حوارات مع مسؤولي السينما والمسرح والمتحف والمكتبة

بانورامية الحركة الثقافية في مركز (إثراء)

يعتبر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) الواقع بمدينة الظهران - شرق المملكة -، عالمًا مُلهمًا للمبدعين والمبدعات ومصدرًا ثريًا لإبراز تنوع الطاقات البشرية بمجالاتها الإبداعية المختلفة، فقد وضع (إثراء) اللبنة الأساسية لرؤية المملكة 2030 في تهيئة البيئة المناسبة لبناء مجتمع معرفي مُتطلع، استطاع عبر مدة قصيرة إحداث الفرق الثقافي على مستوى الفرد والمجتمع، ليبلغ مداه عربيًا ودوليًا عبر برامج مختلفة، فلكل قسم أهدافه وأدواره وجمهوره ونجاحاته التي يحصدها إثر جهود كبيرة. في هذا التحقيق البانورامي نلقي نظرة على الدور الثقافي لإثراء عبر منصات: السينما، المسرح، المتحف والمكتبة. نلتقي بالأستاذ ماجد زهير سمان، مدير المسرح والسينما ونسأله : شكلت « السينما » في إثراء، تحولًا إبداعيًا وفنيًا في صناعة الأفلام السعودية، منذ انطلاقة مهرجان الأفلام في دورته الأولى 2008 إلى دورته السابعة 2021، كما أحدثت تحولًا ثقافيًا في المجتمع السعودي. نلتقي بالأستاذ ماجد زهير سمان، مدير المسرح والسينما. حدثنا عن الانعكاسات الثقافية لسينما إثراء على الثقافة المجتمعية؟ سينما إثراء كانت ولا زالت جزءًا من عملية تطور ثقافة السينما في المملكة، حيث شجعت الشباب السعودي على تقديم نصوصهم وأفكارهم ونشرها للعالم. فمنذ افتتاح “إثراء» إلى يومنا هذا أنتجنا 22 فيلمًا بين الطويل والقصير، فاز من بينها 15 فيلمًا بجوائز محلية وعالمية. كما أن كثيرًا من المخرجين السعوديين الذين منحناهم فرص إنتاج أفلامهم، واصلوا مشوارهم في الإخراج التلفزيوني والسينمائي حتى الآن. جدير بالذكر، حرص مركز إثراء على تقديم الدعم كشريك استراتيجي في مهرجان أفلام السعودية من بداياته والذي يعدّ حاليّا الأبرز في دعم صناعة السينما وصنّاع الأفلام في المملكة. بالإضافة إلى تمسك المركز بكونه منصّة للمخرجين وصنّاع الأفلام من خلال مجتمع السينما الذي يعدّ ملتقى للمواهب، كما أنه يقدّم البرامج والدورات المتقدّمة والمتنوّعة عبر «أكاديميّة إثراء» لدعم وتطوير المواهب في قطاع السينما. ماهي أبرز التحديات التي تواجهها السينما وصُناعها ثقافيًا واجتماعيًا؟ في اعتقادي أكبر تحدياتنا في الوقت الراهن هو صناعة النص والفكرة التي تعكس أصل مجتمعاتنا وثقافتنا، ولهذا نسعى على إقامة الدورات والندوات لصناع الأفلام لنتمكن من سد هذه الفجوة، باعتبارها أهم مرحلة في العمل السينمائي، فإذا تمكنّا من صقلها وتطويرها، ستكون المراحل التالية أسهل. كيف ترى العلاقة بين الرواية السعودية والسينما؟ العلاقة بين الرواية والسينما بشكل عام هي علاقة تبادلية؛ فكلاهما يُلهم الآخر، حيث ترسم الرواية فكرتها كتابيًا فتترجمها السينما بصريًا. أما على الصعيد السعودي؛ يسعى كثير من الأدباء المحليين إلى الارتقاء بالفن السينمائي بكتابة النص السينمائي بأنفسهم، وهذه الحالة السائدة حاليًا في السينما العالمية، وبدأت تظهر مؤخرًا في أوساطنا السعودية، حيث نسعى لأن يكون إثراء في مقدمة الداعمين لهذا النوع من التوجه «دمج الأدبي بالسينمائي» لتصبح الثقافة بأشكالها المتنوعة ملاذًا للزائرين، وفسحة فنية تمزج المتعة والإثارة بالثقافة. أين السينما السعودية من قضايا المجتمع، حدثنا عن بعض الأمثلة؟ جزء كبير من الأفلام السعودية تسلط الضوء على القضايا المجتمعية، على سبيل المثال لا الحصر: «حد الطار» لعبد العزيز الشلاحي، و «جوي» لفايزة أمبة ، و»شمس المعارف» للأخوين قُدس، و«سومياتي بتدخل النار؟» لمشعل الجاسر، و«وسطي» لعلي الكلثمي وغيرهم الكثير، فهذه أفلام سلطت الضوء على منطقة وفئة وتوقيت زمني مختلف، ونوقشت فيها قضايا المجتمع السعودي، ووصلت لقلب المشاهد وللمهرجانات العالمية بنفس الوقت. ننتقل إلى «مسرح إثراء» لنقول: أن العلاقة بين المجتمع والمسرح علاقة وثيقة وقديمة، يُجددها المركز عبر برنامج «المسرح في المدرسة» حدثنا عن أهم الأهداف والتطلعات: الهدف الأساسي من برنامج «المسرح في المدارس» هو تعزيز ونشر وبناء ثقافة المسرح في مدارس المملكة العربية السعودية، وإيجاد منهج علمي وتطبيقي متكامل يساهم في تمكين المعلمين والطلاب من ممارسة المسرح بشكل ممنهج ومنظم، وقد تم هذا العام تدريب 40 معلمًا ومعلمة وأكثر من 200 طالب وطالبة من المرحلة المتوسطة على نطاق مدراس المنطقة الشرقية خلال فترة تدريبية امتدت على مدار عام دراسي كامل على مهارات وأساسيات الدراما والمسرح. إضافة إلى أهداف أخرى مثل: احتواء وتمكين الطلاب والطالبات، وتطوير مهاراتهم الحياتية، وكسر الحاجز النفسي، وتمكينهم من التواصل مع معلميهم ومع الجمهور بشكل أفضل، والتعبير عن آرائهم بشكل إبداعي. فالتعليم هو اللبنة الأساسية قد تم وضعها لأساسيات ومهارات تعليم الدراما والمسرح هذا العام. ماهي أبرز نجاحات مسرح إثراء ثقافيًا؟ أحد أهم الأهداف؛ مد جسور الثقافة بين الوطن والعالم، وتم ذلك عبر استضافة العديد من العروض العالمية للارتقاء بالذوق العام للجمهور. ثانيًا: تطوير صناعة المسرح محليًا واحتواء المواهب ببرامج مستدامة مثل: «مجتمع إثراء المسرحي» الذي أتم عامه الثاني، وفيه يجتمع - شهريًا - المهتمين للنقاش والحوار وإقامة الورش التدريبية. ثالثًا: «مسابقة المسرحيات القصيرة» التي أطلقت عام 2021 وتعنى بالمسرحيين المحليين وتطوير أعمالهم وعرضها للجمهور. وأخيرًا: «المسرح في المدارس» ويهدف لبناء وتعزيز ونشر ثقافة المسرح في مدارس الوطن عبر صناعة محتوى تعليمي وتطبيقي متكامل، وتدريب المعلمين والمعلمات والطلاب والطالبات، وإقامة المسابقات المسرحية ودعمها. يهدف المسرح إلى تجسير العلاقة بالمجتمع، فكيف تلمسون أثر هذه العلاقة؟ المسرح هو مرآة المجتمع، والجمهور هو الأساس فبدونه لا يوجد مسرح؛ ونحن نعتني بهذه العلاقة جيدًا عبر إقامة الفعاليات المميزة للجمهور مثل: «الحفل الموسيقي» للموهبة السعودية الصاعدة؛ الفنان “أكرم المطر». و «العروض العالمية» المستضافة. و «مهرجان إثراء للمسرح المدرسي» الذي رأينا فيه أولياء الأمور سُعداء بأبنائهم وهم يتألقون ويبدعون على خشبة المسرح. أما «مجتمع إثراء للمسرح» فهو تجمع مستمر وقائم بالمجتمع وللمجتمع. ويمكننا القول إن مسرح إثراء يسعى لتمكين المجتمع من الإبداع والتواصل الثقافي ونشر المعرفة، كما يصنع بيئة حاضنة للمسرحيين لتطويرهم ونقل صناعتهم المسرحية المحلية للعالمية. من خلال تجربتكم الزمنية، كيف تصنفون أذواق الجمهور؟ وتنجحون في تلبية الرغبات المختلفة؟ المسرحيات والعروض الموسيقية العائلية العالمية هي الأكثر جذبًا لانتباه غالبية الجمهور المتلقي، ولكن دورنا كمركز ثقافي هو أكبر من تقديم فقط عروض تلبي رغبات الجمهور، فهناك استراتيجية متوازنة لمسرح إثراء؛ ما بين تقديم العروض تلبيةً لرغبات الجمهور وبين أهداف المركز، ليكون منصّة لتبادل الثقافات وعرض المحتوى العالمي والمحلي. فما بين الاعتزاز بالهوية الوطنية والتواصل الثقافي تُقدم عروض عالمية مميزة ويُدعم إنتاج عروض محلية لتصل للعالمية. كما أننا نهتم بذائقة الجمهور العالمي فمثلًا: عروض المهابهاراتا الياباني، والمانغانيار الهندي وغيرهم، استحوذت على إعجاب واهتمام كبير من الجمهور. ثاني اللقاءات كان مع الأستاذة فرح أبو شلّيح، رئيسة متحف إثراء لنطرح عليها سؤالنا: تُشكل المتاحف سجل التاريخ الإنساني عبر العصور، وهكذا يسعى متحف إثراء أن يكون حلقة متصلة بين الأزمنة، حدثينا عن تفاعل المجتمع مع برامج متحف إثراء؟ ‎هناك تفاعل رائع بين زوار «إثراء» ومعارض المركز، فمنذ الافتتاح لم يتوقف عدد الزوار والمشاركين عن الازدياد، وفي كل عام يزور متحف إثراء أكثر من 100 ألف زائر، هكذا نشهد تطور الاهتمام بالمتاحف والاقبال الكبير على زيارة المعارض ذات الجودة العالية والمحتوى الفريد، فأكثر ما يسعدنا هي لحظة وقوف الزائر قبالة عمل فني أو أثر تاريخي، يرتبط بواقعه أو ماضيه، ليطرح التساؤلات ويعزز الحوارات الثقافيّة، ففي المتاحف تاريخ المجتمعات والأمم، وقصص عابرة للأزمنة، وهذا ما يعزز التواصل الثقافي والحضاري محليًا وعالميًا، وعليه يؤدي المتحف دوره تجاه المجتمع سواء بالتثقيف العام والتعريف بالعناصر الجمالية والعلمية والتاريخية للمعروضات، أو باستهداف المختصين تعزيزًا للتنوع الثقافي. كيف تصفين حركة زوار المتحف على مدار السنة؟ يقدم المتحف محتوى متنوع على مدار العام، فيسعى لخلق حالة من التفاعل والتأثير الاجتماعي الإيجابي، وغرس مفاهيم الحوار عبر المعارض والبرامج والندوات، فتشتغل مختلف القاعات؛ (فن معاصر، فن إسلامي، تاريخ طبيعي، تراث سعودي وأرشيف) بتقديم عروض متجددة للزوار بشتى أنواعهم، إلى جانب تعاون المتحف مع بقية أقسام المركز في الأنشطة والبرامج المقامة باستمرار. بالإضافة إلى المناسبات الموسمية، والزيارات الرسمية الخاصة والمدرسية، مما ينعكس على ديمومة حركة الزوار. هل هناك تفكير لدى إدارة متحف إثراء حول مد الجسور مع المتاحف الخارجية العامة؟ يعتز متحف إثراء بتطوير شراكات مهمة مع كيانات محلية ودولية تستقطب الأفضل عالميًا، لخلق تعاون ثقافي مشترك بين البلدان. وفي هذا الصدد؛ يتعاون المتحف مع بعض المؤسسات لإعارتهم الأعمال الفنية والقطع الأثرية من مجموعة إثراء الخاصة. كما يشارك في برامج تعليمية مثل: بينالي الدرعية للفن المعاصر عام 2022 وذلك خلال جائزة إثراء للفنون. ويعتبر دعم التعاون والتبادل الثقافي مع المكتبات والمراكز الثقافية من الأسس المعتمدة لدى المتحف محليًا وعالميًا؛ منها: متحف مقاطعة لوس أنجلوس، ومتحف إدفارد مونك. هل هناك تفكير في احتضان هواة المتاحف وأصحاب المتاحف الشخصية وعقد برامج ولقاءات خاصة بهم؟ نسعى دائمًا لتطوير علاقاتنا بالمجتمع المحلي، لنكون منصة للمجتمع الذي يزخر بكثير من الهواة ومُلاك المتاحف الشخصية، باعتبارها مجالات عريقة ومرتبطة بثقافة المنطقة وتاريخها، ولهذا دلالات عدة على وعي المجتمع بالمحافظة على إرث التراث والهوية. وهنا تجدر الإشارة بوجود تعاون مع بعض المتاحف الشخصية باستعارة قطع من هذا التراث الإنساني لدعم محتوى المعارض. كيف تقيسون رضا زوار المتحف عن المحتوى والبرامج؟ عبر نتائج الدراسة المقدمة شهريًا، اعتمادًا على نتائج استبيانات تُصاغ مُناسبة للعروض، وتهدف لقياس رضا الزوار عن المحتوى والبرامج مدى تلبيتها لتطلعات الزوار، وعليه تستمر الجهود لتقديم الأعلى جودةً والأفضل تحقيقًا لتطلعات الجمهور. ثالث اللقاءات كان مع الأستاذ طارق خواجي، أمين مكتبة إثراء لنطرح عليه سؤالنا: تعتبر المكتبات مناجم المعرفة التي يتكئ عليها الوعي الإنساني، حدثنا، كيف تصف حالة الإقبال على القراءة على المستوى الوطني؟ يلاحظ المراقب والمهتم بأنشطة القراءة وبرامجها في المملكة العربية السعودية، أن هناك انتشارًا يثير الانتباه لأندية القراءة والمكتبات التجارية وزيادة ملحوظة في دور النشر الجديدة، بالإضافة إلى المنظر المبهج كل عام في أعداد الزوار لمعارض الكتاب، الأمر الذي يؤكد بأن هناك إقبالاً على القراءة رغم أن الواقع المعرفي في العالم - اليوم - يفرض حضوراً أقوى وحالة أشد إلحاحًا. ما رأيك في برامج القراءة الجماعية؟ وماذا تقول لمن يفضل القراءة الفردية؟ هي خيارات بنهاية المطاف. تتميز القراءة الجماعية بأن فيها وجهات نظر مختلفة واختلاف في اتجاهات النقد كما يمكن الحصول من خلالها على إحالات ومراجع مختلفة. بينما تتميز التجربة الفردية بالانتباه العالي والتركيز في مسار البرنامج القرائي والتطور السريع. بنظرة خاطفة إلى رواد مكتبة إثراء، هل يمكن تصنيفهم؟ في المقدمة يأتي طلاب وطالبات الجامعة كأكثر الرواد حضورًا لأسباب مرتبطة بالبحث والمذاكرة، ثم القراء الانتقائيون الذين يبحثون في أقسام محددة، ثم الأطفال الذين يحضرون برفقة ذويهم بحثًا عن كتب تثير شغفهم وتعطشهم للمعرفة، ثم الزوار الذين ربما يجدوا ما يحفزهم على القراءة من خلال عناوين يمرون عليها بأعينهم وهم يتجولون في المكتبة. هل تجد علاقة بين القارئ والمقروء؟ وبرأيك كيف تؤثر القراءة على النمو الفكري والمعرفي للإنسان؟ نعم. دون شك هناك علاقة وثيقة بيننا وبين ما نقرأه، نحن كتبنا بشكل أو بآخر، والمكتبة هي سيرتنا الذاتية كما يقال. هذا فيما يتعلق بالقراءة خارج المجال الدراسي أو العلمي. كل ما يمكننا تعلمه من خلال الأفلام أو مواقع الانترنت أو البرامج الإذاعية، تبقى قليلة التأثير مقابل ما يمكننه تعلمه من الكتب، التي وإن أحسنا التعامل معها ونظمنا قراءتها بطريقة عملية، فإن لها تأثيراً لا يمكن التفوق عليه. هل تعتقد أن هناك عمرًا محددًا للإنسان يتوقف فيه عن التأثر بما يقرأ؟ لا أظن ذلك. ما دام الإنسان يحمل بين كتفيه رأسًا يفكر ويجادل مهما بلغ من العمر. حدثنا عن برامج مكتبة إثراء؟ تتعدد أنواع البرامج التي تقدمها مكتبة إثراء، كما يتنوع الجمهور المستهدف فيها. ففي قسم الطفل تقدم العديد من البرامج المختلفة مثل نادي القراءة للصغار والمخصص باللغتين العربية والانجليزية، كما أن هناك برامج مرتبطة بالكتابة الإبداعية والسرد القصصي والألعاب المعتمدة على البحث والتقصي في المكتبة. أما فيما يتعلق بالشباب والكبار فهناك نادي القراء بإثراء، وفعاليات توقيع الكتب الشهرية والأمسيات الشعرية والأندية المستضافة من مدن المنطقة القريبة، والمحاضرات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، أحد أبرز برامج مركز إثراء هو برنامج إثراء القراءة (أقرأ) والذي انطلق منذ عام 2013 ويقام بشكل سنوي إلى الآن. يهدف البرنامج لنشر ثقافة القراءة من خلال تقديم برامج نوعيّة عامّة ومتخصصة تسهم في تمكين القراء ورفع الوعي وغرس مفاهيم الاطلاع والقراءة والإنتاج الثقافي باللغة العربية إيمانا بأهميّة القراءة كأحد أهم الوسائل في الإثراء المعرفي للأجيال القادمة. شارك في برنامج أقرأ أكثر من 50 ألف مشارك بثلاث مسارات أساسية وهي لقب قارئ العام وسفراء الترجمة وسفراء القراءة. كما يتضمن عدة فعاليات مثل الكتبيّة لمقايضة الكتب، برنامج أسفار أقرأ الذي يجوب أنحاء المملكة، وماراثون القراءة.