الأدب الرقمي... خَلْطٌ بين الوسيلة والمفهوم.
تعد شبكة الإنترنت ذات مميزات تفاعلية واسعة النطاق، وقد حظيت بالاهتمام العالمي؛ لأنها استطاعت أن تتخطى حدود التاريخ والجغرافيا، وقد ضمَّت عددًا لا يخضع لسقف معين من المتلقين، وأصبحت شبكة الإنترنت الأوفر حظًّا في المجال الإعلامي، ونتج عنها عدد من مواقع التواصل التي أحدثت تغييرًا في التفكير الجمعي؛ مظهرة تسميات ذات دلالات تفاعلية جديدة، طالت الفنون والمعارف كافة، ومن ذلك الأدب الذي اتخذ مسميات جديدة كالأدب التفاعلي، والأدب الرقمي، والأدب الشبكي، والأدب الإلكتروني، والأدب العنكبوتي، والأدب التشعبي، والأدب الافتراضي، والأدب المعلوماتي، والأدب التواصلي، والأدب الترابطي، والأدب الحاسوبي. والحقيقة أن التفاعل ليس أمرًا جديدًا على الأدب؛ لأن الأدب بطبيعته تفاعل يمثل صورة عصره، وللتفاعل في أدبنا العربي صور عدة؛ كالمهاجاة بين شعراء القبائل، والنقائض الشعرية، والملاطفات بين الشعراء، وشعر الأحاجي والألغاز، وكالرسائل الإخوانية، وشعر المعارضات، والمساجلات الشعرية، والنقوش على الكهوف، وحتى الكتابة على الجدران، وغيرها من صنوف الأدب الشعرية والنثرية التي لا يمكن حدوثها من طرف واحد؛ إذ لا بد من وجود طرف آخر يتفاعل معها بالرد أو المعارضة، ولم يكن لهذه الفنون في العصور السابقة إلا المشافهة، أو الرواية، أو الكتابة عبر الوسائط البدائية وانتهاءً بالورق، ومن هذا يتضح أن الأدب التفاعلي هو: كل عمل أدبي بين طرفين أو أكثر؛ اتخذ من المخاطبة أو المكاتبة وسيلة له. ولما جاء عصر الثورة المعلوماتية الحديثة؛ أصبحت التكنولوجيا الحديثة أقرب وأسهل وأسرع من الوسائل الإعلامية القديمة، وقد اختصرت الوسائل الرقمية الوقت والجهد والمال على كل من المبدع والمتلقي. وعند النظر إلى المحتوى الأدبي المنشور عبر الوسيط الإلكتروني نجده نسخة من الأدب المنشور عبر الوسيط الورقي، ولا فرق بينهما إلا ما في التقنية من إمكانية إظهار الصوت والصورة والحركة، ومعنى ذلك أن الأدب هو الأدب نفسه، وأن القضية مجرد نقل الأدب من الوسيط الورقي إلى الوسيط الإلكتروني؛ لذا يجب على من عدَّ ما يسمى بالأدب التفاعلي أو ما يسمى بالأدب الرقمي جنسًا أدبيًّا أن يعيد النظر في ذلك؛ لأنه بهذا القول يخلط بين الوسيلة والمفهوم؛ إذ الرقمية ليست جنسًا أدبيًّا؛ بل هي مجموعة منافذ جديدة لعرض الأدب عبر الوسائط الحديثة، وأنه من الخطأ أن نجعل ما يُسمى بالأدب الرقمي قسيمًا لمسميات الأدب الأخرى؛ كالأدب الجاهلي، أو أدب صدر الإسلام، أو الأدب الأُموي، أو العباسي...، أو حتى الأدب المقارن، وحقه أن يكون مفردة تُدرَس في المدخل لدراسة الأدب، وأن يعد وسيلة لا جنسًا أدبيًّا.