بنهاية الصيف أتممت بحمد الله قراءة مسموعة لأكثر من عشرين ساعة من الكتب الصوتية. وبعيدا عن الوقوف المصطلحي عند مفهوم القراءة واتصالها بالمكتوب أو توسعها فيما حقه الاتساع، وبعيدا أيضا عن رومانسيات القراءة في الكتب الورقية ورائحة الورق!، واتجاها إلى الغاية المتحققة من القراءة أيا كان وسيطها وآلية وصولها أرى أن من المهم أن نستوعب عصرنا ونفيد من نعمه، ونوسع رؤية القراءة في المسارات الرقمية التي فرضتها ظروف العصر ومتطلباته. لا اختلاف على أن القراءة هي مصدر تنمية الكون وتطوره وعمرانه، وليس بدعا أن تكون في ديننا أول تشريعاته «اقرأ». «وسنة الله الكونية في جعل المعرفة والقراءة محور التغيير لا تتغير، قال الله تعالى: “قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون “، وحين أمر الله تعالى في كتابه العزيز بفعل القراءة، ” اقرأ…” كان الأمر مفتوحاً على أفق القراءة الواسع الذي به يكون تكوين الوعي وعمارة الكون أياً كانت آلية هذه القراءة. وقد نزل القرآن العظيم على نبي أمي -على اختلاف المفسرين حول مفهوم الأمية- لكن الله أمره عليه الصلاة و السلام بالقراءة، وكأنه يعلّم الخلق أن أفق القراءة أوسع من أن يختص بالكتاب والقلم فحسب، وكان جبريل عليه السلام يتواصل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتياً، وهذا يؤكد قيمة التلقي السمعي ابتداء، وأنه مفتاح القراءة الأساس قبل ارتباط القراءة بالكتاب والمكتوب، ففعل القراءة يتضمن آفاقا أخرى كالقراءة الذهنية والتأمل، إلى ما جاء بعد ذلك من مساحات أوسع للقراءة جاءت تالية لفعل القراءة بآلياتها المعروفة، إلى هذا العصر الذي تعددت فيه منافذ القراءة أمام الأجيال المعاصرة بوسائط ربما لم تسبق.»( المحسني، مقال الانفجار القرائي الرقمي، مجلة فرقد ، رابط https://fargad.sa/?p=15650). أتممت قراءة (الكتاب المسموع // فن العيش الحكيم) لشوبنهاور في ثنتي عشرة ساعة صوتية( شوبنهاور ، فن العيش الحكيم https://youtu.be/gG6r8v3LbuA?si=imbvwyBm_eUYxX7B . وهو بصوت وائل جروان. ولن تكون أنت بعد شوبنهاور كما كنت قبله، وأود الإشارة إلى الآتي: • قيمة الكتاب وكتب شوبنهاور بعامة وعمق رؤيتها الفلسفية للحياة والمجتمع. • أذكر بقيمة السماع في التلقي العلمي. • نعمة الكتاب المسموع الذي يتناسب مع زمننا أيما تناسب؛ حيث نصادم وقت فراغنا المهدر بالمفيد المثمر. • كنت أتوقف لأدون بعض قبساته الذهنية. • من إضاءاته الفكرية: • الألم والملل (علاجه الثراء الروحي). • متعة الفردية والعزلة خصيصة الناجين. • نجاحنا ذواتنا. • من يتعذب بالطمع لا أمل له في السعادة. • ازهد في الحياة لتغلبها. • الحياة هي الحركة. • الناس يقدرون من لا يقدرهم. • العالم بعامة أصله الرداءة. •الثابت الوحيد في الحياة هو التغير. واستمعت أيضا إلى عدة كتب عربية أخرى ومنها كتاب (من وحي الثمانين) لعلي الوردي.. بصوت جميل لنزار طه حاج أحمد. وكان من أجمل ما في الكتاب، وكله جميل، مقدمته التي بين فيها بعض أسرار وصوله إلى الثمانين، وخاتمته التي شنع فيها على من يعقد اللغة ومن يطلبنا مثلا أن نستخدم(بلى) النائمة عن استخدام (نعم) الحية بيننا. أو يعقّد استخداماً للهمزة بدل هل... إلى غير تلك من إضاءات تستحق التأمل!. رابط الكتاب https://youtu.be/7lzBIXGiVxE?si=Fsmleicz0E9ob9ND وأود في الختام أن أؤكد على دور النشر في عالمنا أن تهتم للنشر الرقمي بإزاء الورقية من حيث إصدار عدة مسارات من كل كتاب منشور: • مسار ورقي. • مسار رقمي للنشر الإلكتروني المكتوب. • مسار صوتي (ويتم اختيار أصوات قارئة خالية مما يؤذي السمع). • مسار تصويري للكتب التي يمكن أن تحول كلها أو بعضها إلى وسائط تمثيلية لدعم مستويات القراءة المتعددة. وبعامة، فإننا يجب أن نبحث عن القارئ ونعيد التصور لقيم القراءة، وأن نسعى إلى تحقيق غايات النشر وتقريب الكتاب من عصره ومن أهدافه التي من أجلها يكتب الكاتبون.