جبل اللوز .. حيـث يحلـو الشتـاء.
يعد جبل اللوز الواقع في أقصى شمال غرب المملكة، أحد أجمل الجبال في بلادنا وأشهرها بسبب تساقط الثلوج عليه خلال فصل الشتاء، حيث يرتدي حلة بيضاء خلابة، ويعد ملاذًا لعشاق الرياضات الشتوية في المملكة، ومنطقة جذب سياحي ممتعة لكل زواره من المملكة ودول الخليج العربي وبعض الدول الأخرى. يبعد جبل اللوز حوالي 200 كيلومتر شمال غرب مدينة تبوك، ويعتبر من أعلى السلاسل الجبلية في منطقة حسمى التي تعد جبالها امتدادًا لجبال السروات من غرب تبوك حتى وادي رم بالأردن، ويصل ارتفاعه عن سطح البحر إلى 2549 مترًا، وتعود تسميته بذلك إلى كثرة شجيرات اللوز فيه. وتتفرع من جبال اللوز قممٌ عدة، أعلاها جبل فيحان، وتتكون جباله من صخور جرانيتية تحيط بمعظمها الرمال، وتنحدر منها مجموعة من الأودية والشعاب، التي ترفد وادي عفال من الغرب، ووادي ريم من الجنوب، والوادي الأبيض من الشمال. وتتربّع الثلوج سنويًا على قمة “جبل اللوز” خلال فصل الشتاء؛ ليكتسي وشاحًا أبيض يُبهر زواره بجماله الساحر الأَخَّاذ، وهو وجهة مثالية لمَن يرغب قضاء عطلة شتوية مليئة باللحظات المميزة؛ لذلك يقصدها هواة الرحلات والمغامرة في واحدة من أجمل التضاريس والهضاب الجرانيتية، بالإضافة إلى رسوم صخرية متعددة ذات بُعد تاريخي كبير ترجع إلى أكثر من عشرة آلاف عام. أنشطة سياحية ممتعة ومن التجارب والأنشطة السياحية الممتعة التي يمكن تنفيذها على قمة جبل “اللوز”، التزلج على المسارات المغطاة بالثلوج، والمشي على الجليد، ومراقبة الهدوء المذهل للرمال الناعمة تحت طبقة الثلوج في جولة ممتعة، إضافة إلى أن التخييم وسط حقول الثلج من أجمل التجارب السياحية الشتوية؛ لذلك يُعرف الشتاء في السعودية باسم “موسم الكشتة” أو التخييم خلال النهار أو الليل؛ فالنسيم اللطيف والمسارات المكسوة بالثلوج والسماء المضاءة بالنجوم اللامعة وسيلة الطبيعة لدعوة سكان تبوك والقادمين إليها من مختلف مناطق المملكة؛ للاستمتاع بسحر الشتاء في المملكة. ويعد تساقط الثلوج في المملكة حالة استثنائية تقترب من المفاجئة في الزمان والمكان؛ لذلك تتنامى الرغبة في مشاهدته عن قرب بالوصول إلى “جبل اللوز”. وبينما تكتشف المناظر الطبيعية الخلابة، ستنغمس في تلمس قطع الثلج وهي تذوب في راحة يدك، وتبني المجسمات والأشكال الثلجية والمنحوتات الفنية التي ستبقى في الذهن أكثر مما يمكنها الثبات في المكان؛ لتحظى بواحد من أكثر جوانب الشتاء سحرًا في ظل رؤية تساقط الثلوج التي تغطي المنحدرات ورمال الصحراء الذهبية بالبياض. وتقيم الهيئة السعودية للسياحة فعاليات متنوعة في موسم الشتاء، تشمل العديد من الوجهات المحلية؛ لتقديم ما يزيد على 300 باقة وتجربة سياحية، من خلال أكثر من 200 شركة من منظمي الرحلات والمشغلين السياحيين؛ لاكتشاف ما تحويه مناطق المملكة من تنوع جغرافي ومناخي جاذب خلال فصل الشتاء، يتراوح بين الأجواء المعتدلة اللطيفة والباردة، إلى جانب الاستمتاع بالأنشطة السياحية. أسباب الهطولات الثلجية أوضح مدير فرع المركز الوطني للأرصاد بالشمالية، فرحان العنزي (في تصريح سابق لوكالة الأنباء السعودية) أن الهطولات الثلجية في شمال المملكة وخاصة “جبال اللوز” وما جاورها تعتمد على عاملين أساسيين هما: مدى تعمق ومسار تحرك المنخفض القطبي مع توفر رطوبة مناسبة، حيث إنه في الغالب يلامس المنطقة الشمالية الغربية “منطقة علقان وجبل اللوز”، وقد يتعمق أكثر جنوبًا ويؤثر على جبال حسمى غرب تبوك، ونادرًا ما يصل تأثيره إلى جنوب منطقة تبوك حيث جبال الحرة، والأساس الثاني هو مدى نزول خط التجمد حيث إن المنخفضات القطبية يصاحبها هبوط مستوى التروبوز، وبالتالي هبوط مستوى طبقات الغلاف الجوي، ويبحث المهتمون بالطقس عن بعض الخطوط المعروفة بالخطوط الثلجية مثل خط 540 في طبقة الـ 500 mb وخط 130 في طبقة 850 mb. وأشار العنزي إلى أن ذلك يعطي احتمالية هطول الثلوج على مستوى سطح الأرض وهي: خطوط مرسومة في خرائط الطقس تعبر عن مدى ارتفاع أو هبوط الطبقة، وبالتالي مدى تعمق المنخفض، لافتًا الانتباه إلى أن المقياس الحقيقي هو درجة حرارة الصفر المئوي على أي مستوى وبالتالي نوع الهطول الذي يحدث. وأبان أن أنواع الهطولات تكون ثلوج قطنية، عند درجات الحرارة التي تحت الصفر المئوي وعلى شكل حبيبات جليدية المعروفة بالسليت في المستويات المتداخلة فيها درجات الحرارة بين الصفر المئوي أو أعلى أو أقل منه، وهطول على شكل مطر على الارتفاعات التي تكون فيها درجات الحرارة أعلى من الصفر المئوي، إلى جانب ارتفاع الجبال لتكون أكثر عرضة لتلك الهطولات من غيرها بسبب تدني درجات الحرارة فيها مع الجبهات الهوائية الباردة حيث تكون أقل من الصفر المئوي. وتكثف العديد من الجهات الحكومية في منطقة تبوك على امتداد الطرق المؤدية لمواقع تساقط الثلوج، من تمركزها مجهزة بآلياتها المختلفة لمواجهة أي خطر قد يحدث – لا قدر الله - نتيجة الكثافة الحركية من قبل الأهالي والزوار الذين يتوافدون منذ ساعات الفجر الأولى إلى تلك المواقع مع كل موسم شتاء. مسوحات أثرية توجد في محيط جبل اللوز العديد من النقوش القديمة والكتابات الإسلامية، وقد ازدهرت المنطقة تجاريًا بسبب موقعها الجغرافي المتميز واشتراكها في النمو الحضاري خلال حقبة زمنية معينة، وهي الفترة النبطية للقرنين الأول والثاني قبل الميلاد وربما بعده مما يؤيد الاستيطان العربي القديم في المنطقة. وقامت وكالة الآثار والمتاحف بمسح منطقة الجبل وما يحيط به من ظواهر أثرية وتمييز المنشآت البنائية وأنصاف دوائر حجرية، ودوائر حجرية كبيرة الحجم، ومواقع الرسومات الصخرية، وبعض المواقع والتلال التي تعود إلى ما قبل التاريخ، وقد كشفت نتائج التنقيب عن مبنى حجري يوجد في أعلى الجبل يتكون من سبعة أجزاء من أحجار الجرانيت المختلفة الأحجام، يتخذ المبنى المكتشف شكل حرف (L) بزاوية منفرجة متجهة نحو الغرب، وتتكون أجزاء المبنى من أربع غرف متجاورة أمامها ساحة مفتوحة، ويتصل بهذه الغرف من الجهة الجنوبية الشرقية مبنى أو ممر طويل يحاذي أحد الغرف، وقد قامت أعمال التنقيب على رفع كامل الأحجار المتساقطة وعمل مجسات اختبارية في كل غرفة للوصول إلى أراضي جديدة، وقد تم العثور على كسر فخارية وفحم ورماد وعظام في المجسات، وقد تعددت أنماط الكسر الفخارية، مثل: النمط الأول: فخار مصنوع من عجينة حمراء تميل إلى اللون الوردي المختلط فيه حبيبات بيضاء ومطلية من الداخل والخارج بطلاء بني. النمط الثاني: فخار مصنوع من عجينة حمراء، وزخرفت باللون البني الغامق والأحمر، وصُقلت من الداخل والخارج. النمط الثالث: فخار مصنوع من عجينة حمراء، وزخرفت باللون البني الغامق والأحمر، أو الجز. النمط الرابع: فخار مصنوع من عجينة رمادية اللون، ومزخرفة بالجز. النمط الخامس: فخار خشن مصنوع من عجينة خضراء اللون، وتختلط به شوائب. النمط السادس: فخار مصنوع من عجينة برتقالية اللون، وتختلط به حبيبات بيضاء وحمراء. النمط السابع: فخار مصنوع من عجينة بنية اللون، وتحتوي نسبة قليلة من الشوائب، وجميع فخار هذه الأنماط مصنوع بواسطة الدولاب. ارتباطه بالنبي موسى يقع أسفل الجهة الشمالية للجبل صخرة منقسمة لقسمين، وهي تحمل أبعادًا تاريخية مرتبطة بالنبي موسى عليه السلام، كما ذكرتها بعض المصادر التاريخية والأبحاث التي لا تزال تجرى على الموقع. وبالقرب من جبل اللوز تقع محافظة البدع أو مغائر شعيب، وهي المنطقة التي لجأ إليها النبي موسى عليه السلام في رحلته الأولى، وفيها تزوج من ابنة النبي شعيب عليه السلام، ولا تزال بعض المواقع تحمل الاسم نفسه، كما في بئر موسى، وهي البئر التي سقى منها موسى للفتاتين كما في القصة القرآنية. فيما تقع على الجهة المقابلة لجبل اللوز الجهة الشرقية صخور رسمت عليها عجول وجواميس ليست من ثقافة المنطقة، وهو ما يشير البعض إليه في أن الرسوم تعني استكمالًا للقصة في عبادة العجول عندما صنعت في غياب النبي موسى 40 ليلة. كما يوجد أسفل الجبل الشهير وادٍ يسمى وادي موس كما يسميه أهل البادية، وهو ربما تصحيف من وادي موسى، ويحمل الكثير من الرسوم الصخرية والنقوش. ويعتقد البعض أن جبل اللوز يقع أسفله الوادي المقدس طوى، كما ورد في القرآن الكريم، وهو وادٍ ممتد أسفل اللوز، وتجري مياه الأمطار من سفوح وادي اللوز باتجاه الوادي الشهير، ولا تزال الدراسات تجرى على هذا الموقع وارتباطاته التاريخية.