استطاعت السينما العمانية في السنوات الأخيرة إحداث نقلة نوعية في تصوراتها السينمائية من خلال مخرجين سينمائيين أمانوا بقدرة الثقافة المحلية في تأثيث مشهد سينمائي خاص ونوعي في السلطنة وخارجها . تعمل اليوم الجمعية العمانية بجهد كبير من أجل الدفع بالإنتاج السينمائي في البلاد وفتح فرص النجاح في المهرجانات السينمائية العربية والدولية. من أجل معرفة خصوصية التجربة السينمائية نخصص جملة من الحوارات مع مخرجيين سينمائيين من السلطنة ونقترح في حوارنا الأول الأستاذ المخرج أنور الرزيقي من أجل التعريف بالسينما العمانية وبتجربته السينمائية . • ما الذي تقوله لجمهور السينما العربي الغير مطلع على السينما العمانية ويود التعرف على خصوصية التجربة السينمائية العمانية، تاريخها، أهم مخرجيها وأهم توجهاتها الفنية؟ السينما العمانية هي تجربة فريدة ومميزة تستحق الاستكشاف بدأت السينما العمانية في السبعينيات، حيث كانت الأفلام تُعرض في دور عرض محدودة، وكانت تعتمد بشكل كبير على الأفلام الآسيوية والعربية. في الثمانينيات، بدأت تظهر ملامح السينما العمانية بوضوح مع مخرجين مثل حاتم الطائي، الذي قدم أفلامًا قصيرة مثل “السقوط” و”الوردة الأخيرة”. في التسعينيات، برزت أسماء أخرى مثل عبد الله حبيب الذي حصل على جوائز دولية عن أفلامه القصيرة. مع بداية الألفية الجديدة، شهدت السينما العمانية تطورًا كبيرًا مع ظهور مهرجان مسقط السينمائي في عام 2001 وتأسيس الجمعية العمانية للسينما في عام 2006 أول فيلم روائي طويل عُرض في عام 2005 بعنوان “البوم” للمخرج خالد الزدجالي، والذي حقق نجاحًا كبيرًا وشارك في العديد من المهرجانات الدولية. كما ساهم الفنان الراحل سالم بهوان بدور كبير في السينما العمانية خلال الالفية الجديدة حيث أنتج وأخرج عدة أفلام سينمائية طويلة من أبرز أفلامه (البحث عن مستحيل) و (مرة في العمر) وفيلم “قصة مهرة. تتميز السينما العمانية بتركيزها على القضايا الاجتماعية والثقافية المحلية، مع استخدام مناظر طبيعية خلابة تعكس جمال السلطنة كما أنها تسعى إلى معالجة القضايا الشائعة بطرق مبتكرة وواقعية، مما يجعلها تجربة سينمائية غنية ومثيرة للاهتمام. •لو تصف لنا تاريخ تجربتك السينمائية ماهي أبرز مراحلها؟ وماهي أهم اللحظات العالقة بذاكرتك في تجربتك السينمائية؟ تجربتي السينمائية مليئة بالمراحل المثيرة واللحظات التي لا تُنسى بدأت رحلتي في عالم السينما منذ أول تدريب في ورشة صناعة الافلام القصيرة لوزارة الاعلام في عام 2000 م وأخرى في وزارة الاعلام تلفزيون سلطنة عمان كيف تصنع فيلمك الوثائقي الاول وورشات أخرى في في الجمعية العمانية للسينما واللجنة الوطنية للشباب متخصصة في كتابة السيناريو والإخراج والتصوير ، حيث كنت مفتونًا بالأفلام وقصصها هذا الشغف دفعني مع مجموعة من الاصدقاء لتكوين مجموعة سينمائية اسمها بياض وكانت النواة الحقيقية التي انطلقنا من خلالها في إنتاج مجموعة من الافلام الوثائقي والروائي والأغاني الوطنية وافلام الشركات والاعلانات وساهم الاشتغال في مجموعة بياض في تطوير مهاراتي في الإخراج والكتابة والتصوير وإدارة الإنتاج والتمثيل حيث نتبادل الادوار في كل مشروع فضلا عن المشاركة في مهرجانات وورش تدريبة في الأردن وإيطاليا بفضل هذه الورش بدأت أفهم أهمية السرد البصري وكيفية استخدام الكاميرا والإضاءة لنقل المشاعر. •أنت تتقن الإخراج السينمائي وكتابة السيناريو والتمثيل والتصوير أيضا كما تشرف على بعض أفلام الشباب من المخرجين في سلطنة عمان كيف وفقت بين هذه الاختصاصات ألا يمكن أن يكون هذا التعدد تأثير على توسيع عملك كمخرج سينمائي؟ وماهو المجال الأقرب لك؟ بالنسبة لتعدد الاختصاصات، أرى أن التنوع في المهارات يمكن أن يكون ميزة كبيرة. الإلمام بالإخراج وكتابة السيناريو والتمثيل والتصوير يمنحني فهمًا شاملاً للعملية السينمائية، مما يساعدني على التواصل بشكل أفضل مع فريقي وتحقيق رؤية متكاملة للفيلم ومع ذلك، يتطلب هذا التوازن بين الأدوار إدارة جيدة للوقت وتركيزًا على الجودة في كل جانب. بالنسبة للمجال الأقرب إلى قلبي، فإن الإخراج السينمائي هو ما أجد فيه شغفي الأكبر الإخراج يسمح لي بتحقيق رؤيتي الفنية والتعبير عن الأفكار والمشاعر بطرق مبتكرة لكنني أستمتع أيضًا بكتابة السيناريو ، حيث أن كل مجال يضيف بعدًا جديدًا لتجربتي السينمائية. الطهور أول فيلم روائي قصير توليت فيه كتابة السيناريو والإخراج هي لحظة فارقة في مسيرتي المهنية حينما فاز في مهرجان مسقط السينمائي الدولي منافسا 52 فيلم دوليا من مختلف العالم هذه الجائزة أعطتني ثقة ودفعة كبيرة للاستمرار. بدأت العمل مع مخرجين ومنتجين محترفين في التلفزيون العربي والجزيرة الوثائقية وهذه التجربة أتاحة لي فرصة التعلم من خبراتهم وتوسيع شبكتي المهنية. •اغلب أفلام السينما العمانية اليوم أفلام وثائقية وقصيرة كيف تفسر أستاذ أنور شبه غياب الأفلام الروائية الطويلة في السينما العمانية؟ إن إنتاج فيلم روائي طويل يعتبر تحديًا كبيرًا هنا في عُمان مع أغلب المخرجين وإلى الآن لم أقم بهذه الخطوة وأنا أومن انها تجربة غنية تستحق الاهتمتام والمبادرة بنفيذها حاليا لدي سيناريو فيلم روائي طويل من تأليفي اتمنى أن يرى النور مستقبلاً. النقص في السينما الروائية العمانية بالمقارنة إلى وفرة الإنتاج للأفلام الوثائقي يمكن أن يُعزى إلى عدة عوامل منها السينما العمانية تميل إلى الاحتفاء بالتراث والثقافة والطبيعة العمانية، مما يجعل الأفلام الوثائقية والتاريخية أكثر شيوعًا. هذا التوجه يعكس رغبة في الحفاظ على الهوية الثقافية وإبرازها، لكنه قد يأتي على حساب تطوير السينما الروائية كما أن إنتاج الأفلام الروائية يتطلب ميزانيات أكبر وموارد أكثر مقارنة بالأفلام الوثائقية أو القصيرة وقلة الدعم المؤسسي رغم وجود الجمعية العمانية للسينما التي ساهمت مؤخرًا في زيادة إنتاج الأفلام الروائية ذات الجودة والتي نافست وحقق جوائز على مستوى محلي وعالمي من خلال برنامج صندوق الدعم والإنتاج قد مثل هذا الدعم المقدم للأفلام الروائية فرصة لصناع الافلام لبناء سمعة لهم كمخرجين مميزين قادرين على كسب ثقة المؤسسات الاخرى التي تفكر في دعم الأفلام الروائية. ولدينا بعض المخرجين يفضلون العمل على الأفلام الوثائقية لأنها تتيح لهم التعبير عن أفكارهم بطرق مبتكرة ومباشرة لسهولة إنتاجها مقارنة بالروائية. يمكن اعتبار هذا النقص نوعًا من التقصير إذا نظرنا إليه من زاوية تنويع الإنتاج السينمائي وجذب جمهور أوسع. السينما الروائية لها قدرة كبيرة على الوصول إلى جماهير متنوعة ونقل قصص معقدة ومؤثرة. هل يؤثر هذا على معرفة الجماهير بالسينما العمانية؟ نعم، النقص في الأفلام الروائية يمكن أن يكون سببًا في عدم معرفة الجماهير السينمائية الواسعة بالسينما العمانية الأفلام الروائية الطويلة غالبًا ما تحظى بانتشار أوسع وتشارك في مهرجانات دولية، مما يزيد من الوعي بالسينما المحلية على مستوى عالمي. لتعزيز السينما الروائية في عمان، يمكن التركيز على توفير دعم مالي وتقني أكبر، وتشجيع المخرجين على استكشاف هذا النوع من الأفلام، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع صناع السينما من دول أخرى لتبادل الخبرات والموارد. •شاهدت في الفترة الأخيرة بعض الأفلام العمانية تطرح بعض المشاكل المتعلقة بالمرأة في المجتمعات العربية والعمانية . ماهو مستقبل القضايا المتعلقة بالمرأة في السينما العمانية ؟ مستقبل الخطاب النسوي في السينما العمانية من خلال تناول القضايا النسوية مثل زواج القاصرات والاعتداء الجنسي في الأفلام يمكن أن يساهم في زيادة الوعي حول هذه القضايا في المجتمع ويفتح نقاشات مهمة ويساهم في التغيير الاجتماعي وهناك دعم للمخرجات العمانيات بهدف تعزيز حضور المرأة في صناعة السينما ونشجع المزيد من النساء على الدخول في هذا المجال من خلال الورشات التدريبة وبرامج الدعم التي تقدمها الجمعية العمانية للسينما فضلاً عن تخصيص مهرجان خاص بسينما المرأة والطفل يقام كل سنتان ضمن برامج الجمعية. طرح القضايا الحرجة مثل زواج القاصرات والاغتصاب والاعتداء الجنسي في أفلام سينما الشباب، وخاصة من إخراج مخرجات سينمائيات، يعكس تحولًا مهمًا في السينما العمانية هذا التوجه يختلف عن الصورة “النموذجية” التي تركز على الإخاء والتواصل الاجتماعي، ولكنه لا يعني بالضرورة نشازًا داخل التوجه السينمائي والثقافي العام في السلطنة بل يمكن اعتباره تطورًا طبيعيًا يعكس تنوع الأصوات والمواضيع في السينما العمانية. •هناك نقص واضح في السينما الطفولة في السينما العربية. كيف تتعامل السينما العمانية مع هذا الاشكال؟ السينما العمانية تُظهر وعيًا متزايدًا بأهمية سينما الطفولة، وهذا يتجلى في تأسيس مهرجان خاص بسينما الطفل. هذا التوجه يمكن أن يكون له تأثير كبير على مستقبل سينما الطفولة في العالم العربي، ويمكن أن يساهم في تطوير تجربة مماثلة للسينما الإيرانية التي حققت نجاحًا كبيرًا في هذا المجال. أهمية مهرجان سينما الطفل في عمان من خلال الأفلام الموجهة للأطفال، يمكن للسينما العمانية أن تروج للثقافة والقيم العمانية بطريقة جذابة ومؤثرة هذا يساعد في بناء جيل جديد واعٍ بثقافته وتراثه الافلام الموجهة للأطفال يمكن أن تكون وسيلة فعالة للتعليم والتوعية بالقضايا الاجتماعية والبيئية يمكن أن تساهم في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال. تشجيع الكتاب وصناع الافلام على تقديم أعمال موجهة للأطفال، مما يعزز من تنوع الإنتاج السينمائي المحلي ،إقامة مهرجان سينما الطفل يمكن أن يفتح الأبواب أمام التعاون مع صناع الأفلام من دول أخرى، مما يساهم في تبادل الخبرات والتجارب ويعزز من جودة الأفلام المنتجة. إذا استمرت عمان في دعم سينما الطفولة من خلال المهرجانات والبرامج التعليمية والإنتاج المحلي، يمكن أن تصبح نموذجًا يحتذى به في العالم العربي. هذا يتطلب استمرارية في الدعم المالي والتقني، بالإضافة إلى تشجيع المواهب المحلية على الابتكار والإبداع في هذا المجال بالتالي، يمكن القول أن السينما العمانية لديها الإمكانيات لتأسيس مستقبل واعد لسينما الطفولة في العالم العربي، مما يعزز من مكانتها ويجعلها تجربة مميزة ومؤثرة. •ماهي مشاريعك للسنوات القادمة؟ سأواصل إنتاج أفلام تعكس القضايا الاجتماعية والثقافية المهمة مع التركيز على إبراز التراث والتقاليد والقيم العمانية وهذا سيساهم في زيادة الوعي بالثقافة العمانية على المستوى الدولي ، وتقديم قصص مبتكرة وجذابة وتقديم رؤى فنية متميزة..كما سأستمر في دعم وتوجيه المواهب الشابة في عمان، من خلال ورش العمل والبرامج التدريبية أؤمن بأهمية تمكين الجيل الجديد من صناع الأفلام وتقديم الفرص لهم لتحقيق طموحاتهم أطمح إلى أن أكون جزءًا من حركة سينمائية تساهم في تطوير السينما العمانية والعربية، وجعلها تنافس على المستوى العالمي أؤمن بأن السينما هي وسيلة قوية للتعبير والتأثير، وسأعمل جاهدًا لتحقيق هذا الهدف. *ناقدة سينمائية