤكّد «أبو رزق»: «أن استمرار الدعم الأمريكي للكيان، يعود إلى أن «الكونجرس» يعتمد أساساً على التبرّعات المالية من الصهاينة المتطرّفين. إنّ صمتْ «الكونجرس» جديرٌ بالازدراء، فقد اشترى اللوبي الإسرائيلي AIPAC ولاء بعض أعضاءه وهُم يخشون انتقاده»! وقد لخّص المُفكّر والباحث الأمريكي المعروف «نعوم تشومسكي» هذا الوضع جيّداً، حين قال: «إن الصحافة الأمريكية تُمارس الخِزي والعار بصورة مُنتظمة، بنشر رسوم كاريكاتورية لعربٍ مُصمّمين على تدمير الحضارة الغربية؛ عن طريق زيادة أسعار النفط. ولو نُشرت رسومٌ مُماثلة لليهود، لتعرّضت للإدانة والاتّهام بمُعاداة السامية»! وليس هناك كاتب ارتبطت أعماله بكشف الصورة السلبية للعرب في السينما والتلفزيون الأمريكي، كالأكاديمي العربي الأمريكي «د. جاك شاهين»، حيث استعرض في كتابه «العرب الأشرار في السينما»، أكثر من 900 فيلم أمريكي أنتجتها «هوليود» وظهرت فيها شخصيات عربية، وجد أن 12 فيلماً فقط منها تُقدّم صورة إيجابية للعربي، و50 فيلماً تُقدّم صورة مُتوازنة، في حين أن البقيّة وهي الأغلبيّة تُقدّم صورة سلبيّة»! ولكن في الحقيقة فإن الوضع ليس بهذا السوء، فعلى الصعيد الإيجابي لا بدّ من الإشارة إلى الدور المُهمّ الذي تلعبه المُنظّمات العربية والإسلامية بشكل عامّ في مواجهة التطرّف وحملات الكراهية والانحياز ضدّ العرب في وسائل الإعلام الأمريكية، وفي مُقدّمتها «اللجنة العربية – الأمريكية لمُكافحة التّمييز» ADC، وقد حقّقت هذه المُنظّمات نجاحات في الكثير من أعمالها. وبالانتقال إلى الجانب الآخر من العالم، لنستكشف صورة العرب في إحدى دوَل جنوب شرق آسيا المُهمّة، وبالتحديد في «اليابان»، فلربّما كان كتاب «العرب من وجهة نظر يابانية» للكاتب «نوبوكي نوتوهارا» أصدق المصادر التي تعكس صورة العرب في عيون الشعب الياباني. فالمؤلّف عاش في بلاد العرب قُرابة أربعين عاماً، حيث أقام في مصر وسوريا واليمن، وزار مُعظم الدول العربية، وغاص في أعماق مُجتمعاتنا وعرف خبايا الشخصية العربية، فظهر في كتابه كالطبيب الذي استطاع أن يُشخّص الدّاء، ويترك مسألة العلاج لأهل الشأن. يرى المؤلّف أن المجتمع العربي يُعاني من مشاكل أساسية أدّتْ إلى غياب المسئولية العامة، حيث يعمد بعض المواطنين إلى إتلاف المرافق أو المُمتلكات العامّة أو يُسيئون استخدامها، لشعورهم بأنها لا تخصّهم وأنه أملاك غيرهم، بدلاً من حمايتها والمُحافظة عليها. كما يرى الكاتب أن المجتمع العربي مشغول بفكرة النمط الواحد، فيحاول الناس أن يوحّدوا أشكال ملابسهم وبيوتهم وآرائهم، وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد وخصوصيته واختلافه عن الآخرين، فيحاول أن يُميّز نفسه بالنسَب أو الثروة أو المنصب أو الشهادة العلمية العالية. وينتقد الكاتب ازدواجية التعامل والسلوك، كما تمثّلها شخصية «أحمد عبدالجواد» أو «سي السيّد» -كما يُسمّى في الثقافة الشعبية المصرية-، بطل ثُلاثية « نجيب محفوظ»، أي أن بعض الرجال العرب لهم شخصيتان؛ إحداهما شخص مُحافظ صارم مٌتسلّط في المنزل، والأخرى مرح متبسّط لعوب مع أصدقائه! ولكن على الصعيد الإيجابي، نرى الكاتب الياباني يُشيد بالبيت العربي الكريم بطبعه، والمفتوح دوماً للضيوف، إلى درجة تشبيهه بالمعبد الياباني الذي يفتح أبوابه على مدار الساعة! ولكون المؤلّف ناقداً أدبياً ومُترجماً، فإنه لا يُخفي إعجابه الشديد بالثقافة العربية، وإنتاجها الفكري والأدبي، ويصف بعضه بالعالمي. كما أنه مولع بكلّ ما يمتّ إلى ثقافة «البدو»، ونمط عيشهم وفلسفة حياتهم. فالصحراء تُعلّمهم القوّة والشجاعة، لأنهم يقفون أمام الطبيعة القاسية وجهاً لوجه، كما أن الصبر قيمة أخلاقية يُمارسها البدو أثناء البحث عن الكيفية التي تُلبّي احتياجاتهم الأساسية، المُتمثّلة في الماء والنار والكلأ. وختاماً، فقد نجح هذا الكاتب، من خلال مُنطلقات أكاديمية وترجمة مُباشرة، في الخروج بصورةٍ هي خليط من الإعجاب والانتقاد، فأشاد بالجوانب الإيجابية، وترك الأمور السلبية لحلّها من قبل أهلها.