سينما الأبيض والأسود.

في سينما الأبيض والأسود المصرية ما يستحق العودة للوراء من أجله، عالم من الأفلام الجميلة والتي لم تكن تقل أبداً عن الأفلام العالمية التي تعرض حينها، كوادر تمثيلية رائعة، ومخرجون أذكياء، وجهات إنتاجية جريئة، ومواقع تصوير خارجي وداخلي غاية في الجمال وديكورات تتماشى مع حكايات الأفلام، في زمن كانت الصورة ما تزال ناشئة والسينما مولود حديث يتم الاحتفاء به والتغاضي عن هفواته، وبالرغم من ذلك تركت لنا السينما المصرية في ذلك الوقت روائع منها ما هو مأخوذ عن روايات لكتاب محليين أمثال «نجيب محفوظ» «ويوسف السباعي» وغيرهم أو روايات عالمية كروايات دوستويفسكي مثل « الجريمة والعقاب» و»الأخوة كرامازوف» وفيلم «المجهول» المأخوذ عن رواية «ألبير كامو» و»البؤساء» عن الرواية العالمية التي تحمل ذات الاسم، ليتلقاها المشاهد البسيط دون أن يجد في ذلك الكثير من التعقيد، بالرغم من كونها مقتبسة عن روايات بعيدة عن الوسط العربي إلا أنها لاقت نجاحاً مبهراً. ناقشت السينما حينها الكثير من القضايا الاجتماعية التي تخص المرأة والمجتمع والقوانين والطبقية وسلطت عدسة المجهر على الكثير من المشاكل الشائكة التي تختص بالأعراف والتقاليد، كما أنها كانت سلاحاً بيد السلطة السياسية _بعد الثورة_ في أزماتها وحروبها، وهي كذلك أداة ترفيهية وصناعة كانت تدر الكثير من الأرباح وصنعت الكثير من النجوم الذين لا يمكن لذاكرة المشاهد العربي نسيانهم، بكل ما قدموه من نماذج وشخصيات، واستمرت الصناعة السينمائية في مصر بالتقدم على صعيد الصورة إلا أنها تدهورت كثيراً على صعيد النص والفكرة، صحيح أنها قدمت في فترة الثمانينات والتسعينات وفترة أفلام المقاولات أفلاماً عظيمة «لأحمد زكي» «ونور الشريف» والعظيم «عادل إمام» وبقيادة مخرجين «كيوسف شاهين» و»وحيد حامد» و»محمد خان» وغيرهم إلا أنا تهاوت بدخول الألفية، وبرغم غزارة الإنتاج إلا أن الأفلام الجيدة تعد على الأصابع، وكانت قد صنعت تاريخاً من الأفلام في وقت مبكر مثلاً فيلم «الحرام» أو «الأرض» أو أفلام تناقش قضايا نفسية كفيلم «لا أنام» أو قضايا العلاقات المعاصرة «كالخيط الرفيع» أو قضية الشرف «كدعاء الكروان» أو حتى «أفواه وأرانب» أو «الرصاصة ما تزال في جيبي» وعدد ضخم من أفلام تلك الفترة التي كانت تضخ للسينما أفلامها بعدد كبير جداً خلال العام الواحد، وبالمقارنة مع السينما المصرية الحالية والمليئة بالألوان وبأحدث أدوات صناعة الأفلام، ورغم وجود الممثل الجيد إلا أن الفكرة هابطة وركيكة ما تزال تحوم حول المشاكل الزوجية وتحويل قصص الحب إلى كوميديا مرة ودراما مرة أخرى، أو عن مافيا المخدرات والسلاح، أستثني القليل جداً من الأفلام الجيدة التي تم عرضها خلال الأعوام الأخيرة، لطالما أمتعنا عادل امام بالكوميديا بينما تمتلئ العيون بالدموع، ولطالما كانت الأفلام جزءاً حياً من الحارة المصرية بتفاصيلها الصغيرة، وكانت السينما رسول مصر إلى العالم .. من منا مثلاً لا يتقن اللهجة المصرية ومن منا لا يعرف كبار فناني مصر من منا لم يضحك مع «سهير البابلي» أو يبكي مع «محمود المليجي» أو «محمود مرسي» ومن منا لم يحب مع «محمود ياسين»؟ لطالما كانت الفنون أسهل الطرق لعبور الحدود ولتعريف الآخر بنا، ومرآة صادقة للمجتمع مع كونها أيضا أداة للترفيه، إلا أنها ذاكرة حية كذلك.