عشر سنوات مرت على فراق رائد الفن التشكيلي بالمملكة الأستاذ عبدالجبار بن عبد الكريم اليحيا (1931- 2014م). ولست أنا الذي أطلق عليه هذا اللقب – رائد- أو الرائد الأول في المملكة. رغم إعجابي به وبأعماله الفريدة، بل وغيري ممن درس أعماله. ففي كتاب (تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية) الذي نشرته وزارة الثقافة والإعلام ط 2010م تأليف الدكتور والفنان محمد الرصيص رئيس قسم التربية الفنية بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً، والذي ساهم في التدريس والإشراف الأكاديمي وقدم للكتاب الدكتور عبدالعزيز السبيل وكيل الوزارة للشؤون الثقافية. في نهاية الكتاب أفرد الباب السابع للرواد الأوائل، وعرفهم: «.. بالفنانين الذين برزوا أكثر من غيرهم لأسبقيتهم الزمنية، وبعطاءاتهم وإنجازاتهم الفنية والثقافية في السنوات الأولى من عمر الفن التشكيلي في المملكة، طوال حياتهم الفنية بصفة عامة، وهذان المعياران هما ما استندت إليه في تسمية (الرواد الأوائل) من مواليد الثلاثينيات والأربعينات من القرن العشرين.. «ص212. اختار المؤلف واحداً وثلاثين فناناً ليقدمهم تحت عنوان: (الجيل الأول) يليهم ثلاثة أجيال أخرى. والذي يهمنا ذكره الآن هو الجيل الأول وبالذات من فرض نفسه وقدمه عمله عبد الجبار اليحيا وجاء شقيقه عبدالله الشيخ (1936- 2019) الثاني بعد عبد الجبار، ثم يبدأ سرد أسماء وتراجم كل من الواحد والثلاثين، الأول والثاني الأخوان، والثالث عبدالحليم رضوي، ثم محمد السليم ثم الأمير خالد الفيصل، ثم صفية بن زقر إلى آخر القائمة. رب سائل يسأل كيف يأتي عبد الجبار اليحيا وعبدالله الشيخ أن يكونا أخوين؟ بينما اسميهما يختلفان. وهذه لها قصة طويلة. كلاهما ولد وتربى ونشآ مع أترابهم في بلدة الزبير بالعراق، والتي هاجر لها كثير من أبناء نجد في القرون الأخيرة من نجد بسبب الفقر. عند بلوغ الأخوين سن الرشد أرادا العودة للمملكة، ولابد من وثاق رسمية ومنها جواز السفر فذهب الأول لإدارة الأحوال بالبصرة وأعطي جوازاً باسمه الكامل عبد الجبار بن عبدالكريم اليحيا، والثاني بعد مدة ذهب لإدارة الأحوال للغرض نفسه، فسأل عن والده، وعرف به أحدهم بأنه ابن الشيخ إمام جامع الزبير. فكتب اسمه بالجواز عبدالله الشيخ عبدالكريم.. وهكذا استمرا يحملان هذا الاسم حتى وفاتهما رحمهما الله. نعود إلى رائدهم أبي مازن، والذي كتبت عنه بعيد وفاته بجريدة الجزيرة وغيري، وقد تناولت جوانب من حياته لا يعرفها كثير من الناس علاوة على معرفتهم به فناناً تشكيلاً بارزاً فهو كاتب ناقد وشاعر ومترجم. نشر لي نادي الباحة الأدبي 2018م الجزء الأول من سلسلة كتب تحمل اسم (أعلام في الظل) يضم حوالي 50 علماً، وعبدالجبار أحدهم بعنوان ( عبد الجبار عبدالكريم اليحيا.. الفنان التشكيلي والشاعر والمترجم الموهوب) تناولت سيرته ومسيرته العلمية والعملية، وركزت على الجانبين الشعر والترجمة أما الجانب التشكيلي فكتب عنه غيري. جمعت ما استطعت من قصائده الوجدانية التي كان يرسلها من بودابست بالمجر، حيث أقام فترة من الزمن، وكان الملحق الثقافي، ثم المجلة الثقافية بجريدة الجزيرة تنشرها له. إضافة للقصائد التي ترجمها، إضافة لترجمته لكتاب (اللون وتقنياته.. للفنان التشكيلي) (لها شوارتز) عام 1424هـ 2004م من اللغة الإنجليزية إلى العربية. الآن وقد مر على وفاته عشر سنوات – إذ توفي بالرياض صباح يوم الجمعة 20 رمضان 1435هـ الموافق 18 يوليو 2014م يرحمه الله. جمعت ما استطعت جمعه مما كتب عنه بعد وفاته، وقصائده ومترجماته ومقابلة مطولة له بجريدة عكاظ وغيرها. أذكر بالمناسبة، وأثناء إقامة معرض الكتاب بالقاهرة قبل عشرين عاماً أن زارتني الدكتورة عرب لطفي أستاذة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وهي من أصل لبناني، وهي مهتمة بالفنون الشعبية في ساحل البحر الأحمر وبالذات بالفن الينبعاوي، وكانت تسأل عن وسيلة حصولها على إذن رسمي لإكمال مشروعها، وهاتفت الدكتور عبدالعزيز السبيل عندما كان وكيلاً لوزارة الثقافة والإعلام للشؤون الثقافية وتفاهم معها. وقد لاحظت وجود صور لبعض الأعمال التشكيلية لفنانين سعوديين. ومنها لوحة البناء لعبد الجبار اليحيا فأعجبت بها كثيراً وتمنت الحصول عليها أو صورتها فوعدتها، وعند عودتي للرياض قابلت أبا مازن ونقلت له رغبتها، فقال إنها ليست أهم أعمالي ولكن عرضها في معرض (الرياض بين الأمس واليوم) في بعض العواصم العربية والأوربية أكسبها شهرة حتى أن أحد الهواة في باريس طلب شراءها، وعرض مبلغ 150 ألف قيمة لها، ولكن المسؤولين عن المعرض اعتذروا له لعرضها في المعارض القادمة. بعد شهرين دعاني لمنزله وأهداني اللوحة نسخة أخرى من الأولى – وقال إن اللوحة الأولى ليست ملكي، فاجتهدت على أن أعيد رسمها، وقال: لا تفرط بها ولا تبعها بأقل من 15 ألف ريال، فاحتفظت بها وما زالت في منزلي. فنويت أن أهدي الصورة الموجودة بالقاهرة للدكتورة عرب لطفي المعجبة بها، ولكني لم أرها مرة أخرى. بعد وفاة اليحيا تكلمت مع بعض أصدقائه وابنه مازن لإعداد كتاب يضم نماذج من أعماله الفنية من تشكيل وشعر وترجمة وما قيل عنه بعد وفاته من كلمات الرثاء. قابلت زميله الفنان سعد العبيد رحمه الله وعرضت عليه الفكرة ورحب بها وتحمس وقابل الأستاذ سلطان البازعي رئيس جمعية الثقافة والفنون وعرض عليه الفكرة، وتحمس هو الآخر، ولكن.. مرت الأيام ولم أسمع شيئاً عن الموضوع. بعد مضي سبع سنوات على وفاة عبدالجبار اتصلت بالدكتور محمد الرصيص وذكَّرته بالموضوع فشكرني ووعدني بأن يشارك في إنجاز الكتاب اتصلت بعد أشهر فعرفت أنه يمر بعارض صحي وسيتصل بي فيما بعد، وبعد أشهر أخرى اعتذر لأسباب صحية. زارني الباحث والمهتم بالفنون الأستاذ يحي مفرح زريقان بعد أن عرف بصدور كتابي عن الفنان غازي علي، فبحثت معه موضوع كتاب عبد الجبار لمعرفتي باهتمامه، وفي زيارة أخرى أعطيته الملف وأعطاه أحد المهتمين وهواة الفن التشكيلي، ومر هو الآخر بالعوارض الصحية مما اضطره للسفر للعلاج. وبعد عودته أعاد لي ما سبق أن أخذ خوفاً عليه من الضياع. الآن وبمناسبة ذكراه العاشرة فقد توكلت على الله وبدأت بالتعاون مع الصديق والزميل في مكتبة الملك فهد الوطنية الأستاذ حمد بن سعد المالك في ترتيب وتنسيق وإعداد الكتاب المطلوب. والذي بقي معلقاً هو ضرورة وجود صور لبعض أعماله التشكيلية وبالذات المهم منها فالتصوير والألوان تحتاج إلى فني متخصص ومطبعة مستعدة ولديها إمكانيات لابراز الأعمال بشكل جيد. ومع ذلك سأحاول أن أعيد الضوء من جديد للفنان عبدالجبار اليحيا وأذكِّر به من نسيه أو كاد. وأمامي كتيب أعدته جماعة ألوان للفنون التشكيلية وطبعته مكتبة الملك فهد الوطنية 1424هـ 2003م بعنوان (الفنان عبدالجبار اليحيا .. بمداد من ذهب) بمناسبة ترشيحه للشخصية المكرمة لعام 1424هـ من قبل جماعة ألوان للفنون التشكيلية نظير جهوده الطويلة في مجال الفنون التشكيلية على مدى أكثر من نصف قرن. وقد ضم مقالات للدكاترة: يوسف العمود، وسعد البازعي، ومحمد عبدالمجيد فضل، وعبدالرحمن السليمان، وعبود سلمان. إضافة لسيرته المختصرة، وصور لأهم أعماله، وصور لمعارضه الشخصية.