إحياء دور المرأة في الفنون الشعبية وإعادته الى المسرح.
في عدد كبير من الكتابات واللقاءات يرد ذكر مشاركة المرأة للرجل في الرقصات الشعبية، علاوة على وجود القصائد التي وثقت هذه المشاركات. ويأتي ذكر هذه المشاركات في التاريخ القريب، وعدد من الذاكرين لهذه المشاركات حضرها بنفسه ويتذكرها بوضوح مما يعني قرب الفترة الزمنية، وفي الغالب فإن الجميع يدور حول زمن قبل صعود الصحوة في المشهد الاجتماعي وفرض سيطرتها عليه. تراث الأغاني والرقصات الشعبية هو مرآة لتاريخ الشعوب يشمل الذكور والإناث على حد سواء، فكل منطقة لها لونها في اللحن وحركة الرقص التي تعبر عن ثقافتها، ويعتبر تراث الفنون الشعبية رافد من روافد المشهد الثقافي، لا يقل أهمية عن غيره من المجالات الثقافية، إن لم يكن يزيد عليها كون الغناء والطرب يرتبط بوجدان الإنسان وجذوره وذكرياته، كما أن هذا التراث يحكي لنا عن طبيعة الأرض من الساحل والبحر والصحراء والجبال، وحالات الفرح والحزن، بسبب توظيف كل هذه الحالات والأجواء في كلمات الأغاني. من تلك المشاركات لعب “الدحة” للمنطقة الشمالية ومشاركة المرأة فيها، وهي ما تسمى بالحاشي ، وتتمثل بدخول المرأة أو الفتاة إلى الملعبة وهي منطقة أمام الصف أو بين الصفين المؤديين للرقصة..(وقد كان المجتمع في ذلك الوقت ينظر إلى المرأة التي تقوم بدور الحاشي نظرة احترام وتقدير وافتخار بل كانت الكثير من النساء يتنافسن للحصول على شرف القيام بهذا الدور لأن ذلك يزيد من مكانتهن أمام أنظار أبناء العشيرة فقد كان الأقارب وأبناء وبنات العمومة متقاربين مع بعضهم البعض وكانت العلاقة بين النساء والرجال علاقة أخوة وشهامة ونخوة وحشمة واحترام بل كان الرجل يعامل المرأة الغريبة كما يعامل ابنته أو شقيقته)، كما جاء في كتاب “الدحة رقصة الحرب والسلم” لمؤلفه / سليمان الأفنس الشراري .. وهذا ينافي ما يتردد بأن المرأة كانت تلعب مع محارمها فقط، وهذه الأقاويل كانت الخطوات التي تم وضعها للحد من مشاركة المرأة حتى ألغيت تماماً، ففي البداية حصروا رقصها مع محارمها، ثم ضّيق الامر ولم يسمح للرقص إلا للمرأة المتزوجة، ثم تشدد أكثر واقتصر على الجدة، ثم صبوا على الجدة من الاستنكار والعار حتى توقفت تماماً، لذا نعود للأصل وهو مشاركتها بشكل مطلق . وكذلك مشاركة المرأة للرجل في الخطوة الجنوبية، وربما غيرها من الألوان الشعبية التي تزخر بها منطقة الجنوب، وقد يكون هناك مدنا أخرى لديها تراث مماثل من الرقص الجماعي غُيب الفترة الماضية، وبما أننا نعيش نهضة تصحيح وأنسنة الحياة فلماذا لا تعود هذه المشاركات في المناسبات المحلية والدولية في العروض الموسيقية والغنائية التي تحتفي بالتراث على المسارح المحلية والدولية. وللأسف فإن معرفة تراث المرأة السعودية في الرقص شبه معدوم، ومازالت كثير من التقارير الصحفية التي تكتب مكررة بنفس المعلومات التي في الغالب تتحدث عن الرجل مع الفنون الشعبية ولا نعرف هل للمرأة دور أم مجرد مشاهدة؟! وتشعر من عدم وجودها بشكل تفصيلي ومكثف في هذه الكتابات أنها كانت مشاهدة فقط ولكن الأحاديث وما نراه عند زيارة بعض المدن والقرى يعاكس هذه الفكرة تماما، فلها مشاركتها الزاهية والمؤثرة والطربية قولاً ولحناً وحركة، وأتصور أن هذا التنوع الكبير والذي اختفى عن المشهد الاجتماعي والإعلامي يحتاج لتكثيف وإبراز في الإعلام من خلال برامج تلفزيونية أو بودكاستات محترفة تسلط الضوء على تنوع هذا التراث وإبراز المخفي والتعريف به ومن ثم المحافظة عليه من الاندثار ونقله للأجيال، فبسبب التغييب الطويل الذي كان على المرأة وكل ما يتعلق بها، لم يعد هناك من يعرف كيف يطرح مواضيعها الفنية بإلمام وتفصيل! وسأتناول هنا رقصة الرفيحي للمرأة، والرفيحي هو لون بدوي حجازي من تراث بادية قبيلة بلي في منطقة تبوك، حيث يرقص النساء على التصفيق بأياديهن وعدد قليل من الدفوف حسب تقديري المعتمد على السمع لا يتعدى اثنان او ثلاثة بطرق خفيف، واخترت الرفيحي للمرأة بشكل عشوائي بسبب انتشار مقطع أو أثنين عن هذه الرقصة يتم تداولها في شبكات التواصل بشكل كبير: (شكله يا سعد زعلاني بياع العنب ماجاني خلا خاطري وجعاني بياع العنب ماجاني وش غير طباع الغالي بياع العنب ماجاني) وقد قرأت أن الرفيحي تم تطويره على مدى تسعمائة سنة منذ تأسيسه خلال القرن الخامس الهجري في وادي زريب في محافظة الوجه وهي احدى محافظات منطقة تبوك. قد أخطئ في بعض المعلومات وذلك لعدم وجود المعلومة الموثقة، وهذا أحد أسباب كتابة هذا المقال، فقد تجد معلومات متضاربة في التعليقات على ما يتم تداوله من مقاطع مبعثرة في شبكات التواصل، مما يعني ضعف هذا الجانب جداً، وربما يحتاج لجهة رسمية وفريق عمل محب لهذا المجال يدفعه حبه وفضوله للمعرفة وليس مجرد وظيفة ومادة فهذا التراث الكبير والمتنوع يستحق التدوين والنشر والتعريف به، وان تتوفر معلوماته بيسر وسهولة سواء مكتوبة أو مرئية. ولا يفوتني أن اشير لأهمية الدراما في نقل وأحياء هذا التراث من خلال الأعمال المسرحية والتلفزيونية حسب سياق العمل.