عرفت الدكتور صالح بن سليمان الوشمي مطلع عام 1400هـ 1980م عند إنشاء النادي الأدبي بالقصيم، إذ كنت على معرفة قديمة برئيسه الدكتور حسن الهويمل، وعند مروري ببريدة في طريقي إلى حائل حيث كنت أعمل، أزور النادي في مقره القديم بحي الصفراء، وأقابل رئيسه الذي كان لا يرفض لي دعوة بالمشاركة في موسم رعاية الشباب الثقافي بحائل لعدة مواسم. وفي هذه الزيارات ألتقي بنائبه الوشمي الذي كان يعمل ويحضر لمناسبات النادي الثقافية، ويشاركنا بالحديث.. في العام التالي انتقل عملي من حائل إلى الرياض وبدأت فكرة سلسلة (هذه بلادنا) وكنت في طريقي إلى الحج ماراً ببريدة فالتقيت بالأستاذين الكريمين الهويمل والوشمي وجرى النقاش حول المشروع وشروط المشاركة به.. والمواضيع التي يجب أن يتضمنها كل كتاب.. ووعداني بالمشاركة، وكان نصيب الوشمي الكتابة عن (الجواء). استمرت علاقتنا واتصالاتنا وعرفت منه ومن غيره أنه يعمل موجهاً تربوياً بإدارة التعليم بالقصيم ومواصلاً دراساته العليا بالانتساب إضافة إلى بحوثه ودراساته ومراسلاته للصحف والمجلات وغيرها. وبعد حصوله على الدكتوراه عام 1409هـ بقسم التاريخ والحضارة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عن (ولاية اليمامة)، وكان وقتها يعاني من آلام لم تثنه عن إكمال مشروعه أو توقف عمله. ولم يلبث أن غادرنا إلى رحمة الله بعد نحو ثلاث سنوات في رحلته العلاجية في الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا نجد نجله الدكتور عبدالله يقول: «... وجاءت الفاجعة لجدي حين رحل أبي، وكان في نظرتنا البشرية الوريث المحتمل لكي ينوء بأعباء جدي من أبناء وإخوة ومصالح وعلاقات، وشاء الله أن يكلل أجر هذا الشيخ بأن يقبض قرة عينه في حياته، وعلى كبر منه، فيهاتفنا صبيحة يوم الأثنين الموافق 15/5/1413هـ على غير عادته، سائلاً: هل اتصل صالح اليوم من أمريكا؟ وكنا نخبره كل يوم باتصال أبي ما عدا ذلك اليوم فقد تأخر، ثم اتصلنا بهاتف أبي في مشفاه في أمريكا بولاية (مانشستر) ولم نجد رداً!! ثم انتشر الخبر..». ويستعيد ابنه عبدالله شيئاً مما يذكره عن طفولته.. ففي السنة التي ولد بها والده صالح عام 1357هـ كان جده سليمان يحث الخطى قادماً من دمشق في إحدى رحلات (العقيلات) وعلى ظهر جمله يقرأ في كتاب (مقامات الحريري) والذي أهداه لابنه فيما بعد، والابن أهداه لابنه عبدالله (وهو في خزانة الحفيد الآن). وكان والده صالح عندما يكتب قصيدة يطلب من ابنه عبدالله قراءتها بصوت مسموع، وكان يطلب منه أن يحمل مقالاته ويرسلها للصحف، كما يصحبه في أغلب الليالي إلى مقر النادي الأدبي في حي الصفراء (لتكون ليلتي في مكتبة الطفل، يوم أن كانت هناك!!). وقال الابن عن والده وسيرته وسيطرته على الوقت، والاجتهاد في رسم خارطة عمره، «... فبعد صلاة الفجر مباشرة يستحيل أن ينام إلا بعد قراءة يسيرة من القرآن الكريم، حتى إن كان متعباً.. وكانت قناعته تقضي بأن التزام المنهجي القليل خير من التفاوت الكثير، وهو ما يتقن فعله، فلا تجده بعد صلاة المغرب إلا ممارساً للرياضة السويدية البسيطة جداً، وذلك في البيت، بالإضافة إلى عشقه لرياضة المشي..». وقال: « وحين نهضت إلى جمع ديوان والدي، وبدأت بالبحث في أوراقه ومسوداته، دهشت حين رأيت تاريخ والدي كله مسطراً محفوظاً، فكتاباته منذ مراحله الدراسية كلها موجودة ومحفوظة، وقصائده، ووثائقه، وكتبه الدراسية...». وقال ما سمعه من مدير التعليم بالقصيم الدكتور عبدالحليم العبداللطيف: « أن والدي رحمه الله لم يأخذ أي مكافأة أو امتياز مقابل جهوده في نادي القصيم، أو مقابل جهده الإضافي في إدارة التعليم..». وقال: « مع أبي وأمثاله كان بيتنا يعيش لحظات الثقافة ويتنفسها، فالصحف والملاحق الثقافية، والمحاضرات، والأمسيات، ومواسم الجنادرية، والمكتبات، والضيوف المثقفون، والقصائد والمقالات... ولذا فقد كان تعييني عضواً في مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي وانتخابي نائباً لرئيسه إيقاضاً للجذور الأسرية العميقة، فلم أكن إلا ظلاً لوالدي في نشاطه ضمن مجلس إدارة نادي القصيم، وهو الشعور ذاته الذي يغمرني في لحظات أخرى». « وقد كنت – ومازلت - أشعر أنني حرف في صحيفة والدي، وقافية في قصيدته الطويلة، وكل أشجاري تستقي من نبعه، وما زال يغمرني حدبه وألفاظه ونصائحه وتوجيهاته في كل مناحي الحياة..». وقال الدكتور أحمد الطامي رئيس مجلس إدارة نادي القصيم الأدبي عند إصداره كتاب (صالح الوشمي سيرة ومسيرة)، عام 1428هـ: « كان النادي يتغلغل في شغاف قلبه، وكان حريصاً على أن يكون النادي فاعلاً في نشاطاته، قوياً في حضوره، مبدعاً في إسهاماته، متجدداً في أيامه. ولم يكن النادي مرتعه الوحيد، بل كانت له مراتعه المتعددة التي صال فيها وجال، فقد كان – رحمه الله – عالماً، وأديباً، ومثقفاً، وشاعراً، ومواطناً، فسخر كل هذه المزايا وغيرها من مكاناته لخدمة النادي، وخدمة وطنه وأمته». أما العلامة الشيخ محمد الناصر العبودي -رحمه الله - فيقول: «.. أما الأديب الحصيف بل النابغة في الأدب والعلم الدكتور صالح بن سليمان الوشمي فهو معروف لأكثر القراء المعاصرين إذ كان ملء الأسماع والأبصار وكان يشنف آذان المستمعين من الإذاعة، وتزدهي أعين المشاهدين من المعلومات التي يوردها في التلفاز إلى جانب ما ينشره في الصحافة الأدبية من نظم ونثر حتى توفاه الله وهو في أوج عطائه – رحمه الله – ولكن العلم والأدب لم يمت في ذريته بعد موته فخلف أبناء نجباء فيهم الأديب والشاعر وفيهم القاضي والمهندس، بارك الله فيهم..». وأستاذه في معهد بريدة العلمي الشيخ محمد بن عبدالله السبيل -رحمه الله - يقول: «فإن الأستاذ صالح الوشمي – رحمه الله – يعد واحداً من أبرز الطلاب الذين قمت بتدريسهم في المعهد العلمي ببريدة، وقد امتاز عن كثير من زملائه بالالتزام الشديد بالحضور. والمتابعة لما يناقش خلال الدرس، وكانت أسئلته الكثيرة – خصوصاً في المسائل الأدبية – تنم عن ذكاء حاد، واطلاع واسع..». وقال الأستاذ عبدالفتاح أبو مدين -رحمه الله - رئيس نادي جدة الأدبي سابقاً: «... إن كاتبنا متقن لدرسه النقدي، لغة وسبكاً ودقة تعبير واطراد معان، وهذه المقومات أدوات صاحب الدرس الجيد لا سيما في الأدب وما يتعلق به، فالأدب جمال لصاحبه وحلية ثمينة كوسام على جبين الأديب الطلعة، وحسب من تسميته بالأديب نفاسة صفة، لا سيما حين يصاحبها خلق عال وحياء ومروءة، وهذه الخصال الحميدة كانت من سمات أخي صالح السليمان الوشمي..». والأستاذ علوي طه الصافي رئيس تحرير مجلة الفيصل الأسبق -رحمه الله - يقول: «.. كان صديقنا صالح سليمان الوشمي طموحاً وعصامياً، استغل وقته استغلالاً مثمراً، له عينان شاخصتان إلى الغد، فهو رغم عمله الرسمي نهاراً، والتزامه الفاعل بالنادي الأدبي، وارتباطاته العائلية والاجتماعية، رغم كل هذه الالتزامات فرض على نفسه وجهده ووقته مواصلة دراسته العليا، فلم يكتف بحصوله على الماجستير، لأنها لم تكن محطته الأخيرة، وخاصة أنه لا يزال في عنفوان شبابه، وحيويته وتألقه ونشاطه، وهذه مجموعة إذا صاحبها الطموح الفاعل حققت للإنسان الجاد كل ما يصبو إليه..». ويضيف الصافي قائلاً: «.. ولم يهنأ بحلاوة (الدكتوراه) طويلاً مع مصارعته لمرارة المرض!! وبعد أشهر قليلة جاءني الخبر المهول، لقد انتقل (الدكتور صالح سليمان الوشمي) إلى رحمة الله تاركاً الناس والأهل والولد والنادي وزملاء النادي والماجستير والدكتوراه..». وكتب عنه إلى جانب من سبق ذكرهم الدكاترة والأساتذة/ عبدالحليم العبداللطيف وصالح المقيطيب، ومحمد عيد الخطراوي، وعبدالعزيز النقيدان، ومحمد بن عبدالله المشوح، وعبدالعزيز الجارالله، وأحمد عبدالقادر المهندس، وحسن الفهد الهويمل، وسليمان العيدي، وعلي النملة، وسليمان الفندي، ومحمد الحمدان، وإبراهيم السماري، وحسين أحمد الحسون، وحسين محمد بافقيه، ودريد خواجه، وعبدالعزيز اللميلم، وعبدالله أحمد الشباط، وعماد الدين الشوبكي، ومحمد أبو حمراء، ومحمد القشعمي، ومحمد جاد البنا، ومحمد عبدالحميد عيسى، وأحمد اللهيب، وبدوي طبانه، وأسعد أبو الرضا، وحمد السويلم. ورثاه شعراً، صالح بن ناصر الخزيم، وعبدالعزيز الرويس، وعبدالله الوشمي. طلبت من ابنه الدكتور عبدالله تزويدي بأول مقال أو قصيدة قالها والده لأضمها لكتاب (بداياتهم مع الكتابة) فوافاني مشكوراً بقصيدة (الجزائر المجاهدة) قالها عندما كان طالباً بمعهد بريدة العلمي، ونشرت في جريدة اليمامة بتاريخ 18/4/1377هـ. أرض الجزائر للجزا ئر من قديم يا طغاة أرض ليعرب موطن والدين يُحمى جانباه لن تدركوا من أرضهم إلا قبوراً للبغاة كفي فرنسا إنها أرض الفوارس والأباه خلي الجزائر وارحلي عمن يدافع عن رباه بادت جنودك والعتاد وضل شعبك عن هداه والعرب زادوا عزة والنصر من عند الإله ترجم له الدكتور حسن الهويمل في (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) ط1، ج3 « باحث، ومؤرخ، وشاعر مقل، ولد في بريدة 1358هـ وتلقى تعليمه الأولي على شاكلة لداته إذ ذاك في الكتاتيب، ثم التحق بالتعليم النظامي، وكان ممن جمع بين الدراسة والعمل الوظيفي.. وقد كان لنشأته في كنف والده المعروف بحبه للعلم ومجالسته العلماء وعنايته بجمع أمهات الكتب في أثناء سفره إلى الشام، والعراق أثرها الواضح في ارتباطه بالقراءة، واطلاعه المبكر على الموسوعات الأدبية والجغرافية وتعميق اهتمامه بما يمكن تسميته بالجغرافيا الأدبية.. إذ واصل تعلمه منتظماً ثم منتسباً في المعاهد العلمية ثم بكلية الآداب بجامعة الملك سعود، حيث حصل على الشهادة الجامعية من قسم التاريخ سنة 1385هـ ثم التحق ببرنامج الدراسات العليا (الماجستير) في الجامعة نفسها، ونالها سنة 1403هـ وكان موضوع الرسالة (الآثار الاجتماعية والاقتصادية لطريق الحج العراقي على منطقة القصيم)، وأكمل دراسته العليا بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (قسم التاريخ والحضارة) عن (ولاية اليمامة).. وكان لعضويته بنادي القصيم الأدبي منذ تأسيسه سنة 1400هـ وحتى وفاته سنة 1413هـ أثرها الواضح في حياته الأدبية..». وذكر أول مؤلفاته (أبو مسلم الخراساني) يليه (القيمة الاجتماعية والتاريخية في كتاب البخلاء للجاحظ) وكتاب (الجواء) ضمن سلسلة (هذه بلادنا). واختتم الدكتور حسن ترجمته بقوله: «.. واهتمامه الجغرافي مكنه من استدراك بعض الملاحظات على كبار الجغرافيين والمؤرخين، ويتميز بدقة الملاحظة، ودأب التنقيب، وتدوين الملاحظات، ومنهجية البحث، واحترام التخصص». هذا وقد أهدى لي ابنه الدكتور عبدالله رسالة الماجستير لوالده التي طبعت بعد وفاته رحمه الله.