سيرين جوهرجي.. طبيبة العيون العاشقة للرسم والفنون:

أسعى للتعبير عن نظرتي للعالم من خلال لوحاتي

لم تكتشف طبيبة العيون د. سيرين جوهرجي موهبتها في الرسم إلا مؤخرًا، حيث شغلتها عنه دراستها للطب وتخصصها في جراحة القرنية والقزحية وتصحيح الإبصار، والإبداع في مجالها، لكنها لا تلقي باللوم في ذلك إلا على نفسها وليس على الطب، مشيرة إلى أنها لم تركز على موهبتها الفطرية في الرسم التي أبهرت المدربين، وأن الفضل يعود لله ثم لهم بعد أن أكدوا لها أنها تملك الموهبة ولا تحتاج سوى لتدريب بسيط لتصقل تلك الموهبة. ومع أنها تعتبر نفسها في بداية مشوارها في عالم الفن التشكيلي إلا أنها تؤكد أن هدفها الأساسي هو التعبير عن ذاتها وأحاسيسها ورؤيتها للعالم من خلال ريشتها، ولا تستعجل على إقامة معارض فنية شخصية، خصوصًا أنها تفضل الاستمتاع بجميع الفنون والسير بخطى تدريجية دون أن تُحمل نفسها أي ضغوط. د. سيرين تنقلت في حوارها لـ “اليمامة” بين الجوانب الفنية والطبية، وأكدت أن طب العيون تطور بشكل هائل في المملكة والعالم أجمع، وأنه لا يوجد أي مبرر للخوف من إجراء عمليات تصحيح النظر بعد أن باتت نسبة النجاح فيها أكثر من 95 % متى ما كان المريض يملك مقومات عالية لإجرائها، منوهة إلى أن خطر أشعة الشمس على العينين يفوق كثيرًا الأشعة الصادرة عن الجوالات أو الأجهزة اللوحية. حدثيني عن بداياتكِ؟. - درست المرحلة التمهيدية في القاهرة والمرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في الرياض، ثم انتقلت لدراسة الطب في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وبعد التخرج عملت في المستشفى العسكري لمدة سنتين، ثم المستشفى التخصصي سنتين، ثم سافرت لأخذ الزمالة الكندية في طب وجراحة العيون في مونتريال بكندا لمدة خمس سنوات، ثم أخذت بعدها التخصص الدقيق في جراحة القرنية والقزحية وجراحات تصحيح الإبصار بمونتريال الكندية أيضًا. عندما رجعت عملت بمستشفى الغوري بالرياض لمدة ستة شهور، ثم عملت في مستشفى سليمان فقيه لمدة ثلاث سنوات كرئيس القسم، بعدها انتقلت للعمل في مجمع الملك عبدالله بجدة لمدة ثلاث سنوات كرئيس قسم أيضًا، أخذت خلالها الماجستير في إدارة الأعمال التنفيذية حيث كنت أدرس كدوام جزئي في الويكند. التحقت أيضًا بقناة ديوان جدة في برنامج جداويات في 2015، ثم عملت برنامج “صحتك بالدنيا” في نفس القناة قبل إغلاقها، وحاليًا أعمل في عيادات باصفار وعيادات إتقان لطب العيون. * الطاقة الإيجابية لا تفنى بل تدور في فلك لا ندرك أبعاده لتتضاعف كلما اقتسمناها.. ماذا تعني لكِ هذه العبارة؟. - معناها أننا كبشر مليئين بالمشاعر الحيوية والطاقة الإيجابية التي لا تفنى بل تبقى داخلنا لتتحول من شخص لآخر، فكل شيء تحاول أن تشاركه مع الآخرين من الطبيعي أن يقل ويتناقص إلا الطاقة الإيجابية كلما تشاركتها مع الآخرين تتزايد وتتضاعف، بطريقة مشابهة لانقسام الخلايا في تكوين الإنسان، وهكذا هي الطاقة الإيجابية تخلق أشياء جديدة، وأنا أؤمن أن الإنسان لا يحتفظ بأي شيء لنفسه بل يشاركه مع الآخرين، فحتى السعادة لا يمكن أن تحققها لوحدك لأنها في الأساس مشاركة، ونحن البشر خلقنا هكذا لنحيا مع بعض، وأعتقد أن الإنسان سعادته مع الآخرين، وأن الحاسة السادسة ليس التنبؤ بل إحساسنا بالآخرين وتلمس معاناتهم، وكلما ارتقت إنسانيتك كلما استشعرت حاجات الآخرين. * من واقع تخصصكِ العلمي وتجربتكِ العملية.. كيف ترين واقعكِ؟، وكيف تستشعرين ما تنجزينه من أعمال في مجال الفن التشكيلي؟، وهل تضطرين لإجراء جراحة عاجلة لبعض ما أنجزته من أعمال؟. - أرى واقعي جميلًا لأنه كان فيه رؤية، واختياري لتخصص طب العيون كان موفقًا جدًا، وهو من أجمل وأرقى التخصصات في هذا المجال، لأن الجمال عادة يأتي في أدق التفاصيل، التي تمنحك رؤية أفضل للصورة الكبيرة، فمثلًا تخصصي جعلني أعرف الكثير من المعلومات عن خلايا العيون التي تتأثر بالضوء، وكل عضو في الإنسان له وظائفه التي لا تقل أهمية عن الأعضاء الأخرى. وفي طب العيون من أجمل المشاعر أن تعيد لشخص بصره حيث ستمنحه كمية من السعادة لا توصف وسيمنحك هو في المقابل طاقة إيجابية هائلة، خصوصًا لدى الأطفال. أما بالنسبة للفن التشكيلي فأنا أرى أن لكل إنسان طريقة ونظرة في الحياة، والرسم يمزج بين الحرفية والمشاعر والأحاسيس، وهذا ما يجعله مختلفًا عن التصوير الفوتوغرافي مثلًا، فالأحاسيس في اللوحات ثرية، وهدفي الأساسي أن أعبر من خلال لوحاتي عن نظرتي الشخصية للعالم ومشاعري وأحاسيسي، وإذا استطعت أن تجسد تلك المشاعر واستطاع متذوقو الفن أن يحسوا بها أيضًا فهذا هو النجاح والسعادة. ولا يوجد شيء يمنعني من تعديل لوحاتي فالأهم هو أنني اتبع إحساسي ومشاعري، وقبل أن أوقع على أي لوحة أتركها فترة حتى أحس أنني اكتفيت منها وأعطيتها كل حقها، ولكن بعد أن أوقع عليها فعندها ينتهي الأمر. وأنا لا زلت في بداية المشوار وليس لديًّ عدد كبير من اللوحات. * الفنانون التشكيليون في غالبيتهم يستكشفون ذواتهم في مجال الفن التشكيلي منذ نعومة أظافرهم.. فمتى اكتشفتِ ذاتكِ؟، وكيف طورتِ أبجدياتكِ في هذا الفن؟، وبمن تأثرتِ؟، وبمن تقتدين؟. - العمر مجرد رقم، والحقيقة أنني لم أكتشف ميلي للفن والرسم إلا منذ سنتين تقريبًا وبعد أن مررت بصدمة معينة في حياتي، فرأيت أنه من الأفضل التعبير عن الألم بالرسم وتفريغ طاقتي بطريقة إيجابية تفيدني من خلال اللوحات، وحقيقة كانت تلك طريقة جدًا مفيدة ونجحت من خلالها في التغلب والسيطرة على مشاعر الألم بشيء منحني طاقة إيجابية كبيرة. والبداية كانت من خلال (اسكتشات) بسيطة لابني مثل شخصيات الأنيمي، كما رسمت إحدى صديقاتي فجأة ودون مقدمات واكتشفت أنني قادرة على الرسم قبل 5 سنوات تقريبًا دون أي تدريب، وصديقتي نسرين بغدادي هي من شجعتني بعد أن رأتني أحب التلوين فأخبرتني أنني امتلك حسًا فنيًا ودعتني للتدرب على الرسم، عند الفنان محمد حبيب وهو أول من تدربت عنده في دورة “فرشاة اللهب” وبعدها الفنانة حبيبة التي تعلم الرسم بالأكريليك وأخذت عندها دورة، ورسمت رسمة للفنان العالمي فان جوخ، وقد ذهلت بها وأخبرتني أنني أملك إحساسًا عاليًا، ولم تصدق هي والكثيرين أنني أرسم لأول مرة ولم أتدرب من قبل، ومع هذا التشجيع رسمت لوحتين أخريين ثم أخذت دورة في فن البورتريه، وحقيقة وجدت تشجيعًا من الفنانين حيث أكدوا لي أنني أمتلك الموهبة ولا أحتاج سوى المزيد من التمارين، وإزاء كل هذه الآراء الإيجابية قررت المشاركة بهاتين اللوحتين في أحد المعارض بالقاهرة، وهو معرض (رؤى عربية) وكانت اللوحتان عبارة عن فتاة بيضاء وأخرى سمراء ونالتا إعجابًا كبيرًا، وكان من بين الحضور الفنانة اللبنانية مادلين طبر التي اقتنت لوحة الفتاة السمراء، وكان شعوري رائعًا حيث استمتعت كثيرًا وأدركت أنني أمتلك إمكانيات تؤهلني للمضي في هذا الطريق، وبدأت أشارك في المعارض وأحرص على حضورها، حيث وجدت أنني أستطيع من خلال الفن التعبير عن أحاسيس ومشاعر وأشاركها مع الآخرين وأرسم وأعبر عما في داخلي وداخل الآخرين أيضًا. وأرى أن الإنسان يجب ألا يتوقف عن التعليم والتطوير طوال حياته، وكل معرض أحضره أتعلم منه الكثير، ويكفيك أنك تكون وسط نخبة من الناس الراقين الذين يستطيعون رؤية ما لا يمكن للآخرين أن يروه ويشعروا بأحاسيس راقية من خلال الفن، ومجرد وجودي معهم متعة كبيرة بحد ذاتها ويسعدني كثيرًا التعرف عليهم والتعلم منهم، لأن الفن هو العطاء. وحقيقة أنا تأثرت بالفنانين القدامى مثل فان جوخ وكليمنت ومونييه، وعندما أخذت الزمالة الكندية أعطاني الدكتور لوحة الموناليزا وقال لي إنني فنانة، ولم أكن أعرف أن عملياتي كانت بداية تعبيري عن حبي للفن. * هل أنتِ مع تخصيص كل فنان في مدرسة معينة أم مع الجمع ما بين هذه المدارس؟. - لا زلت أحاول أن أجرب مختلف المدارس، وأعتبر نفسي في طور التعلم والتطور، ولا زلت منفتحة على كل المدارس لكني لا أرى أنني سأحصر نفسي في مجال معين، ولن أضع نفسي تحت أي قالب، بل أود أن أخرج خارج البرواز التقليدي سواء في الطب أو الفن، فأنا روح حرة وسوف أنتمي حيثما تنتمي مشاعري، وللتعبير عن ذلك أخذت صورة فوتوغرافية للتعبير عن خروجي خارج البرواز. وكل فنان يتخصص في فن معين لا بد أن أحترم قراره لأنه وجد نفسه في هذا المجال، وعلى سبيل المثال أنا عملت وزرت العديد من مناطق المملكة التي أحببتها وأعتز بها، لكن انتمائي كان دائمًا إلى جدة. وسواء كان الفنان مركزًا على مدرسة معينة وجد نفسه فيها أم كان منطلقًا ومنفتحًا فالجمال واحد في كل المجالين، لكن الفارق أن التنوع يمنحك إحساسًا أكبر ويشبع ذائقتك الفنية حيث تكون مثل من يتنقل بين بستان مليء بالأزهار والورود المختلفة، وبين سيمفونية موسيقية متنوعة بعكس من يحصر نفسه في مجال واحد فكأنك تستمع لنغمة واحدة، وكل ذلك يخضع لمشاعر الفنان وحالته النفسية وقت رسمه لتلك اللوحة. * على الصعيد الشخصي ماذا أنجزتِ؟، وما هي أجمل شهادة وصلت لمسامعكِ من المنتمين للفن التشكيلي تجاه أعمالكِ؟، وهل يمكننا القول إن عملكِ بطب العيون أخّر إقامتكِ لمعرضكِ الشخصي الأول؟. - لا زلت في بداية الطريق، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وأنا سعيدة أنني على الطريق الصحيح، وأنا رسمت بعض اللوحات المحاكاة للوحات شهيرة وبعض اللوحات الخاصة بي، وهدفي هو أن أرسم بإحساسي وشعوري، وحقيقة أحتاج للتعرف على الكثير من الفنانين من خلال الحضور للعديد من المعارض الفنية. والطب لم يؤخرني عن دخول مجال الفن أو إقامتي لمعرض شخصي بل أعتقد أنني لم أكتشف موهبتي الفنية إلا في الآونة الأخيرة، فالطب ليس هو الملام بل أنا لأنني لم أكن قد اكتشفت موهبتي ولم أركز عليها، وفي الواقع أنا أرى أن كل شيء جميل في وقته وأؤمن أن الله يختار لنا كل مرحلة في حياتنا بحكمته، ودخولي لمجال الفن هو من أجل المتعة والاستمتاع به وليس لكي أصل لأي مرحلة أو أخوض صراعًا مع الذات، لذا فأنا لست مستعجلة وأنتظر حدوث كل شيء في وقته. * المشتغلون بالطب يُشغلون (مخهم الأيسر) بينما (المخ الأيمن) يكون رهينًا للفن والإبداع وللخيال الجامح... أي (المخين) أكثر اشتغالاً في حاضركِ؟. - المخ الأيسر هو المنطق والتحليل والأيمن هو المختص بالخيال والإبداع والفكر، لذلك أنا أعملت الجانب الأيسر وأسعى حاليًا لتشغيل الجانب الآخر!، وكلا الجانبين يعملان معًا في كل إنسان، لكن هذه العبارة تطلق مجازًا فقد تجد مثلًا الأطباء يبدعون في مجالات الفكر والعكس صحيح، وبالنسبة لي القلب هو الأكثر اشتغالًا، وحاليًا أحاول أن أوازن بين الجانبين فالحياة أساسها التوازن بين الجوانب الإيجابية والسلبية. وأنا عملت مذيعة في قناة (ديوان جدة) لفترة وكان لي برنامج اسمه (صحتك بالدنيا) استضفت فيه العديد من الأطباء والطبيبات، وأنا أحب العمل الإعلامي كثيرًا، وسبق أن ألقيت الشعر وتعلمت ركوب الخيل، وفي الواقع أنا أحب تجربة كل جديد ولله الحمد سريعة التعلم، ودائمًا ما أنتظر الفرص المناسبة وأسعى لخدمة وطني الذي أفتخر فيه، في أي مجال، وأتمنى أن أقدم له ولو جزءًا يسيرًا أو مساهمة بسيطة في تطوره ونهضته، فالمرأة السعودية أثبتت تفوقها في مختلف المجالات، وأتمنى أن أكون قادرة على دعمها للمضي قدمًا في نجاحاتها وإنجازاتها، وأنا لديَّ ماجستير في إدارة الأعمال التنفيذية وأعرف تمامًا كيفية التعامل مع الأمور القيادية والتنفيذية، واستفدت كثيرًا من دخولي هذا المجال لأنني أود أن أعيش الحياة من مختلف زواياها. * من واقع عملكِ بالمجال الطبي.. ما هي أكثر مشاكل العيون في واقعنا المحلي؟. - جفاف العين، ومعظمها يعود إلى الأجواء الحارة والحساسية وقضاء أوقات طويلة أمام شاشات الجوال أو التلفزيون، والتهاب رموش العيون، أما المياه الزرقاء فغالبها يعود لعوامل وراثية وتسحب النظر من الأطراف دون أن يشعر بها البعض، وبالنسبة للمياه البيضاء هناك عوامل تساعد على ظهورها في وقت أو آخر مثل ارتفاع نسبة السكري والتقدم في السن لذلك يختلف وقت ظهورها، وسابقًا كنا ننتظر حتى تكتمل إصابة العين بها قبل التدخل الجراحي، لكن الآن تطور هذا الإجراء وأصبحنا نزيلها بمجرد ظهورها بواسطة الأشعة فوق الصوتية، وأنصح دائمًا بارتداء النظارات الشمسية للوقاية من الأشعة فوق البنفسجية التي تؤذي العين. * يتخوف البعض من إجراء عملية تصحيح النظر، ويؤكد الأطباء أن مثل تلك العمليات لا تصلح لأي شخص يرتدي نظارات، بل يجب توفر عوامل يقرر من خلالها الطبيب مدى إمكانية إجراء العملية، ما مدى صحة ذلك؟. - حقيقة يجب أن نعرف أولًا أن عمليات تصحيح النظر تكون دائمًا للمسافات البعيدة وليست القريبة، وأنا حقيقة لا أنصح بعمليات تصحيح النظر للمسافة القريبة مثل القراءة بل الأفضل ارتداء نظارة مخصصة للقراءة، أما المسافات البعيدة فيمكن إجراء عملية تصحيح النظر إذا كان مستوى الإبصار ثابتًا وليس آخذًا في التناقص، والتخوف ليس له ما يبرره بعد تقدم الطب في هذا المجال خصوصًا أن نسبة النجاح في عمليات تصحيح النظر تصل إلى ما فوق 90%، وهذه النسبة لا تتوفر في أي عملية أخرى في الطب قاطبة، وهناك معلومة مهمة هي أن عمليات تصحيح النظر تعد تجميلية وليست ضرورية. * ما هي الوسائل السليمة للقراءة الإلكترونية وصحة العين، خصوصًا لمن يفضل قراءة الكتب والصحف الإلكترونية باستمرار عبر الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية؟. - الحقيقة أن أشعة الشمس أكثر ضررًا مما يدعيه البعض من الأشعة الزرقاء في الجوالات أو الأجهزة الأخرى، وما يجب أن يحرص عليه من يستخدمها هو ضرورة توفر الإضاءة الكافية وعدم القراءة في الظلام لأن ذلك يرهق العين، وإذا شعرت بجفاف العين بسبب كثرة التركيز استخدم قطرات مرطبة، ومن الأفضل أن يتخلل ذلك فترات راحة للعين.