من صنع الحساء؟
يتحدّث التطوريون بعمق عن الحياة البيولوجية بدءا من الجذور الأولى، ويؤلفون بين الذرات والجزيئات، مكتشفين البنية الأولى في الخلية، وتلك لعمري من إعجاز الخالق؛ لكنهم يستنكفون من ذلك فيقفون عند سؤال الحياة الرئيس يلفون ويدورن بمصطلحات مجازية، كزعمهم أن ثمة فقاعات أولى هي التي كوّنت الحياة في الخلية وأنتجت ما يسمّى بالتمثيل الغذائي، لكنهم يبقون عالقين في سؤال الحياة الأول، هذا السؤال الذي عجزوا عن تفسيره علميا وطافوا حوله كما تطوف الذرات داخل الخلية. الغريب أنهم يطرحون ذلك بوصفه مسلّمة علمية غير قابلة للدحض وأن العلم قد فرغ منها وانتقل إلى مرحلة التطور بكل يسر وسهولة رغم جدلهم العريض حول ذلك، لكنهم استجابة لنموذجهم العلمي المادي يتغافلون عن السؤال بدعوى أنه تمت الإجابة عليه علميا بمجرد فقاعات هي في نظرهم بداية الحساء الكوني، لكنهم لا يجيبون على سؤال من صنع هذا الحساء؟ من بثّ فيه روح الحياة؟ ومن أولاها عناية في هذا التصميم الذكي من الذرة إلى المجرة، إلى هذا البناء الجمالي البديع والتطور المستمر المغروس في بنية التماثل؟ نظريا تبدو نظرية التطور في بنائها وانسجامها مع وحدة الخلق في غاية الدهشة، فشجرة الحياة التي تمتد جذورها في فروعها وفروعها في أغصانها هي نموذج للإعجاز والدهشة التي لا تنقضي، لكن إحالة ذلك إلى الصدف والانتخاب الطبيعي هو ما يهدر قيمة هذه النظرية ويحيلها إلى نظرة علمية أيديولوجية خاوية وخالية من الروح، وينتهي بها إلى أن تكون فقاعات صابون تسبح على سطح الماء ثم تزول وتتلاشى كأن لم تكن، خلافا لذلك فيما لو ربطت بسؤال الحياة ووجود خالق واسع القدرة والعلم والإحاطة بكل هذا العالم في بديع صنعه، فهنا قد يقبل الجدل حول التفاصيل الجزئية التي تناقش ما يسمى بالسلف المشترك للكائنات الحية، قد يقبل جدلا في فضاء النقاش العلمي الرصين، مع تفعيل أدوات التأويل المناسبة، قال تعالى:{ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}. وقبل كل ذلك وبعده يبقى سؤال الحياة متحديا أصحاب النظرية الداروينية، ساخرا من فقاعاتهم المجازية: من صنع الحساء الكوني؟