عرفته عن قرب خلال العشر سنوات الأخيرة من حياته رحمه الله. بدأت علاقتي بالأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي يوم 17/4/1418هـ بمنزله بعنيزة (1998)، كنت متردداً وخائفاً أن يرفض طلبي بلقائه لتسجيل حلقة من برنامج (التاريخ الشفوي) لمكتبة الملك فهد الوطنية، ولما سمعته عن شهرته ومكانته وحرص زوار القصيم على لقائه لما يتمتع به من ذاكرة وحسن رواية في مجالات متعددة. ولكني وسطت ابن عمه سليمان العبدالله البطحي والذي طمأنني بأنه لا يرد أي أحد يريد مقابلته. ومع ذلك استأذنه فرحب وعندما علم أنني أريد تسجيل معلومات منه فضل أن يكون اللقاء بالمنزل صباحاً، وهكذا كان. رحب وهلّى، وقال أنت ضيف ولك حق الضيافة فدعاني مع مرافقي وابن عمه للفطور وبعده طلبت منه أن نبدأ بتاريخ عنيزة ومن الذي سكنها.. الخ. رفض التسجيل بواسطة(الفيديو) وقال يكفي أن تكتب الإجابة أو تسجلها صوتاً فقط. استغرق اللقاء أكثر من أربع ساعات تخللها تناول الغداء ومع الغروب استأذن ليذهب إلى مزرعته حيث تعود لقاء أصدقاء هناك. عدت له بعد أربعة أشهر لاستكمال ما بقي من حديث طويل لا ينتهي. تكررت زياراتي له وحضور لقاءات محببة في مزرعته (مطلة) بين صلاتي المغرب والعشاء. وعندما علم باستضافة مركز صالح بن صالح الثقافي للأستاذ عبدالكريم الجهيمان اتصل بي وطلب أن يستضيفه ومرافقه في اليوم التالي، وكان اللقاء مع نهاية شهر شعبان 1421/ 2020م، وكان معنا الأساتذة معجب الزهراني وعبدالرحمن السويداء وعبدالله العبد المحسن وإبراهيم التركي، وتحول اللقاء إلى حديث عن عقيلات عنيزة وعن التجار الذين ذهبوا واستقروا بالهند وسوريا والعراق والبحرين وغيرها في العالم التالي عندما علم بعودة الأستاذ سعد البواردي للمملكة اتصل بي وألح على دعوته مع الجهيمان وعبدالله العبدالمحسن وغيرهم واستأجر استراحة أقمنا بها يومين وليلتين وكان حفياً ودودا متواضعاً مع الجميع، وكان شغوفاً ومنتشياً وهو يروي ذكرياته عند سفره للبنان ولقاءاته مع أدبائها، وذكر باعتزاز مارون عبود وجورج حنا وغيرهم. وقد بعث لي بعد أيام قصيدة يشكرني فيها على ربط الصلة بالرعيل الأول أثبت هنا نصها ومقدمتها: إعجاباً منى بما رأيته من جهود لك مشكورة في ربط الصلة بين الرجل الأول من أدبائنا الأفاضل .. وتعريف الجيل الحاضر واللاحق بهم وبما يتلوه أقول وبكل اعتراف بالعجل والتقصير : أبا يعرب لا دهتك المنون ولا زلت سيفا يشوق العيون على صهوة العزم دوماً تصول وكل عسير لديك يهون حضنت الوفاء فطفت البلاد تلملم ما ترك الأولون تلملمه من هنا .. من هناك ليورق بعد جفاف الغصون لينضم عقد لأمثاله وتلك العقود عطاء ثمين عبرت طريقاً طويل المسار وحبلك بالله حبل متين كنسمة صيف تجوب الحقول لتوقظ بالحث جينا بجين (١) وتربط بين العقول الكبار لينبض عهد طوته السنين بوصلك جسراً على ضفتين ضفاف الشيوخ..ضفاف البنين كانك حارس ما أنتجوا وإن كان ما أنتجوا منذ حين رعيل تنادوا لرفع الشباب لسقف المعالي صلاب المتون تفانوا وما نظروا للثراء شباع العقول خماص البطون من ابن جهيمان عبد الكريم إمام الرعيل النقي الأمين لسعد (٢) كذاك ولابن شباط وأحمد يعقوب جيل يدين لك الفضل والفضل للسابقين فلا زلت للفضل حصنا حصين ولا زلت في السبق نجم السباق فأنت بكل ثناءٍ قمين أخوك أبو إبراهيم - عبد الرحمن ) عنيزة ١٤٢٣/٢/١٧هـ (۱) ليسمح لي الأدب فهذا التعبير تعبير « بيوفيزيائي « وأمل أنه مفهوم . (٢) الشاعر سعد البواردي. لقد كان من الرواة القلائل الذي يأسرك بحديثه واسترساله ومدى معرفته الواسعة. فهو يحترم السائل ويجيب على اسئلته مهما كان بسيطاً وخارجاً عن الموضوع. الكل يشهد له عندما كان مدرساً ومديراً للمدرسة العزيزية والتي خَرَّجت كثيرا من المسؤولين البارزين في الدولة والمجتمع. وهم يجمعون على محبته والإشادة بانضباطه وحسن تربيته، ورغم أنه لا يحضر المناسبات الرسمية أو الخاصة في الفرح والترح إلا أنه يعد طلابه ويهيئهم للمناسبات ويعدهم إعداداً قوياً فيذهب بهم إلى مكان التجمع ويعود لوحده. حرصت على زيارته في منزله بالمناسبات وفي مزرعته كلما تتاح لي فرصة. فعند استضافة مركز صالح بن صالح لبعض الأدباء في الملتقى الثقافي السنوي يحرص على لقائهم والاحتفاء بهم أذكر منها لقاءه وإعجابه بالأستاذ فهد العريفي وغيره. وهكذا أصبحنا نتعامل كأصدقاء فهو لا يتردد في استقبال أي واحد صغيراً كان أو كبيراً فهو بسيط متواضع هاش باش. عرفت عام 1426هـ بتعرضه لعارض صحي وأنه نزيل مستشفى عنيزة العام فزرته مع الأخ محمد السيف وبعد أشهر نقل إلى مستشفى الحرس الوطني بالرياض فزرته مع الأساتذة عبدالكريم الجهيمان رحمه الله وسعد البواردي ومحمد السيف، وكتب السيف عن الزيارة بأن غرفته تحولت إلى منتدى ثقافي، وفي منتصف عام 1427هـ انتقل إلى رحمة الله فنقل ليوارى بمسقط رأسه، فذهبت مع الأستاذ البواردي لعنيزة لتعزية ذويه ومحبيه، ولم يتمكن الجهيمان من مرافقتنا. علمت من الأستاذ البطحي أن الأستاذ عبدالله بن خميس قد زار عنيزة وقابل الراوية الشهير عبدالرحمن الربيعي فطلب منه تزويده ببعض القصائد المهمة، فجمعها الربيعي وذهب بها لابن خميس بالرياض رغم ضعف بصره وسلمه القصائد وفوجئوا بصدور ديوانه (أهازيج الحرب وشعر العرضة) وإذا ببعض القصائد قد حرفت وحذف بعض أبياتها مما غير المعنى، فكتب الدكتور عبدالله الصالح العثيمين معترضاً ومصححاً فرد عليه بن خميس بصلف بأن لنا مرجعاً كما لكم مرجع ،فكان البطحي قد أعد هو الآخر مقالاً حول الموضوع فعندما قرأ رده على العثيمين تراجع واكتفى من الغنيمة بالإياب، رغم ندرة مشاركاته وكتاباته إلا أنه كتب لي مشيداً بكتابي (الفكر والرقيب) أنقا هنا نصها: بسم الله الرحمن الرحيم «الفكر.. والرقيب» عنوان معبر ودقيق لكتاب قيم من تأليف الكاتب والباحث النشط المعروف «محمد القشعمي» الذي ضمن كتابه هذا وبكل جرأة ما يعانيه الفكر العربي ورجاله في إعلامنا العربي من سوط الرقيب عدو التنوير مسنوداً بجهله وتعسفيته، وجهل من منحه هذه السلطة وأطلق يده يعيث فساداً في حق أخيه الإنسان الذي كرمه الله وأهانه هو ومن أطلق يده ليلوِّح بسوط الرقابة الظالمة في أوجه الفكر والمفكرين، إنهما الحليفان المتلازمان لقتل العقول وخنق مواهبها. إن ذلك السيد المتعسف المرعوب دائماً من أداء العقول لأدوارها والذي أهم ما يشغله هو مد مساحة التصحُّر في آفاق العقول النيِّرة في الأمة وردم مواردها، وتحجيم أصحابها، وشل ألسنتهم، وكسر أقلامهم في محابرها إنه قاتل العقول عدو الوعي والتوعية ظناً منه أنه بذلك سيضمن إلقاء رأسه المملوء بالجهل والغرور والتفرد بالسلطة على مخدة «الأمن والأمان» آمنة مطمئنة اعتماداً على الرقابة الصارمة وتطبيق العقوبات التي له وحده الأمر والنهي فيها. وشنِّ الحرب من قبله وقبل أزلامه ضد كل ما من شأنه حرية الفكر وحرية التعبير. وقد زاد من روعة هذا الكتاب للأستاذ القشعمي، ما أضفي عليه ثوباً من المهابة إيراده أمثلة من الرواد الأوائل ممن عانوا ما عانوه منذ أكثر من نصف قرن نتيجة ما بذلوه في سبيل رفعة العقل وتمكينه من أداء دوره اللائق به ومن هؤلاء: الأساتذة: عبدالكريم الجهيمان، سعد البواردي، حمد الجاسر، عبدالله بن خميس، عمران العمران وغيرهم من مؤلفين، وكتاب ومحررين وشعراء من المعاصرين. نعم لقد قدم المؤلف كتاباً متميزاً في مادته وجرأته، إنه جدير بأن يقرأ، ويقرأ مراتٍ ومرات. عبدالرحمن بن إبراهيم البطحي 14 رمضان 1426هـ 18 سبتمبر 2005م رحمه الله.